امام العودة القوية لتشبيك العلاقة بين الائتلاف الحكام بصورة عامة وحركة النهضة بصورة خاصة مع السلطة التنفيذية والانخراط من مواقع متقدّمة في محاصرة حرية الابداع والرأي وضرب الجماعات الضاغطة من جمعيات ومنظمات وقوي احتجاج في مجمل الحقول الفاعلة مثل النقابات القضاء الاعلام اطلقت مجموعة من الاحزاب السياسية المشاركة في فعاليات المؤتمر الوطني الاستثنائي الثاني للحزب الاشتراكي اليساري الملتئم يومي 25 و26 اوت بالعاصمة صيحة فزع ازاء ما بات يتهدد الجمهورية قيما ومؤسسات من محاولات احتواء متكرّرة كشفت دلالاتها وابعادها مسوّدة الدستور وابرزت بُعديْها الكلياني والاستبدادي المتستريْن بغلاف ديني وسقف سماوي. صيحة فزع صيحة الفزع بهذه المضامين جاءت على لسان السيد محمد الكيلاني الامين العام للحزب الاشتراكي اليساري في اطار مقاربته الشخصية للرّاهن السياسي الوطني منذ مرحلة ما بعد 23 اكتوبر. وقد حذت حذو هذه المقاربة التي قدّمها الكيلاني في افتتاح اشغال حزبه مداخلات السادة عبد الرزاق الهمامي (حزب العمل الوطني الديمقراطي) بوجمعة الرميلي (حزب ندا ء تونس) جنيدي عبد الجوّاد (المسار الديمقراطي الاجتماعي) الشاذلي الفارحي (الحزب الجمهوري) وخالد الكريشي (حركة الشعب). ولئن انعقد المؤتمر الثاني الاستثنائي للحزب الاشتراكي اليساري تحت شعار «الانتصار للجمهورية»، فإن هذا المؤتمر لم يكن عاديا ولا انتخابيا بالدرجة التي حاول من خلالها رسم استراتيجية سياسية تنهض على أسس الدولة المدنية وعلى ضرورة التمسك بالجمهورية على ان تنطلق اولى لبناتها من العودة الى معالجة الاوضاع التي افرزتها مرحلة ما بعد 23 اكتوبر بهدف فتح آفاق لخيارات سياسة ديمقراطية لبلادنا تتولى عملية انجازها جبهة متحدّة او قطب ديمقراطي يفتح مجراه نحو اعادة التوازن بين القوى السياسية وفك الارتباط الجديد بين حزب النهضة واجهزة الدولة. جبهة الى جانب جبهات هذا المشروع السياسي الجماعي المشترك يبقي مرتهنا الى شرطين اساسيين حسب وجهة نظرالسيد عبد الرزاق الهمامي وهما تغليب البعد النضالي عن البعدين الحزبي والايديولوجي وتقديم الروح التوفيقية على النزعة السّكتارية. ومن ناحية اعترف السيد بوجمعة الرميلي بالفشل الذريع الذي رافق اداء القوى التقدمية عامة واليسارية خاصة اثناء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي نتيجة ما رافقها من حالات التشتت والتشرذم والانقسام ودعا الى العمل من أجل اخراج مركز الثقل السياسي عن دائرة الترويكا. واعتبر السيد الشاذلي الفارحي أنّ الوحدة الوطنية باتت مهدّدة بحكم تنامي التيار السلفي وارتفاع وتيرة اعتداءاته على مجمل الحريّات باعتبارها مصدر كلّ ابداع واضافة وتقدّم في مختلف المجالات. وفي نفس الاتجاه ذهب السيد جنيدي عبد الجوّاد مؤكدا على خطورة ما أسماه بالتشكل الجديد «للظواهر الظواهرية» في ظلّ ما رافق عمليّات التملّص من التزامات العمل الجماعي والجبهوي من ناحية وظهور فريق جديد للحكم بنيت علاقاته قبل الثورة وترجمت عمليّا بعد انتخابات 23 أكتوبر. وتفاعلت من جانبها حركة الشعب مع الروح الوفاقية والدعوة إلى العمل المشترك من خلال كلمة السيد خالد الكريشي التي عادت إلى البعد التاريخي الذي التحمت فيه نضالات القوميين بنضالات مناضلي الحزب الاشتراكي والقوى اليسارية عامة سواء داخل أسوار الجامعة أو في الساحات والهياكل النقابية. وأضاف السيد خالد الكريشي أنّ حزبه مستعدّ للعمل المشترك والجبهوي على قاعدة شعارات 17 ديسمبر وعلى أساس الابتعاد عن الخلفيات الايديولوجي وذلك لتوفير الشروط الموضوعية المساعدة على التماهي مع قوى الشعب العريضة والواسعة. التقاء حول الرّاهن من خلال هذا التقارب حول تشخيص الرّاهن السياسي وتحديد قواعد العمل المشترك وضبط أولويات اللحظة الرّاهنة واستحقاقاتها، يتأكّد لكل المراقبين والمحللين السياسيين انّ الساحة السياسية الوطنية آخذة في إعادة التشكل ضمن كيانات أوسع وآليات أنجع تتجاوز ذلك التقسيم الفسيفسائي الذي طبع خصوصيات الساحة الوطنية بعد 14 جانفي. ومن سمات هذا التشكل الجديد الذي من شأنه دعم مقوّمات تجاوز الانخرام في موازين القوى السياسية تأسيس حزب نداء تونس وتأسيس الجبهة الشعبية والشروع في تشكيل جبهة جديدة برزت احتياجاتها ضمن فعاليات المؤتمر الثاني التأسيسي للحزب الاشتراكي اليساري الذي تخلّى عن اليسارية على صعيد التسمية. في انتظار تبلور طبيعة هذه الجبهة وآفاق عملها امّا بصورة مستقلّة على غرار الجبهة الشعبية أو الدخول في منظومة حزب «نداء تونس».