ذكرت مصادر مالية مطلعة أن البنك المركزي التونسي دفع البنوك التونسية إلى الحد من إعطاء القروض الشخصية لحرفائها بحجة الحد من التضخم ورغم أن الموقع الرسمي للبنك لم يشر إلى هذا الإجراء فان مصادرنا أكدت وجوده. وتتمثل العملية من زاوية نظر تقنية في إجبار البنك المركزي كل بنك يريد منح قرض على إيداع نسبة كبيرة من قيمة القرض في خزينة البنك المركزي أي أن البنك يضطر إلى إعطاء ضعف المبلغ في كل مرة يعطي فيها قرضا لأحد الحرفاء و هو ما يقلص بشكل كبير من نسبة السيولة لديه ويجعله غير قادر على منح التمويل اللازم لحرفائه. وقد ذهب البعض إلى اعتبار أن هذا الإجراء قد يمس من دور البنوك في الدورة الاقتصادية بعد ان تكف عن تمويل الاستهلاك. حيث يمثل الاستهلاك أهم عامل لدفع النمو الاقتصادي بعد الإنتاج. ولمعرفة نتائج هذا الإجراء الاقتصادي ومدى تأثيره على المواطن والبنوك اتصلت الشعب بعدد من الخبراء الاقتصاديين وكانت معهم الحوارات التالية. غازي بن جاب الله (أستاذ جامعي في الاقتصاد) لقد قام البنك المركزي بضخ كميات كبيرة من العملة لتغطية نقص السيولة لدى البنوك اثر 14 جانفي. وقد تضاعفت هذه الكمية 11 مرة مقارنة بالكمية التي كان البنك المركزي يضخها في السابق حيث قفزت من 0.3 مليار دينار في ديسمبر 2010 إلى 3.5 مليار دينار خلال نفس الفترة من سنة 2011 وقد بلغ الحجم الكلي لتدخل البنك المركزي خلال 2012 ما يقارب 5.1 مليار دولار وهو رقم يؤشر على مدى خطورة الوضع لذلك قام البنك المركزي بهذا الإجراء. فالهدف من الإجراء إن وجد هو تحديد قيمة القروض الممنوحة بهدف التقليص من كميات العملة التي يضخها البنك. ومن الممكن أن يؤدي هذا الإجراء إلى تراجع مرابيح البنوك في المدى المتوسط والبعيد إلا أنها ستكون لها تأثيرات هامشية. فالمتضرر الفعلي من هذا الإجراء هو المستهلك. حيث تمثل القروض الاستهلاكية (2.4مليار دينار) 5بالمائة من مجموع القروض (48.7 مليار دينار) وهي موزعة على أكثر من مليون مواطن أي أن التأثيرات على الاقتصاد لن تكون محددة ولكن الإجراء سيضر بشكل كبير وضع العائلة. فهذه العائلات التي تضطر إلى التداين لتواجه غلاء المعيشة ستواجه مشاكل عميقة مع هذا الإجراء الذي يحد من إمكانية اللجوء إلى القروض. والمدهش في الأمر هو عدم تناسق سياسة البنك المركزي فمن جهة يتبع سياسة نقدية توسعية ومن جهة أخرى يريد الحد من القروض ومنع الاستهلاك من دفع عجلة الاقتصاد.فإذا كان الهدف من الحد من القروض هو محاصرة التضخم المالي ففي اعتقادي أن هناك إجراءات أخرى أهمها العمل على إعادة النسق العادي للاقتصاد الذي تضرر كثيرا بعد 14 جانفي والسعي إلى إعادة الثقة في المؤسسات إذ أن غياب الإرادة في الإجراءات الاقتصادية هي أهم العوامل التي أدت إلى الوضع الحالي. وعلى صعيد الآني لابد من التصدي للقطاعات الموازية باعتبارها السبب الرئيسي في التضخم المالي الحالي. الخبير الاقتصادي معز الجودي يبدو أن محافظ البنك المركزي مرغم على اتخاذ قرار الحد من القروض لتمويل الاستهلاك وذلك بسبب الانهيار الذي يشهده الاقتصاد التونسي. وكنا قد حذرنا من تدهور الوضع غير أن الإجابات لم تكن مقنعة. والآن وبعد تدهور الأوضاع من المؤسف القول أن ما كنا نستطيع فعله في السابق لإنقاذ الاقتصاد أصبح الآن صعبا ودخلنا في مرحلة القرارات المؤلمة. فنسبة التضخم الحالي تجاوزت 5.7 بالمائة في حين أن الاقتصاد التونسي لا يمكنه تحمل أكثر من 4 بالمائة. وترتكز فكرة الحد من القروض على واقع أن العرض ضعيف نتيجة ضعف أداء جهاز الإنتاج مقابل ارتفاع الطلب لذلك فان الحد من القروض قد يحد من الطلب ويضغط على الأسعار. ومن هذا المنطلق فان هذا القرار غير كاف ومنقوص لان الأسلم أن نعمل على تطوير عجلة الإنتاج من ناحية بما يدفع العرض وان نقاوم التهريب. فالحد من استهلاك عبر الحد من التمويل سلاح ذو حدين وقد يؤدي إلى الحد من النمو الاقتصادي على اعتبار أن الاستهلاك هو احد أهم محركات النمو. وقد تكون النتائج على الاقتصاد وخيمة في حال اضر هذا الإجراء بواقع البنوك لان تضرر الجهاز البنكي التونسي سيؤثر بشكل كبير في الاقتصاد علما وان 87 بالمائة من تمويل الاقتصاد متت من البنوك وليس من الحكمة أن يقع تأزيم وضعها. وبالنسبة للحلول البديلة فأرى انه من الأجدر الحد من الودائع البنكية وملاحقة ومعاقبة المهربين والمضاربين واتخاذ إجراءات اقتصادية متشددة ضد كل المساهمين في ارتفاع الأسعار وخاصة المهربين. عبد الرحمان اللاحقة استاذ جامعي وخبير اقتصادي ان الهدف من اجراء الحد من قروض الاستهلاك هو الضغط على الطلب والحد من العجز التجاري اذ من المفترض ان يؤدي نقص الطلب على المواد المستوردة إلى نقص اللجوء إلى التوريد وتحسن وضع الميزان التجاري غير ان هذه النتائج تبقى نظرية امام عدم المعرفة بمدى مرونة الطلب إذ وعلى صعيد الانتاج يمكن لهذا الاجراء ان يضر بالمؤسسات الاقتصادية بعد ان يتراجع الطلب خاصة اذا كانت القروض تستعمل لاستهلاك المواد المحلية وهو ما سيؤثر على النمو الاقتصادي باعتبار تراجع الطلب الداخلي والخارجي. وبالنسبة للبنوك فان هذا القرار يسبب ضررا لأنه سيحرمها من موارد مالية قادمة من تقديم القروض وهو ما يمس من ربحيتها. وعلى العموم فإنّ الفكرة ليست سيئة ولكن نجاعتها على المحك فهذا الاجراء غير كاف ويجب ان يكون مسنودا بمراقبة مسالك التوزيع ومقاومة التهريب لان قلة العرض ناتجة عن سوء التوزيع وهو ما يتطلب مجهودا اضافيا.