كنت نشرت على أعمدة « الشّعب « تعريفا للمناضل عمر السري رفيق درب بلقاسم القناوي مؤسس جامعة عموم العملة الثانية سنة 1936 و لما لم تطل تجربة القناوي بحكم الدسائس وقيام الحرب لكن الروح النقابية لم تنطفئ في صدور النقابيين وبعد تكوين حشاد العظيم لمنظمته الخالدة الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 حتى عاود الحنين الجميع للرجوع إلى حظيرة العمل النقابي .... حيث أسس المناضل عمر السراي وجملة من رفاقه من بينهم العيساوي الزعيبي نقابة خاصة للخبازة بالإيالة التونسية هذه النقابة التي تصدت للمُستعمر واستماتت في تحقيق المساواة بين العمال الأجانب والتونسيين وشنت الإضرابات العُمالية دون هوادة ولا استسلام لدرجة أنهم تمسكوا بالتفاوض في شأن منظوريهم مع المقيم العام شخصيا تحديا لكل وقار المستعمر و من الصدف أني التقيت مؤخرا بمدينة قابس نجل المرحوم العيساوي الزعيبي الأخ عبدالرحمان الزعيبي حيث تجاذبت معه أطراف الحديث باعتبار أنه أيضا تحمل مسؤولية نقابية بالنقابة الأساسية للخبازة بقابس لكن لفترة زمنية قصيرة نسبيا وكان ذلك سنوات 62 و 63 و 64 فطلبت منه بعض الوثائق الموروثة عن والده لأستكمل بها تلك التي أمدتني بها السيدة إسلام محرز السراي حفيدة المرحوم عمر السراي فاعتذر لعدم توفرها لكنه روى لي قصة أردت أن يطلع عليها عبر أعمدة « الشعب » الشباب من النقابيين والعُمّال لما يكون الإنسان مخلصا للمنظمة وصادقا مع الهياكل والمنخرطين ويقول ابن الناضل العيساوي الزعيبي ...» كان والدي لا يحسن القراءة كأغلبية رفاقه في النقابة وكنت حينها في سنوات الدراسة الأولى لكني أدرك جيدا ما يدور حولي كان أبي أمين مال النقابة الأساسية للخبازة بقابس بعد ما عاد إليها من تونس و لما حان موعد مؤتمرها الثاني طالبه الجميع بمالية النقابة التي يجمعها من الانخراطات لأن انخراط ( الوزّان ) غيره ( للعجّان ) ( و للرّايس ) ولما وجد أن في ميزانيته اختلالا سببه الأصلي عدم الدفع أو التقسيط فيه من قِبلِ المنخرطين بحكم الوضع المالي والاجتماعي الذي يمر به الجميع في تلك الفترة فما كان من أبي إلا أن طلب من أمي أن تمكنه من مصوغها وكنت حضرت شخصيا هذا المشهد الذي لم يفارقني لحد اليوم كما أنه تم بالأمس انصاعت أمي لأوامره نظرا إلى ما كانت عليه المرأة في تلك الفترة فوضعت مصوغها الذي هو من أحب الأشياء لقلبها في منديلها ليبيعه ويقدم ثمنه في مؤتمر النقابة تتمة لما هو مطلوب منه تقديمه كانت التضحية من نفس كبيرة لأجل المبادئ وقيمة الرجل بين أصحابه ... «. قام النقابي العيساوي الزعيبي بهذه الحركة النبيلة ضريبة أميته لكن إكراما لتعهداته مع زملائه والتزاما منه للمنظمة التي ينتمي إليها الاتحاد العام التونسي للشغل، ما أحوجنا هذه الأيام لنفوس كبيرة مثل هذا الرجل وما أحوجنا لمن يخاف الأمانة إلى درجة أنه يقدم لها حليّ زوجته الذي يعتبر ( تحويشة ) العمر كما يقال كانوا رجالا من ذهب أسسوا بمثل هذه السلوكيات والتضحية لاستمرارية هذه المنظمة العتيدة وقيمها ومبادئها.