لا يختلف اثنان من العارفين بتاريخ البلاد ومسيرة رجالاتها المخلصين في أن أحمد التليلي الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل المناضل الوطني والنقابي والحقوقي ترك بصماته المؤثرة في تاريخ البلاد هو مناضل بكل ما تحمله الكلمة من معنى فهو من قاد رجال المقاومة في ربوع الجنوب بالجبال والوديان الذين كانوا يأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه وهي درجة لم يبلغها أي زعيم وطني دونه ثم أن النقابي التليلي كان بشهادة خصومه قبل أصدقائه بطل الجلاء بدون منازع لأنه قاد معركة رمادة التي قامت بالتوازي مع معركة بنزرت ولست أدري ما الغرض من إخفائها من مشهد الجلاء في حين نالت مدينة بنزرت ما نالته من شرف بطولة الجلاء دون الإشارة لمعركة رمادة ولبطلها الذي دحر الجيش الفرنسي المتواجد بتلك المنطقة ما يفوق الأربعين كيلومترا وكبّده الخسائر الفادحة في الأرواح والمُعدات لتُصدر على إثره الأممالمتحدة نداءا لوقف الاقتتال والرجوع لطاولة التفاوض لأن القضية التونسية رجحت بالكفة الفرنسية في حين أن القوى كانت غير متكافئة بمعركة بنزرت بحكم الاستعمال المفرط لمختلف الأسلحة الثقيلة التي يقابلها المتطوعون فقط سوى بالوازع الوطني وأيضا النداء الفردي للزعيم بورقيبة الذي أراد توظف الدماء التونسية كوسيلة ضغط على الرأي العام الدولي بقطع النظر عن موازين القوى أو قيمة الخسائر التي تكبدها التونسيون ولقد كان لمجهود التليلي نصيب الأسد في النصر ودليل ذلك توسيمه عسكريا وهو المدني النقابي ثم بعد الاستقلال لم يركن لما توفره سدة الحكم من وجاهة ومراكز سيادية إنما اعتبر أن فترة الاستقلال هي صفحة جديدة للخروج بالبلاد من التخلف واللحاق بركب الحضارة والتقدم وذلك من منطلقات وطنية تحررية من مخلفات تكريسا للممارسة الديمقراطية وحرية الرأي ومفهوم المواطنة الصحيحة وهي الأفكار التي ناضل لأجلها مع ثلة من رفاقه قدموا لأجلها جليل التضحيات رائدهم في ذلك بناء الشخصية المتوازنة للتونسي الذي ذاق الأمرين من ممارسات المستعمر الذي سعى لتجهيل الشعب واستغلال ثرواته وكان التليلي كعادته في المقدمة وتجسم ذلك في رسالته الشهيرة التي توجه بها للرئيس بورقيبة التي أعتبرها كل من اطلع على مضمونها بأنها خارطة طريق ديمقراطية حقوقية سابقة لأوانها ليس بتونس فحسب بل بالعالم الثالث بصفة عامة لأنها جاءت شاملة و عامة و مفصلة للواقع التونسي حينها و داعية لما يتطلع إليه الجميع بعد الاستقلال الشيء الذي أثار سخط بورقيبة الذي دفع بطريقته التليلي للمنفى الاختياري ليُمْعن بعدها في مُلاحقته حيث تعرض لعديد محاولات الاغتيال ومُنع علنا من العَودة للوطن الذي ساهم في تحريره حتى بعد إصابته بمرض عضال أصر بورقيبة على منعه من العودة وملاقاة أفراد عائلته ولما تأكد من أن التليلي قد وصل مرحلة اللاشفاء سُمح له بالعودة لقد عاش التليلي في أوروبا شبه مشرد ملاحق من البوليس السياسي عايش الجوع والخصاصة لقد تعاطف معه العارفون بوضعيته الحرجة وتعقب النظام التونسي له حيثما حل وارتحل وبعد وفاته حاول بورقيبة عبثا التكفير عن ذنبه نحو أحد زعماء تونس البررة بالاعتراف له بالجميل نحو الوطن بحركة فيها الكثير من الدهاء السياسي الرخيص ونحن بعد ثورة الكرامة أليس التليلي الأجدر على الإطلاق بعد حشاد طبعا بأن يسترد كرامته وينال المرتبة التي يستحق على المستوى الوطني في ندوة وطنية يؤسس لها الإتحاد العام التونسي للشغل تُدعى لها جميع الأطراف السياسية الرسمية ورئاسة المجلس التأسيسي ومكونات المجتمع المدني وهو أضعف الإيمان من النقابيين نحو أحد أبرز الأمناء العامين للإتحاد العام التونسي للشغل أعتقد أن مبادئ الثورة وحدها كفيلة بذلك.