كانت البلاد التونسية قبل الاستقلال تعيش التعاسة والظلم داخل نوع من العبودية المقيتة التي إستباحت الأرض والعرض، الوضعية رفضها التونسي منذ بداياتها وتعامل معها بمنطق العداء للزائر غير المرغوب فيه الذي تصدى له بعديد التحركات الجماعية منها المنظم ومنها ما هو دون ذلك ومن أبرز هذه التحركات تجربة محمد علي الحامي التي أجهضت وتشرد قادتها ثم كانت التجربة الثانية لبلقاسم القناوي التي أجهضتها نيابة عن المستعمر أياد تونسية حزبية ليُسدل الظلام من جديد على الوطن وتستعيد النقابات الفرنسية إنفرادها بالعامل التونسي في وضعية منافية للمبادئ النقابية التي تدعو للمساواة بين كل العُمّال دون تمييز لكنها كانت تتعامل سلبا مع العامل التونسي بصفة خاصة لأن المستعمر الكاتم على أنفاس الشعب نسي أن بلد محمد علي الحامي ليست عقيما وأنها ولادة وأن فترة الفراغ التي تلت التجربتين الأوليتين إنما هو السكون الذي يسبق العاصفة هذه العاصفة التي لم تتأخر لتولد يوم 20 جانفي 1946 عاتية مدوية أطلق عليها اسم الإتحاد العام التونسي للشغل معلنة معها عن ولادة شعب من رحم العذاب لينطلق نحو الإنعتاق ودحر المستعمر هذا المولود الحدث رفض الوضع المزري الذي عليه الفرد التونسي فما كان من هذا الشعب إلا التجاوب مع الإتحاد والالتفاف حوله والالتزام ببرامجه و إقرار توجهاته لأنه باشر كفاحه الوطني دون مقدمات أو مشورة أي كان واضعا أمامه المصلحة العليا للوطن فكانت سلسلة النضالات مكثفة ومتتابعة أزعجت المستعمر الذي لم يألف مثل هذه التحركات النوعية في مُستعمَراته الأخرى وكان القصد واضحا عند النقابيين أن هذا الشعب لا يستكين للظلم وفي مرحلة ثانية لتثبت المكانة التي عليها الإتحاد في الوسط الشعبي كانت تحركات المنظمة بقيادة باعثها تصاعدية فيها الكثير من الثقة في النفس وصادق العزم على تغيير ما بالقوم هذا الفكر الجديد الذي لامس مكامن الألم في النفوس فتجاوب معه الشعب بالإستجابة لكل عديد الإضرابات العامة التي دعى إليها الإتحاد التي انطلقت بيومي 4 و5 أوت 1947 دفاعا عن الأجور وضرورة تواجد الإتحاد في لجنة الأجور وقد شارك في هذا الإضراب ما يفوق مائة ألف عامل ومواطن قدموا لها 29 شهيدا وجُرح عدد كبير واعتقلت أعداد أخرى من العمال و النقابيين ثم سنة 1950 إثر أحداث النفيضة يقرر الإتحاد الإضراب العام انتصارا للأهالي الذين أستشهد منهم خمسة وجرح العشرات وفي سنة 1951 بالتعاون مع بعض القوى بالبلاد تضامن الإتحاد مع إخواننا بالمغرب يشن إضرابا عاما إحتجاجا على قمع قوات الأمن للوطنيين كما دعا الإتحاد في نفس السنة لإضراب عام لمدة 3 أيام إحتجاجا على قرارات سياسية للمستعمر أسفرت عنه عدة إعتقالات للنقابيين وطرد الكثير من العمال وفي فيفري 1952 (سنة إستشهاده) يقرر حشاد الإضراب العام إحتجاجا على عملية التمشيط التي قام بها المستعمر بالوطن القبلي والتي استهدفت النقابيين والدستوريين والشيوعيين هذا الإضراب نتجت عنه عديد المُصادمات استشهد فيها خمسة عمال وجرح عدد آخر وفي 1955 ينظم الإتحاد العام التونسي للشغل إضرابا عاما شمل كامل البلاد من أجل المطالبة بالزيادة في الأجور وكان الإضراب الأخير يوم 26 جانفي 1978 الذي نفذه الإتحاد العام التونسي للشغل من أجل العدالة الاجتماعية كل هذه التحركات تجاوب معها الشعب برمته لأنه آمن بالمنظمة قبل إيمانه بمطالبه الوطنية والاجتماعية فانصهر فيها يقينا راسخا منه في أن خلاص الوطن قضية حياة أو موت في فكر حشاد ورفاق دربه فأصبحت بموجبه منظمته عقيدة يحملها كل تونسي في وجدانه لأجل ذلك بقي الإتحاد على مدى العقود التي تلت الاستقلال القاطرة التي تتقدم كل القوى الحية بالبلاد اعتمادا على قدراته البشرية والكفاءات القيادية التي يزخر بها التي تمثل المخزون الاحتياطي للوطن ولم يكن من المستغرب أن تنطلق ثورة 14 جانفي 2011 من دور الإتحاد بكل الجهات تلك هي بعض المحطات النضالية التي ساهمت بصفة مباشرة في زعزعة ثقة المستعمر في نفسه وساهمت في بناء الدولة الحديثة هذه القوة الخارقة التي أسس لها حشاد العظيم مرتين الأولى بفكره وجهده والثانية بدمه الذي أهدر غدرا ذات 5 ديسمبر 1952 ليبقى الإتحاد على الدوام محل وفاق و توافق على أنه قيمة ثابتة يمثل الضمير الخفي للوطن هذه الحركة النقابية التي تنبأ لها المصلح الاجتماعي الطاهر الحداد أحد مؤسسي تجربة محمد علي الحامي حيث قال: «... لننتظر المستقبل فهو الفيصل النهائي في أن الحركة النقابية لن تموت وهي روح عاتية قد دبت في جسم هذا الشعب.