في يوم 9 أفريل 1938 خرجت جموع الشعب منادية ببرلمان تونسي كلبنة أساسية للتحرر من نير الاستعمار الغاشم فواجهها الجيش الفرنسي بوابل من الرصاص سقط جراءه عشرات الشهداء والجرحى عدا آلاف المعتقلين الذين زج بهم في السجون والمحتشدات، ونظرا لفداحة الجريمة الاستعمارية وللأهمية التاريخية لهذا الحدث وحتى لا ينسى التونسيون مآثر من ضحوا في سبيل انعتاقهم وعزتهم ارتأت دولة الاستقلال أن تجعل من هذه المناسبة عيدا وطنيا، ثم جاءت ثورة 14 جانفي فخال التونسيون أنها ستزيد القيمة الاعتبارية والمعنوية للمناسبات الوطنية التي يعبر من خلالها الشعب عن اعتزازه بتاريخه الوطني وخصوصا ميراثه الزاخر في مقاومة الاستعمار لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ففي الوقت الذي أرادت فيه القوى الديمقراطية والوطنية إحياء ذكرى 9 افريل في السنة الفارطة بالقيام بمسيرة احتفالية سلمية في شارع الحبيب بورقيبة لما يمثله من رمزية مفصلية في تاريخنا المعاصر لكنها جوبهت بالتعنت والتشدد من طرف اليمين الديني الماسك بزمام السلطة وأحزابه الديكورية الانتهازية إذ رفض وزير الداخلية آنذاك و«رأس» الحكومة الحالية الترخيص لتلك المسيرة وأمام إصرار القوى الديمقراطية على ممارسة حقها في التظاهر السلمي احتفالا بالمناسبة مورست عليها حملة عنف همجية شنتها ميلشيات إجرامية منحرفة ومأجورة وقع استعمالها كأجهزة موازية لقوات الأمن التي مارست بدورها العنف في أقصى درجاته ذلك اليوم بتعليمات مباشرة من الوزير آنف الذكر. ولئن كان بالإمكان –ضمن شروط وحدود معينة- تبرير العنف الشرعي لأجهزة الدولة فإن هذه الميلشيات التي ذكرتنا بفرق الSS النازية تبرز بكل وضوح النزعة الفاشستية ذات التوجه الديني لليمين الحاكم وهو ما مثل أنموذجا «مصغرا» يعكس طبيعة تفكيره وتصوره المستبد لإدارة شؤون البلاد والمسك بمفاصل الدولة بواسطة العنف الممنهج بغرض إعادة تنميط المجتمع وفق واقع افتراضي لا يوجد سوى في أدمغتهم التي توقفت عقارب ساعاتها عند القرون الوسطى وبداوة السلالات الرجعية الحاكمة في الخليج، بهذه الصورة فإن العنف الأعمى يجسد السعي الدؤوب إلى تحويل الشعب التونسي إلى رعايا ومجرد قطيع تابع مغيب العقل والذاكرة، وهنا يبرز البعد الآخر للقمع الوحشي لمسيرة 9 افريل 2012 فالإرادة واضحة في الحط من شان الحركة الوطنية ورموزها عبر طمس التاريخ أو على الأقل تشويهه واعتبار أن بداية التاريخ هي يوم 23 أكتوبر الذي «لا يجب ما كان قبله». لقد ظن القامعون أن حملة الإرهاب المتخلفة يوم والعنف المنظم الذي تلاها ووصل إلى حد اغتيال لطفي نقض وشكري بلعيد واستعمال سلاح «الرش» والاعتداء على الاتحاد العام التونسي للشغل... سوف تخرس الألسنة وتفرض الانصياع لهذا المشروع الهدام لكنهم أخطؤوا المرمى فالشعب التونسي المسنود ب 3000 سنة من الحضارة سيستمر في مقاومة كل مخططاتهم المدمرة المستترة بالدين لأن على هذه الأرض ما «يستحق الحياة» كما قال الراحل العظيم محمود درويش. في الأخير لا بد من الإشارة إلى عمليات التعويم والتعتيم والتجيير التي تتعرض لها كافة لجان وملفات التحقيق بغرض إخفاء الحقائق وإنقاذ المجرمين من العقاب رغم أن أغلبيتهم معلومون اسما وجسما، بقي أن نقول أن التاريخ وهو مختبر الأحداث قد وفر فرصة لكل من على بصره غشاوة ليتعرف عن قرب |إلى سلوك الرجعيين الميليشياويين وعلى حد تعبير احد المفكرين: «أنا لا ألوم الأصولي على أصوليته بل ألوم من يسوق له ممن يدعون أنهم أبناء الحداثة والعصر».