لمّا أعيتني الحيلة في الحصول على الجائزة بالوسائل الشرعية، وزاد غبني كلّما بعدت عنّي، رضخت في الأخير لنصائح زميلين قالاَ لي أنّهما جرّبا ونجحا وقرّرت أن أسلم أمري الى عرّاف. ولأنّني لم أكن أعرف واحدًا بعينه، فضلا عن أنني تفاديت صديق الزميلين، فإنّني طفقت أطالع الصحف بحثا عن واحد يشي لي بالثقة. هالني العدد الذي وجدته من الاعلانات المنشورة لهم رجالا ونساء وهالني أكثر ما وجدته فيها من خصائص واختصاصات وقدرات على الشفاء وتوفير الدواء لما صعب واستعصى من الأدواء، حتى أنّ الاختيار عنّي صعب وأنّ فكري من فرط الانشغال تعب. المهم أنني في الأخير عثرت على ما أبغي، حيث تبيّن لي من خلال بطاقة الزيارة أو بالأحرى من خلال الاشهار أنّ الرجل «يجمّد الماء» كما يقولون. قصدت المنطقة المعنية التي ما إن وصلتها، وجلست في أحد مقاهيها بنيّة الاستكشاف، حتى بادرني النادل بالسؤال عن حاجتي. ولما لم أجب، قال فهمت... أنت محرج وخجلت من أنّك في النهاية تلجأ إلى عرّاف... كثيرون مثلك مرّوا من هنا، واستنكفوا في البداية، تحرّجوا، خجلوا،،، لكن ما رأيك أنّ جميعهم قضى شأنه وعاد شاكرا مادحًا... تعال، تعال، سآخذك إليه. فكّت عقدتي،، وماهي الاّ لحظات وجدت بعدها نفسي أمام شخص عرفته من أوّل نظرة، كان فطنا جدّا، ذكيّا جدّا، ناجحا جدّا، متفوّقا جدّا حتى أنّه «أحرق» جميع المراحل في أسرع وقت ممكن: نجح، اشتغل، تزوّج، أقام مؤسسة، أصبح له اسم وشأن وصور كثيرة في الصحف والتلفزيون.. ثمّ اختفى،، عشرون عاما أو يزيد مرّت.. تجاهل تام حتى لمّا حاولت ان أذكّره، قطع عليّ الحديث بشيء من الحدة: لست أنا من عرفت، إنّه شبهي، كثيرون أخطؤوا مثلك،، أنا هنا في هذه المهنة منذ عشرات السنين،، قادر على كلّ شيء على ترقيتك، على نيلك الجائزة بل وحتى على عزلك من وظيفتك، أعرف كلّ شيء عنك.. أنت فلان ابن فلانة، زوج فلانة، صاحب فلان، تكره فلان، تحبّ فلان، تطمح الى، تريد كذا. أنا أنفذ الرغبات، أحقق المطالب، أقرّر، وباختصار أعتبر شأنك مقضيا، هات المقابل، أناس آخرون في الخارج ينتظرون. ثلاثون؟ * وهل أنا طبيب؟ عشرون؟ * لسنا في متجر من فضلك فكم يلزم إذن؟ * مئتان ماذا فعلت لتطلب مثل هذا المبلغ؟ * أوّلا: سأقضي لك شأنا يوفّر لك عشرات أضعافه. ثانيا، سيعود لك المبلغ في شكل اعلانات. وكيف لي أن أتأكد؟ * سل زميلك فلان، نعم اسأله كيف... دفعت وقفلت عائدا من حيث أتيت، محاولا في الأثناء جمع شتات أفكاري التي بعثرها الرجل ومجهدا نفسي في البحث عمّا جناه الزميل المشار إليه من مكاسب اضافية. وفيما كنت كذلك، قطع عليّ فرس جامح الطريق والتفكير وأيقظني على حقيقة أنّ سلامتي في السيارة رهينة الانتباه الشديد.. لمفاجآت كثيرة لا يعرف السائق من أين تأتي. آه.. لقد فعلها ابن ال... انّ الزميل الذي يتحدّث عنه توفّي منذ سنوات خلت!