بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يوجد وكلاء حصريون للفقه الإسلامي
د.محمد شحرور ل « منارات «: حوار رشأ التونسي
نشر في الشعب يوم 07 - 04 - 2007

الدكتور محمد شحرور مفكر سوري تميز بقراءاته الخاصة والمعاصرة للنص, ومغايرة للشائع والمألوف والمكرس في العقول منذ قرون . إنطلق عبر مشروعه الفكري أواخر ثمانينات القرن الماضي بعد أن دفعته هزيمة حزيران إلى منحى من التفكير حمل له الكثير من الخصوم في العالمين العربي والإسلامي , لكن أيضاً الكثير من المؤيدين والمشجعين بما فيهم جزء من التيار الإسلامي المنفتح.وإن كان هذا المشجع أو ذاك المعجب لايوافقه على طروحاته إلا أنه لايستيع إلا أن يحترم جهده ومثابرته . صدر له أربعة كتب والخامس مايزال مخطوطاً.
أثار كتابه الأول (الكتاب والقرآن) عواصف وزوابع تمخض عنها ثلاثة عشر كتاباً نقدياً , وآلاف المقالات,بعضها كفّره وجعل منه مرتداً ,ومنهم من شبهه بسلمان رشدي وكتابه «الإسلام وأصول الحكم» يذكرنا بالكتاب الشهير لعلي عبد الرازق في مصر قبل ثمانين عاماً . لم يثنه كل الجدل عن عزمه في متابعة مشروعه الذي لفت انتباه الكثيرين في معظم أنحاء العالم . ترجمت كتبه إلى اللغات الانكليزية والروسية والأندونيسية . فضلاً عن أن بريجيسنكي (مستشار الأمن القومي الأسبق في الولايات المتحدة الأمريكية) استشهد في كتابه الأخير»الاختيار:السيطرة على العالم أم قيادة العالم» بكتاب د.شحرور (الكتاب والقرآن) مستغرباً كيف لم تول الحكومات الأمريكية المتتالية النظر لمثل هؤلاء المفكرين العلمانيين.
لم تشكل طروحات العلماء القدامى وتفاسيرهم قناعة عقلية لدى دكتور الهندسة والباحث في الفكر الديني . حيث شكل بكتاباته حالة إشكالية أثارت عبر طروحاته حوارات واسعة دفعت ببعض علماء دمشق إلى تحريم قراءة مؤلفاته. فمحمد شحرور يعيد خلافه مع العلماء والمفسرين تناول المحظور عندهم ألا وهو (الفقه) ويدعو إلى قراءة معاصرة للتنزيل الحكيم، والتدقيق في الترادف والبحث عن الفرق مهما كان دقيقاً، قراءة جديدة بعيداً عن عبودية السلف لافتاً إلى أن الإسلام اليوم ما عدا الشعائر ثقافة سادت الجزيرة العربية، متهماً العلماء باستغلال التراث لتحويل المؤمنين إلى قطيع، ومشيراً إلى أنه لو اعتقل عشرة آلاف مواطن لما حصل عصيان مدني، لكن لو أزيل حجاب امرأة لحصل العكس، معتبراً أن الحجاب لباس عربي وليس لباساً دينياً مؤكداً أن ما يقوم به بن لادن يرتكز على اجتهادات الأزهر وكلية الشريعة في دمشق والجامعات السعودية، داعياً إلى فكر إسلامي جديد بعيد عن ثوابت الفقهاء لأن هذا الفكر في مأزق .
* دراستك الأكاديمية ارتكزت على دراسة الهندسة في روسيا ثم دكتوراه من جامعة دبلن ما الذي دفعك إلى دراسة الفكر الديني بمنطق تعتبره أكثر عصرنة ، مما سبب لك موقفاً معادياً من علماء الدين؟
أنا من عائلة دمشقية عريقة ومحافظة وكان والدي من تلاميذ الشيخ ناصر الدين الألباني. حيث خصص له منزلاً في دمشق ليعطي فيه دروساً لمريديه . بعد حصولي على الثانوية عام 1957تحصلت على بعثة حكومية لدراسة الهندسة في موسكو وكان أول تحدٍ واجهني هناك هو الفكر الماركسي المادي الإلحادي . فمن الناحية العملية وجدته فكراً هشاً ، لكن عندما حاولت مناقشة الموضوع لم أستطع الإرتكاز على ثقافتي الدينية ضمن التفاسير الموجودة ، وهذا ما ولد عندي تساؤلات وحيرة . وبعد عودتي من الإتحاد السوفييتي عُينتُ معيداً في جامعة دمشق . وكانت الصدمة الأولى التي دفعتني للتعمق في الفكر الديني وتحديد توجهي الفكري بعد حرب حزيران عام 1967 حيث استمعت إلى أول خطبة بعد الحرب في أحد جوامع دمشق أعاد فيها إمام الجامع أسباب الهزيمة في الحرب إلى أن نسائنا كاسيات عاريات . وبعد يومين من سماعي لهذه الخطبة التقيت شخصاً شيوعياً أعاد أسباب الهزيمة إلى صيامنا في رمضان . فقلت :»لعنة الله عليك وعلى خطيب الجامع» وهذا ما جعلني أرد كل ذلك إلى وجود مشكلة في ثقافتنا التي هي في الأساس ثقافة دينية . فما من مرة حضرت خطبة جمعة وكان الخطيب مقنعاً في طروحاته.
* إذن وجود مشكلة في الثقافة الدينية هو الذي أعادك إلى دراسة التراث الديني؟
نعم ، فقبل عام 1967 كنت أتناول الأمور كشخص عادي لكن ومع تلمسي وجود مشكلة ثقافية فكرية دينية كانت نقطة البداية . وأذكر لدى بداية بحثي حول الموضوع، أن والدي وهو تلميذ الشيخ الألباني والذي كانت لديه ثقافة دينية واسعة أشار بيده إلى قبر الشيخ محي الدين بن عربي قرب منزلنا الدمشقي قائلاً: «هذا الذي كسرنا في الحرب» وعندما سألته إنه مات قبل سبعة قرون فكيف ذلك؟ قال: صحيح أنه توفي منذ سبعة قرون لكنه خرَّب لنا عقولنا. وكان يقصد بذلك الصوفيات والغيبيات والخوارق التي طالما تحدث عنها محي الدين بن عربي، وكانت هذه الانطلاقة الواسعة لقراءة التراث الديني عبر قراءة الكبائر وتفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما وإبن عربي والغزالي . وكلما تعمقت في قراءاتهم ازدادت عدم قناعتي بطروحاتهم ، عشر سنوات دراسة معمقة شعرت أنه من الضروري تجاوز كل ذلك ، لم يعد هؤلاء يشكلون القناعة العقلية وإن كانوا في نظر العديدين فقهاء ومفسرين . ثم بعد ذلك أتت قراءة المصحف الكريم قراءة فكرية فيها تساؤلات كمثال (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس..) هل أنا من الناس أم لا؟ وإذا كان الله يريد في هذا الكتاب أن يهدي الناس فلا بد أن نفهمه ضمن مداركنا كأناس، فإذا كان هذا الكتاب يصلح لكل زمان ومكان فلابد أثناء قراءتي له أن أقتنع إلى أن أقول (صدق الله العظيم) فهل ما يصلح لدمشق يصلح لطوكيو وفي كل زمان ؟ يجب أن يقرأ الكتاب على أرضية فكرية موافقة للعصر والبيئة الذي يقرأ فيه . لسنا عبيداً للسلف. فأنا لا أقبل أن أجلس عند أقدام ابن عباس أو أقدام الشافعي.
* ارتكزت دراساتك حول اللغة القرآنية على علوم اللسانيات؟
إضافة إلى قراءاتي الفكرية شكّل لي التعرف على عالم لسانيات سوري الدكتور جعفر دك الباب مفصلاً مهماً في دراساتي الفقهية والفكرية. فهو الذي عرفّني على عبد القادر الجرجاني وأبو علي الفارسي وهما من كبار علماء العربية وأعطاني قاعدة ذهبية شكلت رؤية استراتيجية لي في قراءة الكتاب وهي: « لا يفهم أي نص لغوي إلا على نحو يقتضيه العقل، فعندما يتحدث المتكلم إلى السامع لايقصد إفهامه معاني الكلمات المفردة التي ممكن فهمها وإنما النظم الذي يجب أن تعرفه وتفهمه . فعندما ينسى المتكلم أنه يتحدث ليقول شيئاً ما فهذه ليست لغة وإنما هراء . واللسان العربي كالألسن الأخرى لايوجد فيه مترادفات وخاصة في القرآن . لذلك أبعدت القرآن عن الشعر والنحو لأن كل التخريجات تضيع المعنى ، فالشعراء لا يفرقون بين الأب والوالد ، ومن هنا كانت مشكلة الإمام الشافعي لكونه كان شاعراً ، كان يضيع بين المعنيين، لكن في المصحف الأب هو الأب والوالد هو الوالد ، والوالدة ليست الأم ، فعندما وردت آية (حرمت عليكم أمهاتكم) فهذا لايعني والداتكم . وعائشة أم المؤمنين ، وليست والدة المؤمنين أي لايوجد مترادفات إطلاقاً . وكان هذا الأساس الذي انطلقت منه في قراءاتي وميزت بين القرآن والكتاب وكان أول نتاج فكري بعد كل هذه القراءات عام1990 .
* ترى إن جدل الأضداد في ظواهر الطبيعة عبارة عن قوانين جزئية متغيرة (ثابت ومتحول) تُخزّن في الإمام المبين الذي يحتوي على قوانين التصرف في ظواهر الطبيعة، والسلوك الإنساني ، كذلك بعد حدوثه يُخزّن في الإمام المبين. على الرغم أنك دققت كثيراً في الألفاظ اللغوية لكنك لم تتطرق للفظة الإمام المبين، علمًا أن البعض حمّلها أكثر مما تحتمل. فمنهم من حمَّل بعض البشر صفات الإمام المبين واعتبروه إنسانا يرافق النبي ، يحمل هذه الميزات إلى أن يروا أنه بغياب النبي يقوم بالهداية وإعطاء تفسير مكاني زماني، لكل ظاهرة من ظواهر الحياة. ما رأيك في ما ذهب إليه البعض وبرأيك من هو الإمام المبين؟
- أولاً :بالنسبة إلى الذين فسروا الإمام المبين بالإنسان الذي يرافق النبي ويحمل هذه الميزات، هذا تفسير سياسي ولست معنياً بالرد عليه . أما أن يقوم بالهداية بعد غياب النبي...الخ فهذه آراء وعلى عهدة من يقولها، أنا لا يمكنني قول ذلك. قال تعالى في الإمام المبين: «آلر تلك آيات القرآن وكتاب مبين» من هنا لا يمكن أن يكون مبيناً بمفهوم الإمام أو مفهوم الصحف الأخرى، هذا فضلاً عن أنه قال في ذكر الإمام المبين كذلك: «إنّا نحن نحيي الموتى، ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين (أي الحاضر والماضي) الإمام المبين هو جزء من القرآن، والأخير جاء من قرن، والقصص القرآني جاء من الإمام المبين (كل ماقدموا وآثارهم) فقرن الإمام المبين مع اللوح المحفوظ فجاء القرآن الكريم.
* يلاحظ أنك كثيراً ما استعملت كلمة (خُزِّنت) وهي مبنية للمجهول. انطلاقاً من هنا تساءل بعض نقادك عما أبقيت للقوة التي تقف وراء الطبيعة والتي نسميها (الله) ؟متسائلين: هل أردت من هذا أن يؤمن الناس بإله صوري لايتعدى عن أن يكون فكرة فلسفية تُرضي غريزة التدين عند الناس؟
على العكس مما ذكرت تماماً، أنا لم أكن أريد ولا أقبل أن أريد إلهاً صورياً، والذي يضع الله في الصورة التي وصفتها في معرض سؤالك هم السلفيون الذين مازالوا يعتقدون أن الله خزَّن كل شيء سلفاً، وأصدق دليل على ما أقوله هو تعريفهم للقضاء والقدر، فهم مازالوا يصرون على أن القضاء هو علم الله الأزلي والقدر هو نفاذ هذا القضاء والعلم في الواقع ، بينما أنا أقول: «إن القضاء هو حركة بين نفي وإثبات، أما القدر فهو وجود . مثلاً إذا اجتمع أهل الأرض جميعهم، الصالح والطالح منهم، وطلبوا من الله أن يُلغي ظاهرة الموت، هل سيستجيب الله تعالى لطلبهم؟ بالطبع لا ! إذاً ظاهرة الموت مخزَّنة في اللوح المحفوظ ، بمعنى ما هو مخزَّن في اللوح المحفوظ غير قابل للدعاء .وفي النهاية الله لا يتدخل إلا من خلال كلماته. ومن هنا نفهم قوله تعالى : «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، وجعلها بالجمع وليس بالمفرد، وقال: «وفي السماء رزقكم وما توعدون» ، كذلك وضعها بالجمع وليس بالمفرد. مثال آخر: ميزانية الدول معروفة سلفاً، لكن توزيع هذه الميزانية من قبل أشخاص على أشخاص، يقوم على مبدأ الاحتمال، تماماً مثلما قال : «وفي السماء رزقكم وما توعدون» هذا منطق سليم، لكن هل وزّع الأرزاق لكل شخص بعينه، أي أن لكل شخص رزقاً محدداً دون غيره.؟ بالتأكيد لا، لأن ذلك يلغي فضل العمل والجدّ فيه ويلغي مفهوم الصدقة . والله كتب المرض على الناس، وثمة قائمة بالأمراض التي يمرض بها الانسان من ( سل، سرطان، تيفوئيد، ذات رئة، سعال ديكي...الخ) ونحن نعرف إننا لن نمرض إلا بمرض من هذه الأمراض، لأنه لايوجد غيرها! من هنا أقول إن الله تعالى لم يحدد لنا مرضاً بعينه سنمرض به دون سواه، قال تعالى : «ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كِتَابٍ» ، ماذا سنقول إذا كانت المصيبة قد وقعت نتيجة حادث سيارة.؟ ثمة كتاب يحتوي على كل الاحتمالات التي تسبب مصيبة حادث السيارة، فإما أن يكون السبب عطلاً في السيارة أو في الطريق أو في السائق، بمعنى كل الاحتمالات الموجودة في كتاب الحادث واردة. والهزيمة مصيبة واحتمالاتها وأسبابها موجودة في كتاب الهزيمة، ونحن هزمنا أكثر من مرة، فلماذا لا ندرس كتاب الهزيمة؟ أي شيء في الطبيعة يُفرض علينا دراسة عناصره لأنه كتاب، وإذا لم ندرس تلك العناصر لن نصل إلى شيء.
كيف توائم قولك بأن الإعجاز في الكتاب لا يقع إلا في آيات القرآن الكريم التي تخصّ النبوة من الغيبيات والقصص أي في ما أسميته (كتاب، قرآن، السبع المثاني، تفصيل الكتاب) لأن هذه تحتوي على قوانين وحقائق مطلقة ثابتة لا تتغير، أما ما سميته (الرسالة أم الكتاب) فهي لا تحتوي على أي إعجاز لأنها متطورة ومتبدلة ويمكن تزويرها وتقليدها... مع قوله تعالى : «قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات»، وقوله : «قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله»؟
- قال تعالى : «وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله»، وأيضاً: «فأتوا بعشر سور مثله مفتريات» وهذا يدل أن للإعجاز القرآني وجوه. وجه لغوي واضح بلغ الذروة في جانبي الشكل والمضمون، أما في جانب الشكل فبلغ ذروة الإعجاز في الجمع بين علوم القواعد وعلوم الدلالة والمعاني. وأما في جانب المضمون فبلغ الذروة أيضاً في الجمع بين صدق الخبر العلمي ودقته. المشكلة أن معظم من تصدى للتفسير من السلف اهتم بالجانب الشكلي حصراً، وكان جهلهم بدقائق العلوم الكونية والإنسانية هو سبب اقتصارهم في تفاسيرهم على آيات الأحكام، أي آيات الرسالة المحكمات. وهذه لا إعجاز فيها لأنه تعالى يتحدى الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن وليس بمثل هذا المصحف. نلاحظ أن هذا التحدي ورد في الآية 88 من سورة الإسراء وهي آية مكية، مما يدل على أن آيات الرسالة المحكمات لم تكن قد اكتملت بعد وبالتالي ليست هي المقصودة بالتحدي. أين الإعجاز الذي لا يمكن تقليده في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين..» ؟ الإعجاز القرآني، كما أراه- في القصص مثلاً، هو في روايته عبر هذه القصص لتطور تاريخ الإنسانية.. كيف تم اجتياز الحواجز المائية زمن نوح أول مرة، ثم كيف بدأ البناء والعمران، وكيف نشأت الأسواق التجارية فولدت الحاجة إلى الكيل والميزان، وكيف كان زواج الأخت مباحاً ثم جرى تحريمه.. كل هذا تجده في القصص القرآني ولا يتعارض في حرف منه مع آخر ما تم اكتشافه من آثار.
لإعجاز اللغوي والعلمي لا وجود له في مثل قوله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه...» لكنه موجود بوضوح في مثل قوله تعالى : «وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً» هود 7، الذي شرحه بدقة علمية مذهلة في مكان آخر ببضع كلمات فقال : «وجعلنا من الماء كل شيء حي» الأنبياء 30 . وموجود فيه قوله تعالى : «انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب» ، والإعجاز هنا في قوله : «ظل ذي ثلاث شعب»، في عصر كان العلم فيه يعتقد أن الأرض ثابتة والشمس تدور حولها، عصر ليس فيه سوى شمس واحدة كمنبع ضوئي وبالتالي الظل في الكون ذو شعبة واحدة. أما اليوم بعد أن ثبت وجود مجرات أخرى وشموس أخرى، فقد أصبحنا أقدر إلى حد ما على فهم الإعجاز العلمي في آية المرسلات.
* لكن ألا يتناقض حصرك لوقوع الإعجاز في القسم الذي أسميته القرآن، مع منهجك في القراءة ,باعتبار أنك فهمت قوانين الجدل التي أسميتها العلوم من واقع هذه الآيات التي قلت أن الإعجاز وقع فيها فقط؟ كما يؤخذ عليك أنك لم تنظر إلى قوانين أخرى موجودة في آيات التشريع، باحثاً في هذه القوانين وثباتها كآيات الطلاق وتعدد الزوجات والحروب لتفهم ما فيها من إعجاز؟
- بالنسبة لما سميته تناقضاً، أخالفك الرأي في هذا، فقد نظرت في الآيات التي تقصدينها وأعدت قراءتها أكثر من مرة، والذي ظهر لي حتى الآن هو أنه من المفترض ألاّ يكون في هذه الآيات أي إعجاز، بافتراض أنه إذا فهمناها فيجب علينا تطبيقها. أما إذا نظرنا إلى آيات القرآن (من البديهي أن القرآن عند شحرور ليس هو كل كتاب الله المتعارف عليه، بل هو جزء منه حسب قراءته المعاصرة) سنجد أن نظرية المعرفة والعلوم كلها موجودة فيه وبالتالي الإعجاز.
* نجد في كتبك ماهو مغاير للشائع والمألوف فيما يخص نظرتك لأركان الإسلام من عبادات وفرائض، كيف تعتبر هذه الأركان غاية أم وسيلة؟
الطامة الكبرى للمسلمين هي الخلط بين أركان الإسلام وأركان الإيمان، والأمثلة على ذلك كثيرة أذكر منها مانقله «البخاري» في كتابه ضمن باب الإيمان الحديث رقم «1» : «بني الإسلام على خمس» فمن هذا الحديث نستنتج أن البخاري كان لايفرق بين أركان الإسلام وأركان الإيمان، والدين كله ليس غاية بحد ذاته، نحن جئنا لنحيا بالإسلام لامن أجل الإسلام ، و إذا كنا جئنا لنحيا من أجل الإسلام فلا حاجة لنا به، وبالتالي كل شيء هو عبارة عن وسيلة لسعادة الإنسان الذي يمثل محور الأديان كلها بما فيها الملة المحمدية.
* لكن كيف تفسر قول الله عز وجل : «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»؟
غالبية المسلمين يعتبرون أن الله خلق الإنسان من أجل أداء هذه الفرائض انطلاقاً من الآية التي ذكرتها، لكن أنا أفهم العبادة هنا بأنها تعني حرية الاختيار وليس الصلاة والصوم ..إلخ. فالناس يطيعون الله بملء إرادتهم، ويعصوه بملء إرادتهم أيضاً ومن أجل ذلك خلقهم، ونحن نؤمن بالعبادة لا بالعبودية، بمعنى أن الناس عباد الله وليسوا عبيداً له، هذا أمر جوهري جداً لأن العبودية لله في الحياة الدنيا ليست مطلوبة، وإذا رضينا بالعبودية فهذا يعني أنها لغير الله. وإذا أخذنا أركان الإسلام المزعومة لانجد فيها أخلاقاً وبالتالي الشعائر عند المسلمين «أتباع الرسالة المحمدية» نامية جداً ومتطورة، أما الأخلاق فهي متدنية جداً، وهذا ماأراه في مختلف أرجاء العالم العربي، ولا أقصد هنا «الحجاب» وإنما الأخلاق بشكل عام من ناحية الغش والكذب والمعاملات السبب يعود في الأصل إلى أنهم لم يقولوا لنا أن هذا من أركان الإسلام. قالوا لنا الصلاة الصيام والزكاة والحج، وأن الأخلاق ليست من ضمنها، لم يقولوا لنا أن الصدق من أركان الإسلام، ولذلك تجد في معظم المجتمعات العربية والإسلامية أن إفطار يوم في رمضان أشد من الكذب.
* وماهي أركان الإسلام في رأيك؟
أركان الإسلام هي: شهادة أن لاإله إلا الله وهي رأس الإسلام، وأركان الإيمان شهادة أن محمداً رسول الله وهي رأس الإيمان، فبالشهادتين أنا مسلم مؤمن، ويمكن أن يكون هناك مسلم غير مؤمن، هم اعتبروا أن أركان الإيمان هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأركان الإسلام هي الشهادتان والصلاة والصوم والزكاة والحج، ولذلك نحن نصوم ونصلي ونذهب إلى الحج ثم نؤمن بالله ونحلف به هذه هي النتيجة .. العكس تماماً.
* وماذا عن بقية الأركان؟
نعم.. هي إثنا عشر (شهادة أن لا إله إلا الله ، وبالوالدين إحساناً، ولاتقتلوا أولادكم، ولاتقربوا الفواحش، ولا تقتلوا النفس، ولاتقربوا مال اليتيم، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا، حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وعماتكم وخالاتكم، أحل الله البيع وحرم الربا، حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) ، وهذه الأركان إنسانية، فهل البوذي يبر والديه أم لا؟ وهل يؤمن بقتل النفس أم يؤمن بالغش وهل يؤمن بشهادة الزور هنا تظهر عالمية الإسلام كل عمل أخلاقي إنساني عالمي أمر جيد وهو من الإسلام وليس وقفاً على أتباع الرسالة المحمدية، وكل عمل لايقوم به سوى أتباع الرسالة المحمدية فهو من الإيمان
.
* القيامة قامت ولم تقعد عندما وجدت أن لا مشكلة في خروج المرأة دون حجاب، فكيف تنظر إلى ما حصل في فرنسا حول موضوع الحجاب؟
في الوجدان العربي والإسلامي الحرية ليست قيمة. فالناس في البلاد العربية يعيشون حالة طوارئ وقمع ولا يشعر بذلك إلا المثقف المتحرر، فإذا اعتقلت الدولة عشرة آلاف مواطن فلا يحدث عصيان مدني، بينما إذا أزيل الحجاب بالقوة فماذا يحدث ؟ عند قراءتي كتاب الله لم أجد وجود لخمسة مصطلحات بنيت عليها حياة العرب : «المروءة والنخوة والشهامة والشرف والعرض) كل هذه الكلمات عربية فصحى لكنها في كتاب الله غير موجودة رغم أن حياتنا تقوم عليها ورغم ذلك نجد أن الأوربيين في المواصفات أفضل منا .
فالغش أقل عندهم وكذلك الفساد .والقضاء نزيه لديهم أكثر منا وعندما جاءت الجالية المسلمة إلى أوربا لم تستطع إضافة أية قيمة أخلاقية للأوربيين إلا موضوع الحجاب فهو ليس موجوداً لديهم، فوضعوا الحجاب حتى يتميزوا عن الأوربيين معتبرين أنهم بذلك قدّموا قيمة أخلاقية لأوربا . على الرغم من أنه وفي كل الفقه الإسلامي هناك نوعان من اللباس لباس الحرة ولباس الأمة المؤمنة، ولباس الأمة من السرّة إلى الركبة حتى في الصلاة ولا تغطي رأسها ولا صدرها، بينما الحرة يجب أن تتغطى، وبالتالي فإن ما يقال أن الحجاب هو لباس ديني طرح غير صحيح لأن الله لايميز بين الحرة والأمة في الغطاء طالما هما مؤمنتان ، وهل الأمة بدون غطاء لا تفتن بينما المرأة الحرة تفتن في إعتقادي أن الحجاب كان ذا بعد اجتماعي طبقي وليس دينياً ، والهدف منه التفريق بين المرأة الحرة والمرأة الأمة في ظل انتشار التهتك وازدهاره أواخر العصر العباسي ، والتردي الخلقي والتحرش بالنساء الذي كان منتشراً آنذاك ، من هنا فإن الحجاب ذو بعد طبقي تاريخي.
* لكن بعض العلماء يردون موضوع الحجاب إلى وروده في نصوص قرآنية؟
إن موضوع غطاء الرأس في القرآن غير موجود (خديجة بنت خويلد) كانت تغطي رأسها قبل وجود أي مستند شرعي لذلك قبل الدعوة اللباس العربي هو اللباس السائد قبل الدعوة وبعدها وما يسمى الحجاب الشرعي هو تعصب للباس العربي، وحتى الآن الذكور في الجزيرة العربية يغطون رؤوسهم لأن خروجهم دون غطاء رأس يعتبر عيباً على الصعيد الاجتماعي. إن غطاء الرأس كان عرفاً اجتماعياً قبل الدعوة وبعدها. ويجب على المرأة أن تراعي مجتمعها بحيث لايؤذيها، وأذيتها من المجتمع هي عقوبتها وليست من الله (ذلك أدنى ألا يعرفن فلا يؤذين) عندما يقولون أن هذا يثير الغرائز، أقول أن المرأة لديها إرادة مثل الرجل، وحين يطلبون من المرأة أن تتحجب وتختفي فهم بذلك يعتبرون أن الإرادة موجودة عند الرجل فقط، أما المرأة فليس لها أي إرادة!! وأعتقد لايمكن أن تتم أي فاحشة بدون رضا المرأة أو رغبتها وإلا كان اغتصاباً، وقد أكد القرآن الكريم على هذه النقطة عندما وضع الزانية قبل الزاني، فقال : «الزانية والزاني» وهو بذلك يقصد الإشارة إلى حالة رضائية.
* وماذا كانت تلبس السيدة خديجة أم المؤمنين قبل البعثة؟ هل كانت عارية؟
كان زيها عربياً، وماهو الفرق بين زي خديجة وعائشة؟ أعتقد أن الشيء الذي يقولون عنه أنه حجاب هو لباس العرب البدو في القرن السابع، فأقرهم الرسول على هذا، وكان هناك صدر مفتوح فقال لهم هذا من الجيوب، علماً بأن الجيوب هي ليست الصدر فقط، هناك مناطق أخرى من الجيوب أيضاً، والجيوب هي زينة المرأة المخفية، وليس القرط والشعر والحلية.. إلخ، وكان في تلك الأيام أحد الجيوب ظاهراً وهو فتحة الصدر، فطلب منهم القرآن تغطية الجيوب أي تغطية شق الصدر، بينما الجيب عند موسى يتجسد في قوله تعالى( أدخل يدك في جيبك واضمم إليك جناحك) ويقصد هنا تحت الإبط، والنساء أيضاً لها تحت إبط وليس الرجال فقط، فلماذا المرأة العربية لم تغط ذلك لأنه كان مغطى بالأصل. وعندما قال (جيوبهن) قصد الزينة المخفية وهي التي لايجب أن تظهر. في كل آيات المصحف إن كان سورة الأحزاب أو النور، الرأس ليس علاقة بذلك والشعر لاعلاقة له إطلاقاً.
* هناك فرائض لايمكن تأويلها خلاف ما تعود عليه المسلم كفريضة الحج مثلاً والتي ما تتسبب بعض الشعائر بحوادث رهيبة كالحادث الذي حصل في « منى « وخلف 362 قتيلاً بين الحجاج ، فهل يمكن الفتوى في هذا الركن على سبيل المثال؟
أولاً أريد أن أبدأ بحديث رسول الله عندما وضع عصاه على الأرض فرسم خطاً وقال «هذا صراط مستقيم» ومن ثم رسم ستة خطوط إضافية من كل طرف، وقال « هذا صراطي مستقيم فاتبعوه ولاتتبعوا تلك السبل» مشيراً إلى الخطوط الستة التي رسمها من كل طرف، هناك إثنا عشر خطاً يمثلان إثنا عشر سبيلاً هي الخروج عن الصراط المستقيم، هذه الخطوط التي رسمها رسول الله هي المحرمات الواردة في كتاب الله تعالى، فالمحرمات منذ أن بعث محمد حتى اليوم هي إثنا عشر محرماً ولايمكن زيادتها، لابمفتي ولا بمسؤول ولا بمجمع فقه، وبالتالي لايحق لأحد أن يزيد عن تلك المحرمات لأن المحرم هو شمولي وأبدي ومن يقول أن التدخين حرام فهذا يعني أنه لايحق لكل أهل الأرض أن تدخن، ومن سيأتي بعد خمسمائة عام لن يحق له أن يدخن أيضاً، أن أقول لهؤلاء بأي حق تحرمون ومن أعطاكم هذه السلطة؟ يمكن أن تقولوا ن التدخين ممنوع، ولكن هذا ظرفي مرتبط بالزمان والمكان، أما أن تقول حرام فهذا يعني أمراً مطلقاً وشمولياً وأبدياً، هذا التباس أول في الفقه الإسلامي ويتمثل في توسعهم بالمقارنات وهذا كله كلام فارغ.
ثانياً : أعتقد أن ما يتعلق بالحج من شعائر كلها من أركان الإيمان .. فأركان الإسلام اثنا عشر محرماً وليس من بينها الحج ولا زكاة ولا صوم.. هذا ما قرأته في كتاب الله، هذه المحرمات إنسانية عامة ليست وقفاً على أتباع محمد ، فاليهودي يلتزم بها والكونفوشي وغيرهم ... هي عالمية وفيها تظهر عالمية الإسلام . و أقصد هنا أن التكاليف هي كلها من أركان الإيمان. والحج كان موجوداً أصلاً قبل البعثة المحمدية وكان الناس يحجون في التاسع من ذي الحجة، والآن إذا أخذنا آية الحج «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج». إذاً قال «الحج أشهر معلومات» والأشهر هي جمع .. ثلاثة فما فوق، فالحج يجوز أصلاً في الأشهر الحرم، وهي «ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب» أي «120» يوماً
* هل تقصد أنه يجوز أداء فريضة الحج طوال تلك الأشهر؟
القيام بالفريضة هو أيام «اذكروا الله في أيام معلومات»، فالإنسان يحج في عدة أيام، وبذلك نفهم أن الحج مؤتمر، أي أن هناك 120 يوماً وهناك متسع في الوقت لتجنب مثل هذا الازدحام الذي لاحاجة له أصلاً ، وقد قالوا سابقاً أن المقصود في أشهر هو حتى يجهز الإنسان نفسه قبل شهرين أو ثلاثة للذهاب إلى الحج، لكن في أيامنا هذه يجهز نفسه للحج قبل يوم واحد فقط. فهذا التفسير الآخر غير صحيح، التاريخ والواقع رفضه، وبالتالي يبقى الحج أشهر، وعليهم أن يتذكروا ذلك وأن عرفات يمكن أن يكون في أي يوم من ال 120 يوماً خلال الأشهر الحرم، ورسول الله حج في التاسع من ذي الحجة ولم يحج سوى مرة واحدة، وتوقيت حجه كان قبل البعثة حيث لم يكن الزحام الموجود اليوم، وأركان الحج هي عرفة والإفاضة، و يمكن أن تكون في يوم احد.
* فتاوى التحريم والتحليل .. هل تقبلها أم ترفضها، وإن كنت ترفضها فما هو البديل؟ سيما أن عصرنا يشهد لكثير من الظواهر الجديدة كالتدخين والمخدرات ومواضيع أخرى إشكالية كالإستنساخ وغيره. أليس الناس بحاجة إلى فتاوى لإرشادهم إلى الصواب؟
لايمكن إضافة محرم واحد على المحرمات الواردة في كتاب الله، لأن الحرام له تعريف خاص أنه شمولي وأبدي. فمن يحق له وضع تشريع من هذا النوع؟ لا أحد.. وتحريم التدخين لوحده يحتاج إلى رسالة بعد محمد وتحريم واحد يحتاج إلى رسالة جديدة، أما المنع فهو مفتوح لأنه ظرفي يرتبط بالمكان والزمان، وبالتالي لايحق لأولي العزم من الرسل مجتمعين تحريم التدخين.. ويحق لمحافظ مدينة منع التدخين في الأماكن العامة، ولكي يمنعه عليه أن يقدم برهانين اثنين، الأول : الدليل العلمي، والثاني الحصول على موافقة مجلس المحافظة، لأنه إذا قدم الدليل العلمي ولم يوافق مجلس المحافظة، لايمنع التدخين، فإفتاء من هذا النوع هو من تخصص البرلمانات والمجالس البلدية، ولاعلاقة للمفتين به، علاقتهم تخص الشعائر فقط، ولايحق لهم أن يحرموا الموسيقى أو الغناء مثلاً، وإن منعوا أو سمحوا بشيء فإنه غير ملزم.
* هل عدم وجود بعد عن المحاكمة العقلية على صعيد الفكر الإسلامي أدى إلى تراجعه؟
ذلك يعود إلى أنه تم تحويل الثقافة العربية السائدة في القرن السابع والسائدة في عصر النبوة برمتها إلى دين، وبالتالي إلى سلوك للعصر الحالي ، فديننا اليوم ما عدا الشعائر هو الثقافة السائدة في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع. عندما قال الرسول : ( يا أبا عمير ما فعل النغير) أخرج منها الفقهاء عشرات الفتاوى منها أنه يجب تسمية الطفل (أبو فلان) ما علاقة هذا بالدين؟ إن ثقافة الجزيرة العربية في القرن السابع لا علاقة لها بثقافتنا الآن وعلى كافة الصعد لكنهم جعلوها ديناً.
* هل الفهم الصحيح للدين هو العودة للقرآن فقط كمرجع بعيداً عما لُصق به من اجتهادات وتفاسير؟
نعم ، لأنه الوحيد إذا وجدت فيه تناقضاً أستطيع أن أؤوله ، أما إذا وجدت تناقضاً في الحديث فلست مضطراً لأي تأويل ، كما إذا وجدت تناقضاً لدى (الشافعي) فلست مجبراً على الدفاع عما يقصده بتأويله ، علماً بأن أقواله ليست موجهة لنا إطلاقاً. ومثال على التناقضات في التراث كتاب صدر حديثاً واسمه (جناية البخاري) فقد وردت فيه عدة أحاديث إن صحت فهي أتت من القرن السابع واليوم أنا في القرن 21 وهذه الأحاديث صارت في نظري تاريخاً ، فلماذا تورثني قراءة القرن السابع.
* لماذا تقوم معارضة شديدة لمنهج قراءة القرآن بطريقة عقلية وبرؤية القرن 21 ، فيقوم بعض رجال الدين بالتكفير والنقد بقسوة؟
السبب بسيط لأن رجال الدين أو ما يسمون أنفسهم ( السادة العلماء) حولوا الناس إلى قطيع بواسطة التراث، وهم بذلك يحتاجون في فرضهم لآرائهم مايدعونه عن الرسول والصحابة ، وكذلك المسيحية فرجال الدين المسيحي يحتاجون إلى المسيح مصلوباً حتى يقومون بقمع المؤمنين بالمسيح . لقد تحول التراث ورجاله عند رجال الدين إلى آلة للقمع في فرض آرائهم واجتهاداتهم علينا ؟ ومثال على ذلك عند سؤالهم لي هل تفهم أنت أكثر من الإمام الشافعي؟ فأجيب بنعم.
* ألا تعتقد أنه فيما يخص موضوع القناعة هناك إشكاليات من الناحية الدينية.. مثلاً هل يمكن أن لايكون سيدنا إبراهيم مقتنعا بذبح ولده إسماعيل وتقديمه ضحية لله عندما رأى ذلك في المنام؟
عندما أسلم إبراهيم لخالق السموات والأرض في ذلك الزمان، كان هناك سوق للآلهة وكانت تقدم قرابين بشرية لهذه الآلهة . هنا فكر إبراهيم : إذا كانت هذه الآلهة المزيفة تقدم لها قرابين بشرية فكيف يكون الأمر مع إلهي إله السموات والأرض ومن هنا خطر ماخطر على بال إبراهيم، فالجو الذي كان يعيش فيه كانت تُقدم فيه قرابين بشرية للآلهة، وكانت هذه المسالة تؤرقه لأنه رأي المنام أكثر من مرة. بينما رأى يوسف المنام مرة واحدة فقط (إني رأيت أحد عشر كوكبا)ً ، لذا قال إبراهيم : (إني أرى في المنام أني أذبحك) ولم يقل أني رأيت ، الرؤية تكررت لأن هناك أمراً في خاطر إبراهيم يحدث أمامه، وبالمناسبة هل تعلم أن إسماعيل احتج حين قال لأبيه : (افعل ما تؤمر) لاحظ أنه لم يقل «إفعل ماترى « وعندها أفتيت الرؤية بأن الله سبحانه وتعالى لايحتاج إلى قرابين بشرية ولذلك قال تعالى: (ومن دخله كان آمناً) هذا لا يعني أن من يدخل البيت لايُقتل ، فهناك أناس يُقتلون في بيت الله الحرام، وقد أخرج «الحجاج» عبد الله بن الزبير من الكعبة وقتله هناك. فالمقصود ب (من دخله كان آمنا) من الله أن يطمئن من يدخل البيت لأنه لن يُقَدّم قرباناً لله و «صدق الله العظيم « ومصدقاً لذلك قوله تعالى (وتركنا عليه من الآخرين سلام على إبراهيم) أي أن القرابين البشرية ألغيت تماماً.
* ما هو المنهج الذي تعتمده في تفسير آيات وسور القرآن سيما أن هناك آيات متشابهات ومحكمات لقوله تعالى هو الذي أنزل الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب؟
التفاسير الموجودة تفاسير زمنية بدائية، عندما يقرأ الإنسان نصاً فهو يستخدم أرضيته المعرفية بشكل تلقائي. أنا لاأفسر اعتباطاً. بدأت عملي في هذا المجال عام 1967 وأصدرت أول كتاب عام 1990، استغرق ذلك 23 سنة. في هذا الكتاب المؤلف من 800 صفحة وضعت المنهج وتضمن 200 صفحة لتحديد المصطلحات.. عرّفت فيها الكتاب والقرآن والفرقان والذكر وأم الكتاب والمحكم والمتشابه والنبوءة والرسالة والألوهية والربوبية والحق والباطل ..إلخ والفرق بيني وبين الآخرين أنني لا أقبل الترادف ولا العبث أو الحشو . كما أنني أريد المصداقية في أي آية تتعلق بالحياة الدنيا، أريد قول «صدق الله العظيم « أثناء القراءة لابعد القراءة . هذا من ناحية .ومن ناحية ثانية الفكر الإسلامي يقوم على الترادف فإذا ألغي الترادف بالكامل فإن الحديث يسقط لأنه روي بالمعنى وليس بالنص . بينما ورد القرآن بالنص. أنا أعتمد منهج الترتيل، فإذا قلت هناك فرق بين الأب والوالد، أقوم بالبحث في كل الآيات التي تذكر الأب والوالد وأقاطعها مع بعضها، وإذا فرقنا بين الأب والوالد يظهر لنا فقه جديد للتبني. والعلماء لايفرقون بين الأب والوالد. مثلاً لماذا قال تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) ولم يقل «حرمت عليكم والداتكم» مثال آخر يقولون: عائشة أم المؤمنين وأنا أقول لماذا لانقول عائشة والدة المؤمنين هي أم المؤمنين وليست والدة المؤمنين، ومن هنا إذا فرق بين الأب والوالد وبين الأم والوالدة يظهر فقه جديد للتبني واستعارة الرحم وطفل الأنابيب وشراء البويضة ..إلخ كله يحل عندئذ، فالأم مصطلح فضفاض.. أم المؤمنين وأم مرضعة وأم حاضنة وهي التي تحتضن نطفة وبويضة امرأة اضطرت لاستئصال رحمها ومازال لديها مبيضان، أما الوالدة فهي صاحبة البويضة فقط. فقد يكون للإنسان أربع أمهات، ولكن لايمكن أن يكون له سوى والدة واحدة ووالد واحد أيضاً، وهذا الوالد قد يكون أباً وقد لايكون.والوالد هو صاحب الحيوان المنوي. وعندما يقول الله تعالى (إنما لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) فمعنى ذلك أن صدر الشيء أعلاه.. ولهذا قال الشاعر:
نحن قوم لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر الصدر هو هذا ويشير إلى جبينه.
* هل تسعى إلى إلغاء كل مافي التراث الإسلامي وما كرسه علماء الإسلام عبر دراسات وأبحاث استغرقت وقتاً وجهداً لايستهان بهما ؟
أريد أن أصنع قطيعة معرفية مع التراث.. إن الله سبحانه وتعالى بعث كتابه هدى للناس وأنا من الناس، والله لايريد أن يهدي نفسه أو يعلمها، وإنما أرسل لنا لنقرأ ونتعلم ونهتدي. ولا أقبل من أحد أن يمنعني أو يصادرني أو يكون وصياً علي . ولدي جرأة لمناقشة كل شيء .. المشكلة أنهم يظنون أن الإسلام مفروض على الناس بالقوة منذ 14 قرناً ولمجرد أن يجد الناس الفرصة للسير مع الإلحاد والفسوق فسيقومون بذلك!! ماهذا التفكير ولماذا كل هذا الخوف؟
* يلاحظ أنك أجزت لنفسك الأخذ بنظرية المعرفة التي تقوم بصورة أساسية على قياس الشاهد على الغائب، علماً أنك تعتبر أن من أهم أسباب تخلفنا هو قبولنا قياس الشاهد على الغائب.وقد قلت لي في غير مكان، إنك وجدت الفقه الإسلامي يقوم على قياس الشاهد على الغائب فقمت بعملية عكسية، إذ قست الغائب على الشاهد، كيف تفسر لي هذه المفارقة ؟
(مستنكراً) أنا لم أقس الشاهد على الغائب إإت لي بمثال واحد على هذا؟
مثلاً نظرية المعرفة عندك تقوم بصورة أساسية على قياس الشاهد على الغائب! فأنت تؤمن بأن الله تعالى في قوله : «يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فأنا خلقناكم من تراب» إنما يقيس شاهداً هو الخلق من تراب على غائب هو البعث.
القياس في الآية عكس ما تقولين تماماً ، قياس غائب هو البعث على شاهد هو الخلق من تراب، وقياس الغائب على الشاهد شائع في القرآن الكريم، أنا ضد قياس الشاهد على الغائب بمعناه الفقهي المتداول، والله تعالى يوضح للناس مجهولاً بمعلوم ولا يوضح معلوماً بمجهول. أنا شخصياً أرفض الأخذ بابن مسعود معياراً أقيس عليه، لأن معايير القياس عندي هي الإحصاء. مثلاً، أمامي ظاهرة (شاهد)) أريد دراستها وإعطاء حكم فيها، فأول ما آخذ إحصائياتها والبيّنات المادية المعاصرة لها. ولا أحكم فيها قياساً على غائب حكم به ابن مسعود مثلاً. لا أقبل غير الواقع قياساً، إن الإجماع بالفقه لديّ هو إجماع الناس الأحياء لا الأموات، كالبرلمانات تماماً.
* في موضوع الخلاف السني الشيعي .. كيف تنظر إلى هذا الخلاف؟
إنه خلاف سياسي 100 لنأخذ مثلاً حربي «الجمل «و «صفين» هل حصل الخلاف على ركن من أركان الإيمان أم هل كان على ركن من أركان الإسلام فلماذا إذاً هذا الخلاف الذي ذهب ضحيته آلاف القتلى الخلاف كان سياسياً والمتقاتلون من الصحابة ولا فرق في السياسة بين الصحابة وغير الصحابة وبيننا وبين الصحابة ، الصحابة ليسوا بأفضل من غيرهم فيما يتعلق بالخلافات السياسية. ومن الناحية السياسية حصراً ينطبق عليهم القول «الثورة كالقطة تأكل أبناءها»، وهناك تشابه بين الطرفين فيما يقوله الشيعة عن «عصمة الأئمة» يقابله «عدالة الصحابة « عند السنة.
* وكيف ترى التبعية الفكرية المسيطرة في البلدان العربية والإسلامية للتيارات الإسلامية عموماً؟
التأييد الشعبي سببه أن مشروعات الحداثة التي بدأ بها القوميون خانت وعودهم، والسبب الآخر هزيمة (67) ، فالفشل في تحقيق أي شيء سبب ظهوراً للتيار الإسلامي كبديل سيما أنه نابع من أرضية الأمة وثقافتها، ولكن بما أن الحرية غير موجودة أصلاً كقيمة في الوجدان العربي وغير موجودة في الثقافة الإسلامية، و لم توجد أطروحة إسلامية واحدة تقوم على حرية الفكر. وإلى الآن لم يقتل مسلم واحد في سبيل الحرية. تلك القيمة العليا للحياة ،وبالتالي هناك كثير من المواقف للحركات الإسلامية تنسجم مع الاستبداد، وبالتالي طرح الإسلام كشعارات كما حصل مع حماس والأخوان الذين رفعوا شعار «الإسلام هو الحل» غير واضح، وبرأيي المسلمون ليسوا بحاجة إلى شعارات عاطفية لكسب المزيد من الأصوات، وإنما بحاجة إلى إبداع في فقه الدولة والسلطة لأنه لايوجد في التراث العربي الإسلامي فقه دستوري.
* إذا أخذنا بعين الاعتبار التفاوت التاريخي والعلمي بيننا وبين الغرب، وأسقطناه على ما كان يردد من حوار حضارات، كيف يمكن لهذا الحوار أن يتم بيننا وبينهم؟
-إذا أردت وضع النقاط على الحروف، يجب عليّ الاعتراف بأن كل الشخصيات التاريخية في فكرنا العربي، والتي أثرت في النهضة والفكر الأوروبيين، ليس لها أي تأثير فينا. على سبيل المثال أوروبا استفادت في نهضتها من ابن رشد وتجاوزته، في الوقت الذي نحن لم نقترب فيه بعد من ابن رشد، نتبجح بسمه وشهرته فقط لا غير ، مازال الذي يقودنا هو الغزالي والذي لم نتجاوزه بعد ، أما بالنسبة لصراع أو حوار الحضارات، فثمة شيء مهم يجب أن لا نغفله. إذ نحن نقول صراع الحضارات أو حوارها مثلاً- ونقول الحضارة الإسلامية، متجاهلين أن الحضارة الإسلامية هي حضارة ذاكرة وأطلال فقط، لا أكثر من ذلك، أنظر إلى واقعنا الحالي ليس ثمة وجود لحضارة إسلامية فيه ، فهل تستطيع حضارة موجودة في الذاكرة فقط أن تتصارع أو تتحاور مع حضارة موجودة على أرض الواقع أي الحضارة الغربية قطعاً لا.
* هل ذلك التفاوت التاريخي يعود إلى تخلف الإسلام بجوهره أم إلى تقدم المسيحية بجوهرها؟
- المسألة ليست كذلك، والمسيحية لا علاقة لها بقضية كهذه، لكن الذي أفاد المسيحية في موضوع كهذا هو خلوها من الفقه.
* هل بمقدور العقل العربي الحالي أن يقوم برد فعل ضد الطغيان الأسطوري الذي يهيمن عليه وعلى آليات تفكيره؟
- من المسلّم به أن العقل العربي بوضعه الحالي عاجز عن تحليل الأشياء بوضعها الحالي، إلا إذا كان فيها شيء من الأسطورة أو التراث، فلو وقف أسامة بن لادن وقال : إني أنا الذي أرسلت أولئك الناس والطائرات الأربع إلى نيويورك لضرب برجي التجارة العالمي، وذكر أسماءهم وقال رحمة الله عليهم أولئك شهداء. حينذاك جزء كبير من العرب لن يصدق أن ابن لادن يقوم بعمل كهذا على الرغم من أن مانيفست الطائرات الأمريكية يؤكد أن أسماء الأشخاص الذين يذكرهم ابن لادن كانوا في الطائرات!؟ لكن لو قال ابن لادن بعد أن توضأت وصليت وتوكلت على الله، جاءني رسول الله في المنام، وقال لي هيئ نفسك يا أسامة لضرب كذا وكذا حينذاك ثق تماماً أن الكثير من المسلمين سيصدقونه، لماذا لأن ابن لادن أعطى لنفسه مسحة ما ورائية، ومن المعروف أن الأمة المهزومة تحب الميثولوجية والأساطير، ونحن أمة مهزومة دون أدنى شك.
في الوقت الحالي «عمرو خالد الداعية التلفزيوني» كل ما يفعله في محاضراته التلفزيونية وغير التلفزيونية هو إعطاء مسحة أسطورية للصحابة، وبالتالي تحويلهم إلى ميثولوجية. العقل العربي عقل قياسي، والعقل القياسي لا ينتج معرفة.
* ما هي مهمة العلمنة وهل البلاد الإسلامية مؤهلة للدخول في ركابها؟
- لاتنحصر مهمة العلمنة بفصل الدين عن الدولة كما يرى البعض .أبسط مقومات الدولة الحديثة هي فصل الدين عن الدولة، إذ لا يمكن أن تكون الدولة حديثة من غير أن تكون علمانية.أقرب دولة عربية إسلامية مؤهلة للدخول في علمنة حقيقية لا شكلية هي الجزائر، لأنها دفَعت الثمن، وقد كان الثمن باهظاً وفيما يخصّ بعض الدول العربية، كالعراق مثلاً، أنا من أنصار ترك الشعب العراقي يخوض حرباً طاحنة مع نفسه، بعد رحيل أمريكا، ودع هذه الحرب تستمر عشر سنوات أو أكثر بقليل، من غير أن تتدخل الأطراف العربية، سيصل الشعب العراقي إلى نفس النتيجة التي وصل إليها الألمان بعد ما تحارب الكاثوليك والبروتستانت ثلاثين عاماً إلى أن إستنفذوا قواهم .
* هل ينطبق الإرهاب على العمليات الفدائية التي تقوم بها حركات المقاومة ك «حماس « و «الجهاد الإسلامي» في فلسطين؟
أنا أرفض تحويل الموت إلى مؤسسة تحت أي شعار.
* ولكن ماهو البديل ؟ هل لديهم خيارات أخرى؟
أنا أرفض تحويل الموت إلى مؤسسة في أي بلد وتحت أي ظرف وتحت أي شعار ولو كان «لا إله إلا الله محمد رسول الله» . عندما تجلب أناساً وتضع لهم أحزمة ناسفة وترسلهم للموت أنت بذلك تلعب دور الله . و من يفعل ذلك لاينتصر. إذا أراد شخص أن يحارب أو يجاهد هذا خياره، رسول الله بنى دولة وقام بحروب وأنتم تأخذون بسنته .. أين هي سنته إذاً ؟
يلاحظ أن هناك هجمة خلال السنوات الأخيرة لجعل الإسلام فكراً وممارسة رديفاً للإرهاب، وتسعى جهات إلى إظهار الدين الإسلامي وكأنه أرض خصبة فكرياً لإنتاج الإرهاب. كيف تنظر إلى ذلك إن للإرهاب أرضاً خصبة في الفقه الإسلامي وليس في الدين الإسلامي ، فالفقه الإسلامي هو من صنع الإنسان، لذا فهو تاريخي ولا علاقة للدين الإسلامي بما يقوله البعض، حسب الفقهاء تاريخياً الدنيا مقسمة إلى دار إسلام ودار كفر، فإذا كانت دول الغرب أو الدول غير الإسلامية هي دار كفر أو دار حرب، فلماذا تسكنون فيها ولطالما هي دار كفر فلماذا تنزعجون إذا منعت الحجاب ؟ هل لا بد أن تسكتوا عنها أو تحاربوها ؟ منذ فترة وفي حوار قال هاني السباعي وهو الذي يعيش في لندن أن الشيخ المجاهد «أسامة بن لادن» هو على حق فيما يقوم به مشيراً إلى أنه يتحدى أي من العلماء والفقهاء الذين يهاجمون بن لادن أن يقدموا السند الشرعي لهجومهم ، وهذا لم يحصل حتى الآن لأن لا أحد يستطيع أن يفند الحجج التي يعتمدها بن لادن ، فهي مأخوذة من الكتب التي تدرّس في الأزهر والسعودية وكلية الشريعة في جامعة دمشق ، المرجعية واحدة والفرق بين الجانبين هو الانتقائية وهذا مايشرح كيفية قتل بن لادن أكثر من 2000 شخص في أمريكا، فعندما يطرح الفقهاء الحديث النبوي (جُعِلَ رزقي تحت رمحي) كيف أفسر للغرب تسامح الإسلام؟ وكيف أفسر (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) ثم طرح آخر (لا إكراه في الدين) فلماذا تبرزون جزءاً وتخفون الآخر؟ المطلوب إيجاد حل في انتقائية الأحاديث والآيات التي يختلف عليها الفقهاء. وسيستمر إلصاق الإرهاب بالإسلام إلى أن يعاد النظر في الثقافة الإسلامية السائدة وليس إعادة النظر في الإسلام. فالثقافة الإسلامية السائدة قائمة على كره الآخر وإقصائه (اللهم يتّم أولادهم ورمّل نساءهم) وهذه الثقافة تزرع الكره فينا، وعندما تسألهم عن الذي اخترع المخدر الطبي لتخفيف آلام المرض وهو نصراني يردون : (أخذ ثوابه في الدنيا لكنه في الآخرة مصيره إلى جهنم) هذه ثقافتنا السائدة ونعود ونقول أننا خير الأمم ؟
* البعض يعيد الهجمة على الإسلام إلى أسباب سياسية دولية فهل توافق على ذلك أم إن الأمر هو صراع ثقافات؟
إن الغرب لايتهمنا بتهم ليست موجودة فينا وإنما يعمل على استثمار ما هو فينا لمصلحته. فهل الغرب صنع السنة والشيعة في العراق والوهابية والحوزات؟ هم لم يأتوا بذلك بل استثمروا ما هو موجود لدينا لذلك لا بد أن نعمل على تطوير ثقافتنا. ما يقال إن الغرب يريد القضاء على الإسلام فهو كلام غير منطقي لأنه إذا لم يشكل الإسلام أية خطورة عليهم فهم ليسوا على استعداد لتقديم ضحية لمحاربته.
* وصفك البعض بالشيوعي والماركسي والكافر والزنديق والملحد.. يقول منير الشواف عنك ما هو نصّه بالحرف : «أُعجب الكاتب بالفكر الماركسي الجدلي وبطريقته العلمية الواقعية (الموضوعية) في البحث كما أسماها، وتحوّل هذا الإعجاب إلى انضباع بحيث أصبح الفكر الماركسي قاعدة أساسية له للتفكير وتبني طريقته الجدلية في الوصول إلى العقائد بعد أن قام بتعديلات وتحسينات على الفكر الماركسي ساقته إلى تهديم أسس الماركسية (الاشتراكية العلمية) فأدت إلى خروجه من الماركسية وعدم دخوله في الإسلام» ما ردك على ما يقوله الشواف؟
- من عُقد الفكر العربي عدم تمييزه حتى اللحظة بين الماركسية الفلسفية والماركسية السياسية الإيديولوجية. أكثر من مرة قلتُ ليس كل ما أنتجه الفكر الإنساني يقع في دائرة الخطأ وإن كان كذلك فهذا يعني أن الفكر الإنساني لم ينتج شيئاً، بالنسبة لي لم أعتمد على ماركس، بل كان اعتمادي على هيغل وأنجلس .
الثقافة العربية الإسلامية تكرر إنتاج نفسها. لأنها ثقافة تقوم على القياس ولا تقوم على الإبداع، ونحن نحتاج إلى إبداع وليس إلى قياس ،الحرية و العدالة. قيمتان كامنتان وراء كل الثورات الكبرى في العالم، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية. ثورة أكتوبر الشيوعية قامت من أجل العدالة قبل أن تقوم من اجل الحرية . وثورة الزنج قامت من اجل الحرية قبل أن تقوم من أجل العدالة. وهناك ثورات قامت من أجل الاثنتين معا.
الحرية حتى هذه الساعة وعلى مر عصور التاريخ ليس لها وجود في الوعي الجمعي العربي والإسلامي. العدالة فقط هي الموجودة، وإذا قالوا عن إنسان أنه عادل منصف أعجبتنا تلك الصفة دون أن نتساءل عن القيم الأخرى . حتى عمر بن الخطاب ذلك الصحابي الجليل والزعيم الكبير استعمل لفظ الحرية في موقع المساواة والعدالة حين قال عبارته المشهورة في حادث القبطي مع ابن عمرو بن العاص «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». لكنه لم يكن يعني الرق ونقيضه .كان يعني العدل في المساواة بين العبد والحر. والدليل أن الرق كان نظاما متبعا أيام عمر، وكان العبد يباع ويشترى ويؤجَّر، ولم يفعل عمر شيئا من أجل إلغائه. ولو كان يعني بعبارته الحرية لفعل شيئاً من أجل الرق، لكنه لم يتدخل. ومن اجل العدالة قبلنا بعصا عمر، ومات عمر، وبقيت العصا. لا بل كبرت وغلظت. وصرنا نقرأ عن الرشيد أو المأمون أنه كان ينزل متنكراً ليتفقد أحوال الرعية، فنمدحه ونترحّم عليه دون أن نسأل كم من المساجين كان في سجونه.
صرنا نمدح الحجاج لأنه نقّط القرآن، وننسى انه كان في سجونه حين مات بحسب رواية الأصمعي أكثر من 66 ألف سجين. قبلنا ذلك كله لأن مفهوم العدالة هو المسيطر على رؤوسنا، قبلناه إلى حد أننا اخترعنا مفهوما جديدا هو مفهوم المستبد العادل، الحاكم لا يعزل وإن جار أو ظلم. لا يعزل حتى إن فسق أو أصيب بالجنون، لا يعزل ويحكم مدى الحياة. هكذا تبدو الحرية والعدالة في وعينا الجمعي وفي الكتب التي ما زالت تطبع حتى اليوم ونقبلها. ما زلنا نصفق للحاكم الذي يتنكر وينزل كي يتفقد أحوال الرعية، مع أنه لم يبق الآن ما يدعوه إلى التنكر إذا وجدت مؤسسات مجتمع مدني وأهلي تقوم بهذا الدور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.