صباح رمضاني متثاقل شمسه حارقة، قادنا الى دار الصناعات التقيلدية بمنطقة «الدندان»، أشجار عالية وفضاء شاسع يبتعدُ بالقادم اليه شيئا فشيئا عن ضوضاء الطريق العام، بُغيتنا كانت لقاء بعض النساء الحرفيات للحديث معهن عن ظروف عملهن وتكاليف الإنتاج وكيفية التسويق، وجدنا القرية الحرفية تعجّ بالحركة : عملة وعاملات وطلبة من المعهد المجاور يحملون مراسمهم ويفترشون الأرض، بعض الزوار وقليل جدا من السياح. وجدناها مستغرقة تعالج ريشة ألوانها وتدير عجلة الطين في أناة وصبرفإستئذنّا في الجلوس اليها ووافقت إنها الخزافة «مريم قصار» التي أخبرتنا أنها تلقت تكوينا في صناعة وتزويق الخزف منذ مدة وهي الآن تحاول إقتحام ميدان الانتاج بصعوبة لأنها لا تمتلك مشغلا، وتقضي وقتا طويلا في البحث عمن يعيرها فرنا وعجلة طين، وعندما سألناها عن سعر منتوجها الذي تصنعه فاجأنا إرتفاعه فردّت أن المواد الأولية للزينة غالية جدا ثم أن تصميم الرسوم المستجدة ليس هيّنا ويقتضي تركيزا كبيرا، وقالت مريم أن الحرفيّ ليس مصنعا بل إن كل قطعة يصنعها هي جزء من مهجته وروحه، وقد وجدنا مع مريم في هذا المشغل عملة وعاملات قالوا أنهم يشتغلون لفائدة صاحب العمل بنظام الأجرة الشهرية وبنظام الدوام اليومي ولهم أكثر من شهادة كفاءة مهنية وينتظرون فرصتهم في تكوين رأس مال يتطلبه القطاع. متدرّبات المحل الثاني الذي دخلناه كان مزدانا بجداريات عملاقة فائقة الجمال واستقلتنا فيه السيدة «حياة» وقالت أنها مختصّة في صناعة الزربية ودق الجداريات و حاليا تقوم بتدريب مجموعة من الفتيات على تعلم الصنعة، تدربهم بالتنسيق مع الديوان الوطني للصناعات التقليدية حيث تتقاضى أجرا شهريا عن كل متدربة وقد قالت أن هذا العمل بتطلب صبرا طويلا وإصرارا وحين سألنا عن سعر البيع وجدنا أن الجداريات في غاية الغلاء وقد قالت أن زبائنهم في الغالب من السواح وهم لا يأتون لوحدهم إلا نادرا بل إن صاحب العمل بعلاقاته هومن يستقدم الحرفاء. القطاع والدخلاء مزميلا ومطرقة خشبية بيدها وهي تقدُّ أخدودا على سطح قطعة خشب لتنقشها قالت محدثتنا أنها متدربة في هذا المجال ولكنها تحبّ ما تقوم به وادارة الصناعات التقليدية تشجعها على ذلك بتمكينها من منحة شهرية، أما المدرب فقد أخبرنا أنه خبير في نقش الخشب منذ 40 سنة وقد بات هذا المجال مهددا بشكل حقيقي مع رواج سلع المصانع واختيار الناس للبساطة في التأثيث ثم أن التجار قد باتوا «صنايعية» فلم يعودوا يتوجهون للحرفيّ للتزوّد، بل انهم يستأجورن حرفيين لفائدتهم وهذا مضرّ بالقطاع، وعن مسألة الترويج قال محدثنا أنه وباقي الحرفيين عندما انتصبوا في هذه القرية الحرفية كان موعودين بحملة دعائية كبيرة ستساعدهم على ترويج المنتوج ولكن شيئا من هذا لم يقع اضافة الى ان بعض جوانبية القرية قد انتصب بها رؤساء أموال وليس حرفيين. المنتوج الجيد يُباع الحاجة فاطمة وجدناها تظفر أعواد الخيزران في دكانها الشاسع وقالت أنها منذ فتحت هذا الدكان وهي تشتغل بنفس الوتيرة ولم تلحظ صعوبة في البيع أو التسويق فالمنتوج الجيّد يباع، وكذلك أكدت درّة الجريدي التي ترسم على البلور إذ قالت برغم غلاء المنتوج إلا أن الحريف يشتري السلع الجيدة. التغطية الاجتماعية ياد الزاوي المندوب الجهوي للصناعات التقليدية الذي وجدناه يتفقد بعض الأمور في القرية الحرفية قال لنا أن الدولة أطرت أصحاب الورشات والمرأة العاملة منهم وقد أقرت لفائدة الحرفيين الكثيرمن الحوافز التي تيسّر عملهم كإقرار نظام مساهمات في التغطية الاجتماعية يتماشى مع مدخولهم وهو نظام الضمان الاجتماعي لفائدة الحرفيين المشتغلين بالقطعة وهو نظام لا شبيه له في كل بلدان العالم العربي وبلدان العالم الثالث، اضافة لما يمكن أن يناله الحرفي من نظام القروض الصغرى والكبرى سواء من الديوان الوطني للصناعات التقليدية أو من البنك الوطني للتضامن، ولما سألناه عن كيفيةمساعدة الحرفيين على ترويج منتوجهم قال أن المعارض والصالونات تشكل فرصة تسويق مهمّة اضافة للمساعدة التي تقدمها الدولة للحرفيين للمشاركة في المعارض خارج الحدود مع إحداث الدولة لآلية «سيباكس» مركز النهوض بالصادرات و «فامكس» صندوق التشجيع على اقتحام الاسواق الخارجية. كما أن الدولة باتت توصي المؤسسات العمومية والنزل على اقتناء منتوج الصناعات التقليدية من أجل ضمان الحركية في القطاع. التنسيق ضروري الصدفة وحدها جمعتنا بالسيدة المحجوبي المديرة العامة السابقة لديوان الصناعات التقليدية التي قدمت لاقتناء بعض المنتوج التقليدي فأخبرتنا أن القرية الحرفية مكسب مهم وكانت محطة هامة من محطات تأهيل قطاع الصناعات التقليدية خاصة وموقعها يجعلها تقرب من المركزية الادارية في الاشراف وتقترب من الابداع الشبابي عبر تدفق طلبة معهد الحرف المجاور الذي يمنح نفسا جديدا للمنتوج ويدعم الخبرة بالمعرفة، وعوائق الترويج الموجودة الآن لمنتوج الصناعات التقليدية يمكن تجاوزها كما اخبرتنا السيدة المحجوبي أنه بمزيد التنسيق مع ديوان السياحة ومع الأدلاء السياحيين الذين يأتون بالسياج لمتحف باردو غير البعيد وبتحسيس الأدلاء بضرورة الترويج لمنتوجنامن الصناعات التقليدية يمكن خلق مسالك ترويج وإشهار، ثم أن على الحرفيين التحرك جماعيا من أجل التكامل في الانتاج والتكامل في التسويق مثلا لهم أن يطالبوا بدورات تكوينية في فن التسويق ينظمها لفائدتهم ديوان الصناعات التقليدية أو وزارة الاشراف وهي عملية ممكنة وتمثل عوامل مساندة لتخطي ما قد يعطل ولو جزئيا هذا الاهتمام بالصناعات التقليدية الوطنية التي لها مستقبل كبير شرط التخطيط والتكامل بين الحرفيين. أجمعت إذن كل المتدخلات أن العمل في قطاع الصناعات التقليدية عمل ممتع وبه الكثير من فرص التشجيع ولكن المشكل الاساسي هو نقص الدعاية وصعوبة التسويق خاصة وأن غلاء المواد الأولوية يجعل منتوجنا تبدو أسعاره غالية نسبيا مقارنة بالمقدرة الشرائية للمواطن التونسي.