يهم التونسيين : الانطلاق في عملية تحيين السجل الانتخابي غدا    ارتفاع طفيف في عدد مخالفات السيارات الإدارية خلال الثلاثي الأول من 2024    المرصد الوطني للفلاحة: انخفاض أسعار الدجاج والبيض    ماجول في صالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    طقس الاحد: امطار غزيرة وتساقط البرد بهذه المناطق    غدا.. هبوب رياح قوية وانخفاض مدى الرؤية الأفقية بالجنوب    عاجل : انقطاع التيار الكهربائي بهذه المناطق    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    الأونروا: 800 ألف فروا من رفح يعيشون بالطرقات.. والمناطق الآمنة "ادعاء كاذب"    إطلاق نار واشتباكات قرب القصر الرئاسي في كينشاسا    صيف 2024: 50 درجة منتظرة و شبح الحرائق حاضر    علماء يكشفون : العالم مهدد بموجة أعاصير وكوارث طبيعية    اليوم : وقفة احتجاجية للتنديد بالتدخل الاجنبي و بتوطين أفارقة جنوب الصحراء    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي «يثور» على اللاعبين واتّهامات للتحكيم    إضراب بالمركب الفلاحي وضيعة رأس العين ومركب الدواجن    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    بغداد بونجاح يحسم وجهته المقبلة    الجمعية التونسية "المعالم والمواقع" تختتم تظاهرة شهر التراث الفلسطيني    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    طقس اليوم: أمطار بالمناطق الغربية والشرقية وحرارة أربعينية بالجنوب    العثور على كلاشينكوف في غابة زيتون بهذه الجهة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    داء الكلب في تونس بالأرقام    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاضر والماضي والمستقبل
الذاكرة النقابية: إعداد سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 28 - 04 - 2007

حاولت أن أقدم للنقابيين نصا أقرب ما يمكن إلى التسلسل المنهجي الذي يمكّنهم من الاطلاع على بعض المحطات المفصلية من تاريخهم من وجهة نظر السيد عبد العزيز بوراوي أحد بناة المنظمة النقابية الوطنية ، وهذا ما استوجب بعض التصرف لا في محتوى المداخلة ولا حتى في أسلوب روايتها بل في ترتيب الأفكار وتسلسلها وفي تعديل بعض صياغتها. فكثير مما أورده السيد بوراوي كان من وحي الذاكرة وأتى ردا على أسئلة لم تكن متوقعة، ولذا اتسم العرض بالعفوية وتداخل الأفكار مما استوجب إعادة ترتيب بعض الفقرات. وإني وإن تصرفت في المبنى فأملي ألا أكون قد خنت المعنى، ورجائي أن يصوب لي السيد بوراوي ما أكون قد وقعت من أخطاء كما فعل السيد الطيب البكوش عندما رفع بعض اللبس الذي حصل في بعض الصحف.
السبت 24 مارس 2007 بمؤسسة التميمي للبحث العلمي واصل الأخ عبد العزيز بوراوي استعراض مسيرة الاتحاد العام التونسي للشغل التي كان أحد صانعيها ضمن ثلاثي نضالي: حشاد وعاشور وبوراوي، جمع بينهم الطموح إلى البناء وباعدتهم معاول الهدم. وكان قد قدم في الحلقة الأولى مرحلة التأسيس التي استمرت حوالي سنتين بداية من اتحاد النقابات المستقلة لعمال الجنوب1945/ 1944إلى مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل 20جانفي 1946 ثم مرحلة بناء المنظمة التي تولى فيها الاضطلاع بمهمتين أساسيتين : مهمة الدفاع عن الحقوق المادية للشغالين بالساعد والفكر ومهمة وطنية وهي تحرير الوطن وانتزاع استقلاله من براثن الهيمنة الاستعمارية الفرنسية. ولم تكن هاتان المهمتان بالأمر اليسير وكان الثمن هو دم الشغالين الذي سفك بغزارة في ثلاث محطات: محطة 5 أوت 1947 ومحطة النفيضة في 26 أكتوبر 1950 ثم محطة 5 ديسمبر 1952بالإضافة إلى عذابات السجون والنفي والحرمان من لقمة العيش.
تمتد هذه المرحلة عبر عقد ونصف بداية من المؤتمر السادس 1956 إلى المؤتمرالثاني عشر سنة 1970مرورا بالتجربة التعاضدية. وقد اختزل الأخ عبد العزيز هذه المرحلة في مجموعة من النقاط :
1 سر الشهيد
في السنة الأولى من الاستقلال 1955 ، ومع الحكومة التفاوضية برئاسة الطاهر بن عمار، قررت المنظمة الشغيلة تكريم فقيدها حشاد بتحويل رفاته من مسقط رأسه بقرقنة إلى ضريح جديد أقيم خصيصا له في العاصمة حتى يكون شاهدا حيا على الثمن الذي قدمته المنظمة في سبيل الحرية. وقد تحول إلى مسقط رأسه لنقل الجثمان كل من الأخ الأمين العام أحمد بن صالح والحبيب عاشور ومحمد كريم وعمر بوزيد وثلة من النقابيين، ولم يسعف الحظ الأخ أحمد تليلي الذي مازال سجينا رغم توقف حكم الإعدام الصادر ضده.
وأغرب ما رأيت في هذه اللحظة هو مشهد جثمان حشاد الذي مرت على دفنه 3سنوات التي تمت يوم 7 ديسمبر من سنة1952 ، فهذا الجثمان الذي أصرت أرملة حشاد على فتح التابوت لرؤيته، وتمكنا نحن من معاينة أثر الرصاصات التي اخترقت جسمه يكاد لم يتغير، الكفن الأبيض احتفظ بنقاوته، الجسم سليم كما تركناه ، يد الشهيد ممدودة خارجة من الكفن، أثر الرصاصة التي اخترقت رأسه مازال باديا. إنه مشهد غريب لن أنساه ما دمت حيا، جعلني أتساءل في حيرة هل هذا سر من أسرار الشهداء ؟
وفي تونس اتصل عبد الله فرحات بمحمد كريم الذي مازال على علاقة وثيقة بأحمد بن صالح وأخبره أن بورقيبة سيحضر إلى بهو الاتحاد ليؤبن الشهيد ، فما كان منه أن اعترض عن ذلك قائلا: « إن حشاد طوال حياته كان يوحّد ولا يشتت « وكما كان في حياته نريده كذلك في مماته. إن تأبين الزعيم بورقيبة له سيعطي الحق للزعيم صالح بن يوسف للقيام بنفس الأمر وهذا سيجعلنا في حرج. ولتجنب هذا الإشكال تولى أحمد بن صالح الأمين العام للمنظمة عملية التأبين في غياب الزعيمين.
2 مشاركة الاتحاد في أول حكومة برئاسة بورقيبة
ألح بورقيبة على أن يتحمل الاتحاد معه مسؤولية بناء الدولة كما ساهم في معركة الكفاح الوطني، وبعد تردد ساهم بوزيرين هما مصطفى الفلالي الذي تولى كتابة الدولة للفلاحة وعزالدين العباسي الذي تولى كتابة الدولة للأشغال العامة) والواقع أنه ساهم بأربعة كتاب دولة ، فبالإضافة إلى العنصرين السابقين فقد تولى عبد الله فرحات كتابة الدولة للبريد ومحمود الخياري كاتب الدولة للشؤون الاجتماعية(
3 المؤتمر السادس : تحديات وتداعيات
أ التحديات
بعد أن صادق المؤتمر الرابع (1951) وهو آخر مؤتمر يحضره حشاد على انضمام الاتحاد العام التونسي للشغل للجامعة الدولية للنقابات الحرةCISL كلف حشاد أحمد بن صالح بأن يحتل موقعه في هذه المنظمة نيابة عن إفريقيا وهي مهمة نقابية إدارية وليس مسؤولا منتخبا وبقي بها إلى سنة 1954 عندما اتصل به وفد نقابي في باريس يضم كل من محمد كريم ومحمود الخياري ومحمد الري وعمر الرياحي وطلبوا منه أن يعود إلى تونس ويتحمل مسؤولية قيادة المنظمة التي تعيش حالة من الفراغ خاصة وأن قيادتها التاريخية مازالت رهن الاعتقال .
وفي تونس اتصل كل من أحمد بن صالح ومحمد كريم بالحبيب عاشور الذي مازال بالمحرس رهن الإقامة الجبرية. وفي هذه الزيارة تدارسوا وضعية الاتحاد وما أصابه من شلل نتيجة لاغتيال حشاد واعتقال قياداته وفيها ابن صالح أشاد بعاشور وبن ضاله معتبرا إياه الأجدر بقيادة المنظمة، وقد طمأنه عاشور على مساعدته معتبرا أن المهمة العاجلة هي المحافظة على الشقف وعلى أمانة فقيد الاتحاد، ثم وقع الاتفاق على ضرورة عقد المؤتمر الخامس في جويلية 1954. وتولى أحمد بن صالح أمانته العامة وكان محمد كريم من أبرز مساعديه بتوصية من عاشور. والهدف من هذه الزيارة هو حصول ابن صالح على موافقة من القيادة التاريخية
وبعد عامين من المؤتمر تغيرت الأوضاع السياسية والنقابية ، فعلى المستوى السياسي أبرمت الحكومة التونسية اتفاقية الاستقلال الداخلي 1955 ثم اتفاقية الاستقلال التام مارس 1956وبدأت تستعد لمرحلة البناء
وعلى المستوى النقابي لم يعد أحمد بن صالح نكرة كما كان قبل المؤتمر الرابع، فقد اكتسب شعبية عمالية، غير أن علاقته بالقيادة التاريخية لم تعد ودية كما كانت، بل إنها توترت مع محمد كريم الصديق الحميم لعاشور ، كما طرحت على الاتحاد مهام جديدة.
22/21/ أفريل 1956 في مناخ غير مريح خلافا للمؤتمرات السابقة حيث كنا نقصد العاصمة في جو احتفالي يلتقي فيه أبناء الجنوب مع أبناء الساحل في مدينة سوسة ومنها نتجه إلى العاصمة أين نجد حشاد في انتظارنا وكذلك بقية الجهات.
وقد افتتح المؤتمر رئيس الحكومة الحبيب بورقيبة الذي عاد لتوه من فرنسا حيث كان يقضي فترة نقاهة وألقى خطابا عبر فيه عن عدم ارتياحه للتقرير الاقتصادي والاجتماعي الذي أعده ابن صالح كبرنامج مستقبلي لتونس وقد انتقده من ناحيتين : كمبادرة وكمضمون
فليس من حق الاتحاد أن يسبق الحزب وأن ينافسه وأن يبادر بإعداد هذا البرنامج، فهذه ليست مهمته بل هي مهمة الحزب الدستوري الذي سيتولى السلطة، أما من حيث المضمون فهو برنامج اشتراكي بل شيوعي، وقد أتى قبل أوانه. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان بورقيبة يتخوف من ابن صالح ذاته هذا الشاب الطموح، ولا يطمئن إليه، ولا يثق بقيادته للمنظمة وهذا ما أكده عاشور في مذكراته.
وفي اليوم الثاني وخوفا من مزيد التوتر انتقلنا إلى المسرح البلدي. وفي المؤتمر ظهر مقترح انخراط الاتحاد العضوي في الحزب الدستوري باعتبار أن هذين التنظيمين لهما نفس المهمة، غير أن بورقيبة رفض هذا المقترح فيما بعد واعتبره مناورة سياسية هدفها الالتفاف على الحزب.
وداخل قاعة المؤتمر كانت الأجواء محقونة، والمؤتمرون في حالة تشنج، وصار يصح تسميتنا بالإخوة الأعداء. وظهر بكل وضوح أن هناك فريقين أحدهما يلتف حول أحمد بن صالح وهو رمز لفئة الشباب والمثقفين والآخر حول الحبيب عاشور كرمز للقيادة التاريخية، ويتقاذفان التهم. وقد عكست المداخلات الخلافات التي تشق المؤتمرين بل كان ذلك واضحتا حتى من التصفيق الذي يعقب التدخلات . ولم يكن الخلاف سياسيا بل كان يتمحور حول طريقة العمل لدى الرجلين وكيفية تسيير المنظمة. وقد حاول أحمد تليلي أن يصلح بين الفريقين ويجنب المؤتمر التصدع ولكنه لم يوفق، فقد تمسك كل فريق بموقفه . وبالرغم من أن الأغلبية كانت مع أحمد بن صالح فقد فاز عدة عناصر من فريقنا. غير أن عاشور لم يقبل بالنتيجة التي أفرزتها الانتخابات فاجتمع بنا. وبعد مناقشة الوضع النقابي قررنا الانسحاب من الهيئة الإدارية.
ب التداعيات
كان لهذا المؤتمر عدة تداعيات لم تكن في مجملها لصالح الحركة النقابية وهي كالتالي:
الانشقاق وتكوين الاتحاد التونسي للشغل
بعد المؤتمر قمنا بحملة دعائية أوضحنا فيها موقفنا من النتائج وأسباب انسحابنا من الهيئة الإدارية وما نعتزم القيام به في المستقبل. وبدأنا نوسع دارة نشاطنا واتصالاتنا بالنقابيين الذين لم يكونوا مرتاحين لنتائج المؤتمر. وقد آلت المشاورات إلى عقد اجتماع في مونفلري تقرر فيه تأسيس منظمة نقابية جديدة أطلقنا عليها الاتحاد التونسي للشغلUTT وانضم لها كل من لم يكن على وفاق مع أحمد بن صالح الذين انسلخوا من اتحاد العام. ثم قمنا بتركيز هياكل لها في الجهات. وقد أربك هذا التأسيس النقابيين نظرا لانعكاساته السلبية داخليا وخارجيا.
ففي الداخل ستضعف فاعلية الحركة النقابية وفي الخارج سيحرج هذا الانشقاق إحراجا لدى كل من الجامعة الدولية للنقابات الحرة CISL والمنظمة الدولية للشغل OIT. وهذا ما حدث فعلا في شهر جوان 1957حيث اضطرت المنظمة إلى إحضار الفريقين إلى مؤتمرها في جينيف بتنسيق مع كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية
إزاحة ابن صالح عن الأمانة العامة للاتحاد العام
بمجرد أن تحول الأخ أحمد بن صالح إلى المغرب الأقصى في مهمة نقابية( تستهدف توحيد اتحادات عمال المغرب العربي ) حتى اجتمع المكتب التنفيذي وأزاحه وأسند مهمته إلى الأخ أحمد تليلي الذي كان قلقا من الانشقاق ولكنه كان يقول» إنه يمكن الاتفاق على طريقة العمل». واستمر الانقسام عدة أشهر ضعفت خلالها فاعلية الحركة النقابية
الوحدة من جديد: وتليلي أمين عام
بعد أن أزيح ابن صالح بدأت الاتصالات من جديد بين عاشور وتليلي، وقد أتاح مؤتمر المنظمة الدولية للشغل في جينيف الفرصة لالتقاء الرجلين وبداية البحث عن الطريقة الملائمة للخروج من الأزمة، وكنت ثالثهما. بدأت الاتصالات والمشاورات مع شهر جويلية 1957ثم تكونت لجنة ثنائية بين الاتحادين مهمتها الإعداد لمؤتمر استثنائي) المؤتمر السابع( انتهى بتوحيد المنظمتين من القاعدة إلى القمة في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل في2 2 سبتمبر 1957 تولى تليلي أمانته العامة.
بورقيبة يحتضن الجميع
في نفس هذه السنة التي تمزقت فيها الحركة النقابية ثم عادت لتلتئم من جديد ، يحتضن بورقيبة ابن صالح بعد أن تدخل لإزاحته عن أمانة الاتحاد، فيعينه كاتب الدولة للصحة العمومية. أما الحبيب عاشور فقد ألحقه أيضا بالديوان السياسي إضافة إلى أحمد تليلي.
وكانت هذه السنة حبلى بالأحداث الهامة. ولعل أهمها إنهاء الحكم الملكي للبايات وإعلان الجمهورية في 25 جويلية 1957
4 انجازات الاتحاد في دورتي تليلي1957 1963
استطاع الاتحاد بقيادة تليلي أن يحقق العديد من الانجازات وفي مقدمتها تعاضديات الخدمات على مختلف أنواعها قبل أن تبدأ التجربة التعاضدية الاشتراكية. وكان متحمسا لمثل هذه المشاريع الاجتماعية وأنشأ لها إدارة خاصة يسهر عليها السيد فخر الدين الكاتب : واهتم خاصة بالتعاضديات الاستهلاكية التي لها علاقة مباشرة بحاجيات العمال، وشرع في تأسيس بنك الشعب وتحصل على أرض لبناء نزل أميلكار. وقد واصل عاشور هذه المهمة سنة 1963 فانطلق مشروع الاكتتاب لفائدة بنك الشعب الذي صار بنك الجنوب برأسمال قيمته 250 ألف دينار، ثم وصل المبلغ إلى 380ألف دينار كما تأسست شركة التأمين» الاتحاد « استعاض تليلي جريدة صوت العمل بجريدة الشعب، وبدأ خصم واحد في المائة لفائدة الاتحاد
وعلى مستوى العلاقات الدولية النقابية صادقت الحكومة التونسية على الاتفاقية الدولية للحريات النقابية
5 تجربة التعاضد وتداعياتها على المنظمة النقابية
عاش الاتحاد في ظل التجربة التعاضدية ثلاثة أزمات :
أ أزمة تخفيض الدينار
بدأت سياسة التخطيط في تونس مع سنة 1962، وهي السنة التي ظهر فيها الخلاف بين الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة أحمد تليلي . وفي السنة الموالية انعقد المؤتمر التاسع. وفي هذا المؤتمر وقعت بعض المناورات )ولعله يشير إلى تحالف العاشوريين والبنصالحيين لإزاحة تليلي عن قيادة الاتحاد لعدم تماشيه مع سياسة التعاضد(
وانتهى هذا المؤتمر بانتخاب عاشور أمينا عاما وتليلي أمينا عاما مساعدا . وبعد فترة قصيرة من التعايش قررت الحكومة تخفيض الدينار نتيجة لتخفيض الفرنك الفرنسي. وهذا ما يفضي إلى تدهور المقدرة الشرائية للشغالين ، لذا طالب الاتحاد العام بتكوين لجنة لدراسة تأثير التخفيض على المقدرة الشرائية . وهذا ما لم يرق للحكومة فشنت حملة دعائية على قيادة المنظمة الشغيلة واتهمتها بعرقلة المشروع التعاضدي. وقد تضامن مع الحكومة جزء من القيادة النقابية المتعاطفة مع أحمد بن صالح ومنهم : محمود بن عزالدين ومحمد الري وصالح القلعاوي
وفي تلك الفترة دعاني رئيس الدولة لزيارته باعتباري نقابيا وحزبيا في نفس الوقت، وفاجأني بالسؤال التالي : لماذا تعرقلون مهمة ابن صالح وهو الذي يبذل مجهودا وطنيا كبيرا فهو في الصباح في بنزرت وفي المساء في مدنين ويقصد ثلاثيا معروفا : عاشور وتليلي وبوراوي. فقلت : لسنا ضد التعاضد ولكن ضد الطريقة التي يتوخاها ابن صالح والولاة والمسؤولون في إنجاز التعاضد، فكل شرائح المجتمع تعارض ، العمال والفلاحون والتجار وقد بلغتنا العديد من التذمرات، فالشعب يعيش أوضاعا صعبة.
ب أزمة الاحتواء
انعقد في بنزرت مؤتمر المصير1964 حيث تمت الموافقة على المشروع الاشتراكي التعاضدي ، ولإحكام السيطرة تقرر تحويل كل المنظمات إلى خلايا تابعة للحزب الاشتراكي الدستوري وليس المقصود بذلك غير الاتحاد العام التونسي للشغل لأن بقية المنظمات كاتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين والاتحاد النسائي هي تابعة بطبعها للحزب الحاكم. وفي هذا المؤتمر وقع التهجم على القيادة النقابية وخاصة على عاشور الذي طالب بالزيادة في الأجور بالرغم من أنه عضو بالديوان السياسي. وفي الديوان السياسي تقرر أن تتولى لجان التنسيق الإشراف على مؤتمرات الاتحاد. ولتجسيد هذا القرار بادر مدير الحزب محمد الصياح بإصدار منشور إلى لجان التنسيق لتتولى هذا الأمر.غير أن القيادة النقابية اعتذرت عن تطبيق القرار واعتبرته مضرا بالاتحاد وبالمجتمع، ثم إن إقرار التوجه الجديد يقتضي العودة إلى القواعد النقابية عبر مؤتمر استثنائي وهذا يستلزم مزيدا من الوقت.
وأخيرا تدخل بورقيبة ووبخ عاشور لعدم خضوعه لقرار الحزب على قائلا له :»تريدون أن تفعلوا بالمنظمة كما تريدون تتعللون بأسباب واهية» .ثم وقع الاتفاق على الإعداد للمؤتمر الاستثنائي بإجراء انتخابات قطاعية تحت إشراف عناصر حزبية تقدمها إدارة الحزب . وقد أقنع عاشور بعض الرافضين» بأن إشراف الحزب مرة واحدة أفضل من تدخله اليومي في شؤوننا النقابية».
إثر هذا الاتفاق سافر عاشور إلى جنيف وتوليت أنا أمانة الاتحاد بالنيابة ووضعت رزنامة للمؤتمرات القطاعية. وبعد أن أجريت الانتخابات في عدة قطاعات تبين للحزب أن نتائجها لم تكن لصالح عناصره فطالبني البشير بلاغة الذي كان يشغل في نفس الوقت والي العاصمة ورئيس لجنة التنسيق بإعادة الانتخابات في شركة الكهرباء والغاز لوجود تزييف
والملاحظ أنها تمت تحت إشرافه هو بالذات ، فرفضت ولما ألح رجوته أن ينتظر عودة عاشور من جينيف. فشكا الأمر إلى رئيس الدولة الذي دعاني لمقابلته.
وفي نفس اليوم علمت بخبر احتراق الباخرة التابعة لشركة إحياء جزر قرقنة فتحولت إلى صفاقس لأعاين الحادث وأعلمت فورا الأخ الحبيب عاشورا الذي مازال في جينيف فعاد إلى تونس بسرعة. ورجعت ليلا للعاصمة.
6 مصير الثلاثي
عبد العزيز بوراوي: مستقيل في الغد آخذني الصياح لتغيبي حيث طلبني الرئيس ولم يجدني وكان الصياح يخطط مع البشير بلاغة.
تحولت إلى القصر وأخبرني الشاوش أن بشير بلاغة عند الرئيس ثم استقبلني بورقيبة صحبة الصياح وبلاغة وباغتني بالقول
بورقيبة: «أنا ناديتك وما نعرفش علاش ناديتك وما حقنيش ناديك «
ويعلق بوراوي « إذا كنت أمام بورقيبة يجب أن تعرف كيف تتكلم»،
بوراوي: «إذا كنت قد أصدرت حكمك فلسنا نرفض ، أما إذا كان هناك مجال للدفاع عن نفسي فعندي ما أقوله
بورقيبة : اسكت حتى أتكلم ، لماذا رفضت إعادة الانتخابات؟
بوراوي :لا لم أرفض سيدي الرئيس ورجوت من سي بشير أن ينتظر عودة عاشور من جينيف لأنه سبق أن تحادث معه حول انتخاباتSTEG
ثم التفت لبلاغة
بورقيبة: ماذا آخر؟
بلاغة: أحد الدستوريين ترشح فرفض ترشحه
بورقيبة لبوراوي : لماذا ؟
بوراوي :أنا أيضا دستوري وهذا الشخص رئيس شعبة وكل أعضاء الشعبة يرفضون ترشحه
الصياح : صحيح سكارجي وله رخصة طبرنة
بورقيبة لبوراوي: لو لم أكن أثق بك ما كنت ناديتك
والتفت إلينا جميعا : يكفي من المشاكل ، اعملوا معا
إثر هذا اللقاء طلب منا الصياح أن نعد رزنامة في بقية الانتخابات، رفضت ذلك وقلت إنها ضربة سيف في الماء، وعدت إلى بيتي أين كتبت استقالتي من الحياة السياسية والنقابية بعد أن ديست كرامتي، وطلبت من أحد أصدقائي أن يسلمها إما لمحمد الصياح أو محمد عمارة ثم اتجهت إلى محمد الجميعي المدرسة يوم 21 جوان، أين يتعلم أبنائي وطلبت من مديرها أن يسمح لي بنقلتهم إلى صفاقس، أردت الانزواء في الغابة حتى لا تسلط علي ضغوط السلطة وقاطعت الجلسات
أحمد تليلي :طريد
بعد أن فشل تليلي في مسعى منع رفع الحصانة عن عاشور وبعد أن أدرك مصيره، لم ينتظر إلا أن يشيع صديقه الحميم الطيب المهيري كاتب الدولة الذي طالما حماه إلى مثواه الأخيرفي 26 جوان 1965، فعاد إلى بيته وودع عائلته وحزم حقائبه وتسلم تذكرة مفتوحة من محمد كريم وارتحل ولم يعد إلى تونس إلا وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة
الحبيب عاشور: سجين
عند عودة عاشور من جينيف كان مجلس النواب بانتظاره والتهمة جاهزة والمطلوب رفع الحصانة عنه، وهذا ما فعله النواب في شهر جوان 1965 رغم دفاع تليلي المستميت، وبعد يومين من رحيل تليلي أحيل عاشور على المحكمة وأودع السجن
العد التنازلي لتجربة التعاضدي وانعكاساته على الاتحاد
عدت إلى العاصمة وأنا على موقفي الحازم من الاستقالة وبدأت تتسرب أخبار فشل التعاضد، وأن الأمور تسير في غير الاتجاه الصحيح وعاد أحمد تليلي سنة 1977 إلى تونس بعد أن عفا عنه بورقيبة وعندما قابلته قال لي « نتمسك بمواقفنا وبلاغة حكاية فارغة».
بعد وفاة تليلي في 28 جوان 1977 خرج عاشور من السجن وتمت إعانته من الجامعة الدولية للنقابات الحرة ومن البنوك)ساعده الهادي نويرة مدير البنك المركزي وقدمت له الشركة التونسية للبنك STB قرضا ( فكوّن شركة أسفار بنهج المختار عطية بالعاصمة
وفي سنة 1969 انعقد المؤتمر الحادي عشر وانتخب البشير بلاغة أمينا عاما ، وفي آخر هذه السنة بلغت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية درجتها القصوى من السوء،وعزف النقابيون عن النشاط النقابي وهجروا منظمتهم.
وفي عيد الشغل العالمي الذي أشرف عليه بورقيبة من هذه السنة دبر كل من محمد الدامي وسعيد الحداد خطة لإشعاره بغضب العمال من هذا الوضع ، فقد زرعوا مجموعات صغيرة موزعة داخل قاعة البالماريوم ، مهمتها « المناداة بحياة بورقيبة وبحياة الحبيب عاشور» غير أن بورقيبة غضب من هذه العملية لكنها كانت وراء الاستغناء عن بشير بلاغة.
وفي شهر أكتوبر أو نوفمبر دعاني عاشور وأعلمني أن بورقيبة الموجود في فترة نقاهة بالخارج اتصل به وطلب منه العودة على رأس المنظمة الشغيلة. وفي نفس هذا الاتجاه خاطبني الباهي الأدغم والهادي نويرة.
لم نرفض الفكرة ولكننا وضعنا ثلاثة شروط :
تمكيننا من مقرات الاتحاد
تكوين لجنة وقتية للإعداد للمؤتمر القادم
الاستقلالية الكاملة الحركة النقابية
وهذا ما أنجزناه بعد وافقت الحكومة على شروطنا، فقد انعقد المؤتمر الثاني عشر في شهر مارس من سنة 1970 في جو من الانسجام . وتولى عاشور الأمانة العامة .
7 ردود عن بعض الأسئلة
أ أكد بوراوي ما كان قد كتبه تليلي في رسالته لبورقيبة سنة1966 وهو أن النظام كان وراء كل الأزمات التي مر بها الاتحاد سواء أزمة 1956 أو أزمة 1965 أو أزمة 1978، فالنظام لا يريد منظمة نقابية قوية تنافس الحزب الدستوري
ب علاقة الحزب بالاتحاد، تأسس الاتحاد بصفة مستقلة وليس للحزب أي دور في التأسيسثم وقع التقارب والتعاون بينهما و قام هو بدور مزدوج فهو حزبي من ناحية ونقابي من ناحية أخرى، وقد تحمل مسؤولية الكاتب العام للجنة التنسيق بقفصة وكان له في البداية خلاف حاد مع الهادي المبروك ثم وقع الانسجام بينهما ورفض تسميته واليا رغم إلحاح بورقيبة. لم أقطع مع الحزب
ج تحدث عن أهمية دور الرجل الصامد الصامت أحمد تليلي في الكفاح المسلح سواء في تونس أو في تمتين العلاقة مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية وكذلك عن دور كل من حسين بوزيان وخليفة بن حمودة
د أكد الطابع الاستبدادي للنظام ، فبورقبة لا يسمح بالرأي المخالف فلا مجال للتعددية السياسية ولا لحرية الصحافة، وفي هذا الإطار ضُربت الأحزاب وحوربت المنظمة الشغيلة وكان لمدير الحزب دور بارز في محاولة تدجين المنظمة
ه تحدث أيضا عن بعض ذكرياته بالسجن وعلاقته المتوترة بمدير السجن مورو وكيف تحول من رجل مغمور إلى شخصية مشهورة ذات شأن بعد أن صار رئيس لجنة المساجين
و تحدث أيضا عما اتسم به سلوكه من نظافة ومقاومة كل الإغراءات، «فقد قمت بواجبي دون جزاء أو شكور، لم أتلق عطاء لا من الحزب ولا من الاتحاد»، وروى كيف عرض عليه بورقيبة مساعدته لإكمال بيته كما «سبق له أن ساعد كل من الباهي الأدغم والباجي قائد السبسي ، لأني أعرف أن المسؤول لا يستطيع أن يؤدي واجبه نحو المواطنين وهو مشغول بقضاياه الخاصة
ولما اعتذرت قال : «أعرف حجر الواد «


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.