لم يمر أكثر من يوم واحد على إعلان فوز نيكولا ساركوزي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية الباهر وبنسبة 53 بالمائة من الأصوات على منافسته سيغولان روايال حتى انتقل اهتمام الناس، في فرنسا وخارجها، من تحليل نتائج الانتخابات وقراءة دلالاتها والتكهن بتشكيلة الحكومة المقبلة التي ستواكب الرئيس الجديد في تصريف الشؤون العامة الفرنسية الخ... إلى نزهة ساركوزي البحرية على مشارف جزيرة مالطا صحبة زوجته وابنه على ظهر يخت فاخر يمتلكه الملياردير الفرنسي فانسان بلوراي. وفي نفس الحين واصلت بعض وسائل الإعلام متابعتها لتحركات مرشحة اليسار سيغولان روايال التي أعلنت رفضها الاستسلام للهزيمة والانسحاب من الميدان والبدء في الاستعدادات لمعركة الإنتخابات الرئاسية لسنة 2012 مرورا بالانتخابات التشريعية التي ستنطلق في ظرف شهر. أما الشارع الفرنسي فقط ازداد انقساما وازدادت الهوة اتساعا بين اليمين واليسار ولم تنجح «القوة الثالثة»، التي حلم فرانسوا بايرو بإنشائها، في فرض نفسها على الساحة فعلا، وإن كان الباب لا يزال مفتوحا لقيامها. وأسهم هذا الاستقطاب الثنائي بين اليمين واليسار، في التشدد الذي أصبح يبديه اليمين الجمهوري تحت تأثير اليمين المتطرف بقيادة لوبان، وطمعا في الحصول على أصوات المنتسبين إليه في الانتخابات، في جعل التوتر يزداد حدة وخاصة في الضواحي الباريسية والأحياء التي توصف بالصعبة، وهي الأحياء التي يدفع أهلها ثمنها وخاصة الشبان منهم من الجيل الثاني للهجرة، والذين خبروا ساركوزي وعرفوه جيدا باعتباره المجسد لهذا التوجه لما كان وزيرا في الحكومة اليمينية في ظل الرئيس شيراك. وإذا كان رد الفعل في هذه الأحياء لم يعبر عن نفسه إلى حد الآن بشكل عنيف، فلا شيء يضمن مستقبلا تواصل هذا «الهدوء المشوب بالحذر»، خاصة وأن سياسة ساركوزي المعلنة خلال حملته الانتخابية سوف لن تكون أكثر لينا من تلك التي انتهجها لما كان وزيرا للداخلية وهو ما سوف يؤدي حتما إلى التصادم مثلما حدث في الماضي غير البعيد. ويجدر التنبيه هنا إلى أن المصادمات المتفرقة بين أعوان الشرطة ومجموعات صغيرة من ناشطي أقصى اليسار الغاضبين والآملين في إثارة «ماي 69» جديد عبر إثارة بعض الضوضاء في بعض الشوارع وإحراق بعض السيارات أو مهاجمة أحد مقرات حزب ساركوزي، والتي أدانتها القوى السياسية اليسارية الرئيسية في فرنسا، ما هي إلا أحداث عابرة سوف تختفي على مدى بضعة أيام. ولكن لا ينبغي، بأي حال الخلط بين هذه المصادمات ومصادمات عنيفة ممكنة سوف تكون أشد عنفا وامتدادا في الزمن، إذا ما قدر لها أن تنطلق في الضواحي الباريسية وما يعرف بتسمية «الأحياء الصعبة» فهل سيعمد ساركوزي، بعد استلامه السلطة وبشكل خاص إذا استمرت الأغلبية البرلمانية في يد اليمين عقب الانتخابات المقبلة إلى سلوك سياسة أكثر اعتدالا من تلك التي أعلن عنها في حملته الانتخابية والتي مارسها وزيرا للداخلية؟ أما إذا فاز اليسار في الانتخابات التشريعية، وهو ما يعني تسلمه مقاليد الحكم فعليا، فإن البرنامج السركوزي سوف يبقى عمليا حبرا على ورق... فلننتظر حتى نرى.