تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لأي اسباب تدهورت مالية الصناديق الاجتماعية؟
التغطية الإجتماعية في تونس:
نشر في الشعب يوم 02 - 06 - 2007

قدم الأخ رضا بوزريبة الأمين العام المساعد للاتحاد المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية الى الهيئة الادارية في اجتماعها الأخير تقريرا مفصلا حول التغطية الاجتماعية ووضعية الصناديق.
ونظرا لأهمية هذا التقرير راينا من الضروري نشره تعميما للفائدة خاصة وأنه احتوى معلومات هامة نشكر بالمناسبة كل من ساهم في اعدادها.
يمرّ صندوقا الضمان الاجتماعي (الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) بوضعية مالية صعبة قد تتفاقم في المستقبل القريب والبعيد إذا ما استمرت مختلف المؤشرات الإقتصادية والاجتماعية وتلك المتعلقة بهيكلة أنظمة الضمان الاجتماعي على ما هي عليه اليوم. مع العلم و أن تأثير هذه المؤشرات على الحالة المادية للصناديق مزدوج. فهي تساهم في تقليص الموارد و تفاقم العجز من جهة كما أنّ نتائجها السلبية تجعل مختلف الأطراف تطالب الصناديق بمزيد من التدخل لإمتصاص هذه الآثار من جهة ثانية.
إذن هذه هي الإشكالية الكبرى و المعادلة الصعبة التي يواجهها الضمان الإجتماعي في بلادنا والتي تتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والمسؤولية والإرادة السياسية لتشخيص الوضع من ناحية (وهوما قمنا به مع قسم الدراسات والتوثيق من خلال دراسة تحت عنوان: صناديق الضمان الاجتماعي في تونس: الواقع والآفاق والصادرة في ديسمبر 2005) وتحديد الأسباب بكل دقة وموضوعية واقتراح الحلول الآجلة والعاجلة لضمان توازنات أنظمة الأجراء و ديمومتها على الأقّل في أفق سنة 2030 من ناحية ثانية.
ولإستعراض الوضعية المالية الراهنة لصندوقي الضمان الاجتماعي و كذلك الأرقام الخاصة بأنظمة التقاعد سوف نعتمد على آخر الأرقام المدققة والنهائية وهي أرقام سنة 2005
I I الوضعية المالية العامة:
أ- في الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية:
بلغت العائدات الجملية للصندوق سنة 2005 مبلغ 097,1084 مليار في حين بلغت التكاليف الجملية لنفس السنة )2005( 594,1105مليار بحيث أفرزت هذه السنة عجزا ب030,26 مليار بعد أن سجلت سنوات 2002و2003 و2004 فائضا إيجابيا على التوالي ب 310,49 مليار و767,1 مليار و 384,11 مليار ويعزى هذا التحسن النسبي إلى جملة من الإجراءات أبرزها الترفيع التدرجي في إشتراكات القطاع العمومي بعنوان أنظمة التقاعد إبتداء من غرّة جويلية 2002 ب 5,2 % (5,1 على كاهل المؤجر و 1 على كاهل الأجير).
إلاّ أنّ مفعول هذه الزيادة سرعان ما تبخّر ليعود العجز من جديد سنة 2005 كما ذكرنا. هذا مع العلم و أنّ مثل هذه الزيادة في الإشتراكات بعنوان أنظمة التقاعد في القطاع العمومي ليست الأولى من نوعها كما يبدو و أنّها لن تكون الأخيرة كذلك بحيث أنّه تمّ سنة 1994 الترفيع فيها ب 2,2 ( 2,1 على كاهل المؤجر و 1 % على كاهل الأجير) كما أقرت الحكومة زيادة جديدة سوف تطبق في الأيّام القريبة القادمة ب3 % على أقّل تقدير حسب مرحلية ملائمة ووفقا للتقسيم الحالي بين المؤجر والعون
(كما جاء في وثيقة مرسلة للإتحاد من وزارة الشؤون الاجتماعية بتاريخ 25 جانفي .2007)
وهكذا نلاحظ أنّ التوازنات المالية العامة للصندوق تتجه نحو تفاقم العجز و أنّ أنظمة التقاعد تتسبب بدرجة كبيرة في اختلال هذه التوازنات و أنّ أسباب كل ذلك عديدة سوف نستعرض أهمّها فيما بعد.
ب- في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:
بلغت العائدات الجملية للصندوق سنة 2005 مبلغ 444,1483 مليار في حين بلغت التكاليف الجملية لنفس السنة )2005( 458,1492 مليار بحيث أفرزت هذه السنة عجزا عاما ب 014,9 مليار مقابل فائض إيجابي ب736,43 مليار سنة 2004 و ب005,120 مليار سنة 2003 ويعزى هذا التراجع الكبير في النتائج المالية العامة إلى سبب مباشر وعاجل هو العجز المسجل في نظام الجرايات للأجراء غير الفلاحيين ( وهو أكبر نظام يتصرف فيه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قرابة 70 % من منخرطيه) والذّي بلغ سنة 2005 ما بعادل 535,161 مليار مقابل عجز ب 054,104 مليار سنة 2004 وذلك خلافا لتوقعات سنة 2002 التي حصرت هذا العجز في حدود 35 مليار لسنة .2004
و إذا بقينا في إطار الصندوق والعوامل الداخلية والهيكلة المتعلقة بمختلف الأنظمة التي يتصرف فيها فإنّ العجز العام المذكور والنسق الخطير لتفاقم عجز نظام الجرايات للعملة في القطاع غير الفلاحي يصبح مفهوما لكن غير مبرّر ذلك أن بعض الأنظمة مثل نظام الأجراء في القطاع الفلاحي وخاصة نظام المستقلين في القطاع الفلاحي يعيشان عجزا مزمنا منذ إحداثهما أي لمدّة تزيد عن 24 سنة فقد تم تسديد عجز نظام المستقلين الفلاحيين بمعدل 25 مليار سنويا من موارد وفوائض نظام الأجراء غير الفلاحيين دون أن يسعى المسؤولون عن الصندوق وفي الدولة إلى إيجاد الحلول الملائمة لمعالجة هذا الوضع غير الطبيعي وإتخاذ الإجراءات المستوجبة لتحقيق التوازنات المالية لمختلف الأنظمة فالتضامن الذّي يقوم عليه النظام التوزيعي لا يعني أبدا أن تعيش عديد الأنظمة برمتها على كاهل نظام واحد.
II الأسباب العامة المشتركة:

إنّ الوضعية المالية لصندوقي الضمان الاجتماعي تشترك في أسباب عامة إلى جانب خصوصيات كل نظام من الأنظمة التي يتصرف فيها الصندوقان. وتتمثل هذه الأسباب خصوصا في :
- الإنعكاسات السلبية للإختيارات الإقتصادية الليبرالية للدولة وما نتج عنها من تراجع كبير في قدرة الإقتصاد الوطني على إحداث مواطن شغل جديدة.
- تواصل التفويت وخصخصة المؤسسات العمومية وتأثير ذلك خصوصا على الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.
- تسريح أعداد كبيرة من العمال و إحالتهم على التقاعد قبل السن القانونية في القطاعين العمومي والخاص في إطار برنامج إعادة اصلاح وتطهير المنشآت العمومية CAREP ولجنة مراقبة الطرد CCL و يتعلق الأمر بمؤسسات عادة ما لم تعد قادرة على المنافسة ودخول الأسواق فتضطر إمّا إلى التخفيض في عدد عمالها أو الغلق النهائي وعلى سبيل المثال فقد بلغت نسبة المحالين على التقاعد قبل السن القانونية في القطاع العمومي 12,59 % من مجموع المحالين على التقاعد سنة 2005 في حين بلغت نسبة هؤلاء 8,32 % في نظام الأجراء غير الفلاحيين في القطاع الخاص لنفس السنة.
مؤمل الحياة عند الولادة في تونس و الذي يبلغ حاليا 73 سنة مقابل 46 سنة إبّان الإستقلال سنة 1956 وهو العنصر الإيجابي الوحيد لكنّ له كلفة بالنسبة لأنظمة التقاعد.
- ارتفاع نسبة التغطية الاجتماعية في تونس حيث أصبحت تناهز 89 % سنة 2005 مقابل 04,77 % سنة 1996 وهو أمر إيجابي جدّا يضاهي ماهو موجود في أكثر البلدان تقدما. إلاّ أنّ الإشكالية الكبرى والهيكلية التي يطرحها توسيع مظلة الضمان الاجتماعي حاليا هي أن الفئات والشرائح الاجتماعية والمهنية التي شملتها التغطية خلال السنوات الأخيرة ذات قدرة تمويلية ضعيفة وغير قادرة على ماهو أكثر أبدا ( نظام الأجراء محدودي الدخل من عملة منازل وحضائر، نظام المبدعين والمثقفين المستقلين..الخ).
وهو ما يجعل هذه الأنظمة تشكو عجزا هيكليا و مزمنا يزيد في انخرام التوازنات المالية للضمان الاجتماعي.
- النقص في التصريح في أنظمة الأجراء وخاصة في أنظمة المستقلين.
- الديون المتراكمة لفائدة الضمان الاجتماعي والتي أصبح جزء هام منها غير قابل للإستخلاص خاصة في القطاع الخاص بسبب الإفلاس او اندثار المؤسسة نفسها و غيرها من الأسباب.
- تصرف غير رشيد في فوائض الأنظمة والاحتياطات المالية من حيث التوظيفات والإستثمارات وهو ما حرم صناديق الضمان الاجتماعي من عائدات مالية هامة.
- وأخيرا وليس آخرا تحميل الضمان الاجتماعي أعباء ومهام جديدة تخرج عن مهامه الأساسية سواء لفائدة المنخرطين أو أخرى لفائدة غير المنخرطين من الفئات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخصوصية وهي مهام و أعباء تدخل في إطار التضامن الاجتماعي و ليس في إطار الضمان الاجتماعي.
هذه الأسباب التي ذكرناها دفعت بالضمان الإجتماعي في خضم أزمة أصبحت مبعث انشغال و قلق خصوصا في ضوء التوقعات المستقبلية للتوازنات المالية. فقد جاء في الدراسة التي أنجزها الإتحاد سنة 2005 أن التوقعات التي تهم الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية تشير في حالة استمرار الوضع على ماهو عليه الآن إلى أنّ هذا الصندوق سوف يلتهم بالكامل مجمل مدخراته في أفق2015 . وتشير التوقعات المتعقلة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى أنّه في صورة إستمرار الوضع كما هو الآن فإنّ هذا الصندوق سيسقط في عجز مفزع بداية من سنة 2007 وهو ما حدث و أشرنا إليه في البداية كما أنّه سيلتهم بالكامل مجمل مدخراته في أفق سنة 2014 .
وتتجلى خطورة الأزمة و أهميتها وصبغتها الإستعجالية أيضا فيما تعيشه أنظمة التقاعد وخاصة النظام العام في الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية و نظام الأجراء غير الفلاحيين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باعتبار أنّ الجرايات تعدّ أهم و أكبر فرع يتصرف فيه الضمان الاجتماعي و يأخذ أكثر من 70 % من النفقات الجملية للصناديق.

II أنظمة التقاعد:
يقوم نظام الضمان الاجتماعي في بلادنا على الطريقة التوزيعية أي على التضامن بين مختلف أصناف و أجيال الأجراء والمضمونين الاجتماعيين عموما، وعلى هذا الأساس فإن الخدمات التي تسديها الصناديق وتوازناتها المالية و ديمومتها شديدة الحساسية لكل المؤشرات الإقتصادية والاجتماعية الذّي ذكرنا أهمها فيما سبق.

وفي هذا الإطار فإنّ أنظمة التقاعد تتأثر بشدّة بمستوى التشغيل وأنماطه وبالإجراءات المصاحبة في تسريح العمّال وخاصة منها المتعلقة بالتقاعد المبكر أو قبل السنّ القانونية. ومن خلال التحليل التالي لوضعية أنظمة التقاعد في القطاع العمومي والقطاع الخاص تبيّن مدى الخطورة التي أصبحت تعيشها هذه الأنظمة والتوقعات المستقبلية المتعلقة بها.
أ- القطاع العمومي:
أصبح العجز سمة بارزة و مزمنة لأنظمة التقاعد في القطاع العمومي وخاصة منها النظام العام ماعدا بعض السنوات التي أفرزت ناتجا إيجابيا نتيجة الزيادة في نسب الاشتراك بعنوان التقاعد كما ذكرنا سابقا وتبيّن الجدول التالي الحالة بين 2001 و 2005
نستنتجح من هذا الجدول أنّ عجز أنظمة التقاعد هيكلي على الرغم من التوازن النسبي لا تتعدى سنتين إذ سرعان ما عاد العجز ليستقر من جديد.
وعلى هذا الأساس أكدّنا و نؤكد من جديد أنّ الإجراءات الاستعجالية المتمثلة في الترفيع في الإشتراكات بعنوان التقاعد و الحلول الترقيعية لايمكن أن تحل الأزمة أبدا. هذا إضافة إلى أنّ الاحتياطي الفنّي لأنظمة التقاعد( وهو الأموال الاحتياطية الموجودة في السّوق المالية والاقتصاد والمخصّصة لمجابهة الحالات الصعبة والأزمات) لايتعدّى سنة 2005 ما يعادل 5,6 أشهر تغطية لتكاليف الجرايات مع العلم و أنّ الحدّ الأدنى الاحتياطي الفنّي كما تنص عليه معايير منظّمة العمل الدولية هو 36 شهرا. كما أنّ المؤشر الديمغرافي ( عدد المباشرين مقابل منتفع بجراية) ما فتئ يتدهور في القطاع العمومي إذ بلغ 48,3 % سنة 2005 مقابل 35,4 % سنة .1995
ب- في القطاع الخاص:
تعيش أنظمة التقاعد في القطاع الخاص وضعا ماليا مشابها لكنّه يختلف من حيث أبعاده وخطورته على منظومة الضمان الاجتماعي ككل ذلك أنّ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يتصرف في عشرة أنظمة اجتماعية وتضم غالبية من المضمونين الاجتماعيين في تونس. لكن يمثل نظام الأجراء في القطاع غير الفلاحي أكبر نظام( أكثر من 70 % من المنخرطين بالصندوق)حالته الصحية تؤثر بشكل واضح على الحالة العامة للتوازنات المالية للصندوق.
فمنذ سنة 2002 بدأت التوزانات المالية لنظام التقاعد للأجراء غير الفلاحيين تشكو من العجز الذّي تفاقم منذ ذلك الحين ليصل إلى 535,161 مليار سنة 2005 مقابل 054,104 مليار سنة 2004 في حين كانت التوقعات سنة 2002 تحصر هذا العجز في حدود 35 مليارا. إذن نسق تطور العجز خطير وخطير جدّا وقد يؤدي بنا إلى وضعية كارثية قبل سنة 2014 ذلك أنّ بقية الأنظمة تقريبا تشكو عجزا مزمنا وليس باستطاعتها تحقيق توازناتها المالي بصفة ذاتيّة. إذن أنّ النتيجة هي أنّه إذا غرق النظام الذّي يحمل على كاهله بقيّة الأنظمة فسوف تغرق السفينة برمتّها. وقد أدت هذه الوضعية إلى تدهور المؤشر الديمغرافي في نظام الأجراء غير الفلاحيين الذّي انخفض إلى 77,4 % سنة 2005 مقابل 65,5 % سنة .1995 أمّا الاحتياطي الفنّي بالنسبة لهذا النظام فهو يمثل 32 شهرا من تغطية تكاليف التقاعد إلاّ أنّه من المتوقع أن يتدهور بسرعة كبيرة إذا استمر نسق العجز كما هو عليه الآن.

IV آفاق أنظمة التقاعد:
بعد استعراض الوضعية في القطاعين العمومي والخاص يمكن القول أنّ آفاق أنظمة التقاعد مفزعة إلى حدّ كبير وقد دعا الإتحاد منذ سنوات عديدة إلى الإهتمام بهذا الموضوع و دراسة الحالة الراهنة والمستقبلية بصفة علمية مدققة ( وقد أنجزنا الدراسة التشخيصية والإستشرافية سنة 2005 كما ذكرت سابقا) إلاّ أنّ الحكومة دقّت ناقوس الخطر بصفة متأخرة عندما أصبحت الأزمة تزن بثقلها خاصة في القطاع العمومية حيث أصبحت أنظمة التقاعد فيه وخاصة النظام العام فغير قادرة تقريبا على دفع الجرايات.
ونؤكد في هذا الإطار أنّ الحلول الاستعجالية والترقيعية كما رأينا لا تحل المشكلة كما أنّ المقترحات الرسمية فيما يتعلق بالدراسة الاستشرافية الاستراتيجية والتي تركز بالأساس على مراجعة العناصر الهيكلية الخاصة بأنظمة التقاعد ( سن التقاعد، مردود الاشتراكات، نسبة التقاعد ..الخ) لا تحل المشكلة أيضا بل سوف تزيد المنتفعين بجرايات فقرا واحتياجا وقد تنعكس بصفة سلبية أكثر على التشغيل.
إنّ المسألة أكثر تعقيدا وتشعبا و تقتضي النظر في كل المؤشرات العامة والإقتصادية (التشغيل و أنماطه، البطالة، تسريح العمال والتقاعد قبل السن القانونية، ديون الضمان الاجتماعي، توازنات الأنظمة القديمة والمحدثة أخيرا...الخ). كما يتعيّن النظر في موضوع على غاية من الأهميّة بصفة متريّثة وعميقة هو تمويل الضمان الاجتماعي و قد أكدّنا على أنّ الطريقة التقليدية ( مساهمة المؤجرين والأجراء) قد بلغت حدودها القصوى تقريبا و أصبحت تضرّ بالمقدرة الشرائية للأجراء و التوازنات المالية للمؤسسات ودعونا إلى تنويع مصادر تمويل الضمان الاجتماعي في تونس حفاظا على التوازن والإستقرار الاجتماعي وتحقيقا للعدالة الاجتماعية.

وفي هذا الإطار يتعيّن علينا إلى جانب التفاوض الجاري ضمن اللجنة المحدثة بوزارة الشؤون الاجتماعية تكوين لجنة نقابية تضم خبراء ونقابيين لإعداد برنامج عمل بهدف إنجاز مشروع اصلاح لأنظمة التقاعد من شأنه تحقيق التوازن المالي لهذه الأنظمة إلى أفق سنة 2030 على الأقّل كل ذلك في إطار النظام التوزيعي التضامني الذّي لا بديل عنه لبلادنا وشعبنا كما أكدّنا ذلك في لوائحنا و أدبياتنا عموما.
لأجل ذلك ندعو كافة الاخوة إلى إيلاء هذا الموضوع أهمية كبرى ومدّنا بملاحظاتهم واقتراحاتهم لتكون لنا مادّة نستفيد منها في مهمتّنا هذه .
التأمين على المرض:
كما تعلمون سوف ينطلق العمل بالنظام الجديد للتأمين على المرض في غرّة جويلية 2007 وقد أمضى الصندوق الوطني للتأمين على المرض في كل الإتفاقيات القطاعية مع مقدمي الخدمات الصحيّة في القطاع الخاص وعددها خمسة: الإتفاقيات القطاعيّة لأطباء الممارسة الحرّة، الإتفاقية القطاعية لأطباء الأسنان، الاتفاقية القطاعية للبيولوجيين، الاتفاقية القطاعية للمصحات الخاصة، الإتفاقية القطاعية للصيادلة ويبقى المشكل قائما مع أطباء الاختصاص الذّين انشقوا عن نقابة أطباء الممارسة الحرّة وكوّنوا نقابة خاصة بهم مطالبين الصندوق بالتفاوض معهم مباشرة حول تصورهم و مطالبهم الخاصة في نطاق نظام التأمين على المرض.
أمّا فيما يهمّنا مباشرة وبعد أن رفضنا التمشّي الذّي أقترحه علينا الصندوق فيما يتعلّق بكيفية تطبيق النظام الجديد للتأمين على المرض وحرصا من المكتب التنفيذي للإتحاد على كسر الجمود في العلاقات مع الوزارة والصندوق والحفاظ على مصداقية إتفاق ماي ,2004 استأنفت المفاوضات بنقاش حول مشروع أمر يتعلق بضبط صيغ واجراءات ونسب التكفل بمصاريف الخدمات الصحيّة في إطار نظام التأمين على المرض. وقد توصلنا من خلال حوار صريح ومسؤول إلى الإتفاق حول صيغة لتطبيق النظام الجديد تتمثل في:
في بداية العمل بالنظام الجديد (أي غرة جويلية 2007 يتم التكفل المباشر وبعد الموافقة المسبّقة بمصاريف العيادات الخارجية المتعلقة بالفحوصات والكشوفات والتحاليل المخبرية والأدوية المتعلقة بعلاج الأمراض الثقيلة أو المزمنة وخدمات متابعة الحمل والولادة لدى مقدمي الخدمات الصحية في القطاع الخاص شرط التسجيل لدى طبيب مباشر متعاقد وإعلام الصندوق به. وكذلك بمصاريف الإيواء الإستشفائي المتعلقة بأعمال التوليد والعمليات الجراحية المرتبطة بالأمراض الثقيلة أو المزمنة المسداة بالمؤسسات الصحيّة الخاصّة المتعاقدة مع الصندوق دون أن يقع الخصم للأجير .
- في جويلية 2007 يدخل النظام بمنظوماته الثلاث كما ورد في نص الإتفاق الممضى في ماي 2004 وهي:
o المنظومة العلاجية العمومية.
o المنظومة العلاجية الخاصة.
o نظام استرجاع المصاريف.
يخصم خلال السنة الأولى وبدخول النظام كاملا نصف مبلغ الزيادة المنصوص عليها بعنوان نظام التأمين على المرض على أن يخصم النصف الثاني خلال السنة الموالية.
ويمكن القول أنّنا تمكنّا من التوصل إلى حلّ يحافظ على نص وروح الإتفاق ويمكن المضمونين الاجتماعيين من الإنتفاع بالخدمات الصحيّة بطريقة الطرف الدافع Tiers payant في القطاعين العمومي والخاص للصحة فيما يتعلق بالأمراض العادية وبعض الامراض الثقيلة أو المزمنة و متابعة الحمل والولادة بعد الموافقة من الصندوق. ونحن في انتظار القيام بقراءة نهائية في مشروع الأمر ونؤكد لكم و أن المتابعة لهذا الملف لم تنتهي ولن تنتهي مع بداية التطبيق وبعده ويتعيّن علينا ممارسة صلوحياتنا سواء في مجلس إدارة الصندوق أو في إطار المجلس الوطني للتأمين على المرض أو في إطار المفاوضات حول مختلف النصوص الترتيبية المتبقيّة.
VII - تأهيل القطاع الصحي العمومية:
لنقل بكل وضوح أنّنا أكدّنا من أول وهلة أي منذ سنة 1997 على وجوب تأهيل القطاع الصحي العمومي ومراجعة الخارطة الصحيّة في وقت لم يكن الموضوع مطروحا بتاتا في وثائق الحكومة المتعلقة بإصلاح نظام التأمين على المرض.
وقد توصلنا من خلال مفاوضات شاقة وطويلة كما تعلمون إلى إمضاء إتفاق كإتحاد عام مع الحكومة أوّل نقطة فيه تتعلق بتأهيل القطاع الصحي العمومي و إنشاء لجنة للغرض بمقتضى نص ترتيبي.
وعندما دعتنا وزارة الصحة إلى الإنضمام إلى اللجنة المذكورة التي بعثت بمقرر وزاري استجبنا واعتبرنا البادرة ايجابية و تستجيب لمطلبنا الرئيسي وقد اجتمعنا مرّات عديدة بالإخوة في قطاع الصحة بكافة هياكله النقابية وطلبنا منهم المشاركة في اجتماعات اللجان المخصصة للغرض ( فأهل مكة أدرى بشعابها) مسلحين بموقف الاتحاد وتصوره للتمشي العقلاني لهذا التأهيل وهو:
1 تحديد مقاييس التأهيل.
2 تحديد أولويات التأهيل.
3 تمويل التأهيل.
وقد أرسل الأخ الأمين العام بهذا الموقف إلى الحكومة وانطلقت الاجتماعات منذ شهر جوان 2006 لتنقطع في بعض الأحيان مما جعلنا نشك قليلا في جدية الحكومة في هذا الموضوع. إلاّ أنّنا يجب أن نكون حريصين على مسالة الوزارة دائما و أبدا ودعوتها إلى المضي في الحوار من أجل وضع برنامج دقيق وفق التصور الذّي اقترحه الإتحاد العام التونسي للشغل والمرور في ظرف زمني قريب إلى مرحلة بداية تطبيق التأهيل بتوفير الاعتمادات المالية الضرورية لذلك.
إذن أؤكد مرّة أخرى على أنّ التأهيل شرط أساسي لنجاح النظام الجديد للتأمين على المرض وسوف يكون بالنسبة إلينا العنصر الأوّل في عملية التقييم التي سوف نقوم بها بعد سنوات من بداية تطبيق نظام التأمين على المرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.