انطلقت منذ أيام الدورة السادسة والتسعون لمنظمة العمل الدولية بجنيف بمشاركة نواب عن الحكومات ومنظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال بجميع بلدان العالم. في شهر جوان من كل سنة ينعقد المؤتمر الدولي للعمل لمناقشة قضايا الشغل والتنمية في العالم من خلال جدول أعمال يحدد الأولويات والمستجدات التي تشهدها الساحة الاجتماعية في العالم. ولعلّ الملف للانتباه هو الاستمرارية التي تتصف بها هذه المؤتمرات التي تتواصل بإنتظام لا سيما منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ظلت المجموعة الدولية حريصة على إبعاد منظمة العمل الدولية عن كل الصراعات الايديولوجية وخلافات الحرب الباردة وغيرها من التوترات التي عصفت بالعالم في العقود الماضية. وبفضل هذا «الحياد السياسي» استطاعت منظمة العمل الدولية أن تتجاوز كل التناقضات الدولية وأن تحافظ على وحدتها وبخاصة على خصوصية هويتها باعتبارها المنظمة الدولية الوحيدة في العالم ذات التركيبة الثلاثية. فهي بحكم هذه البنية الثلاثية بمثابة المنبر الاجتماعي الدولي الذي يتيح لأهم الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين ونعني بهم الحكومات والأعراف والعمال التحاور بشأن قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبخاصة المسائل ذات العلاقة بتنظيم العلاقات المهنيةوعالم الشغل بوجه عام. وتضطلع منظمة العمل الدولية بدور تشريعي حيوي في هذا المجال من خلال إصدار الاتفاقيات والتوصيات وضبط ما يعرف بمعايير العمل الدولية، وهي نصوص وتشريعات ملزمة للدول التي تصادق عليها وتحملها مسؤوليات في تطبيق القانون الدولي الاجتماعي. هذه السنة تتناول الدورة كعادتها أحد المواضيع الهامة في حياة العمال والمجتمعات وتتعلق بالمساواة في العمل وبخاصة الأشكال الجديدة للتنمية والفوارق في التشغيل والأجور وكذلك العنصرية التي يتعرض لها العمال المهاجرون ي العديد من مناطق العالم. الاتحاد العام التونسي للشغل الذي له تقاليد عريقة في أعمال ومداولات ولجان هذه المنظمة يشارك بوفد هام في الدورة الحالية وينتظر ن يؤكد وفد الاتحاد على ضرورة البحث عن الاسباب العميقة لضعف المساواة في عالم الشغل، وبخاصة التوجهات الليبرالية المجحفة وبروز علاقات شغلية هشة وانتشار القطاع غير النظامي دون نسيان الفارق الشاسع بين الشمال والجنوب وعبء المديونية وإهمال اتفاقيات الشراكة للبعد الاجتماعي وهي كلها عوامل من شأنها أن تضعف قدرة البلدان النامية على مجابهة تحديات التشغيل والبطالة وتدني مستويات الحماية الاجتماعية وتردي التعليم والتكوين وغيرها من الإشكاليات التي تنمي الفوارق والتمييز في العمل وتهمش العديد من الفئات وفي مقدمتها النساء والشباب.