إن قراءة الواقع الإجتماعي والاقتصادي في زمن سريع التحوّل جرّاء تأثيرات ما يُسمّى بالعولمة التي مسّت جلّ مجالات الحياة يستدعي من الهياكل النقابية وخاصة القيادية منها التأمّل العميق والتخطيط المحكم لكل المتغيرات المستحدثة في المستقبل المنظور وخاصة المتعلقة بمصالح ومكاسب العمّال بالفكر والساعد وهذا ما تميّز به الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة على امتداد السنوات الأخيرة، بل منذ مؤتمر التصحيح الذي أفرز نخبة من المناضلين النقابيين الفاعلين المؤمنين بهموم النقابيين والشغالين بالجهة. فعلى الرغم من المصاعب والمتاعب لتغيير عديد العقليات الانتهازية البالية السائدة في المشهد النقابي الجهوي السابق وما يتطلب ذلك من جهد يومي لرفع التحدي الا انّ المكتب التنفيذي الجديد بقيادته المتبصّرة عرف كيف يصمد امام تيارات الردّة ويؤسس لديناميكية جديدة للفعل النقابي مسلحين في ذلك بقيم ومبادئ منظمتهم العتيدة فكانت المبادرة تلو الأخرى. ولبناء هذه الارضية الجديدة، كانت مبادرتهم الاولى متمثلة في الحدّ من نزيف التمثيل النقابي في عديد القطاعات، فاهتموا بنواة العمل النقابي القاعدي وأسسوا عديد النقابات الأساسية والنيابات خاصة في القطاع الخاص لإيمانهم العميق بتكثيف الانتساب لهذه المنظمة المؤتمنة على مصالح العمال ولتطوير هذه الارضية والارتقاء بها الى مستوى الحداثة والاستحقاقات المستقبلية في العلاقات المهنية وأنماطها الجديدة، بادروا ببعث «مدرسة حشاد للتكوين والتثقيف العمّالي» في مستوى الجهة حتى يواكب النقابيون كلّ المتغيرات في العلاقات المهنية وأنماطها الجديدة وتتكوّن لديهم الخبرة والزاد المعرفي لدعم مكتسباتهم الحقوقية المعنية وتنمية ثقافتهم النقابية وتفتّحها على العالم، وثمرة هذا العمل المضني والمحمود تمثل في تكوين حزام نقابي من الشباب المثقف المتشبّع بالمبادئ والتكوين النقابيّين ونحن نراهم اليوم يساهمون الى جانب رفاقهم ذوي الخبرة في ماراطون وفعاليات المفاوضات الاجتماعية الجديدة وهو لعمري عمل رائد لتكوين جيل جيّد وجديد من النقابيين في عديد القطاعات متمرسين في فنّ التفاوض فاصبحوا خير خلف لخير سلف. ومن شروط تحديث العمل النقابي تفطنهم الى ضرورة تعصير اداء الاقسام النقابية بالاتحاد الجهوي فبادروا بعصرنة عمل الادارة وجهزوها بأحسن الأدوات والوسائل حتّى أصبحت المعلومة في متناول النقابيين في الابّان. ولتسهيل عملية الإتصال والربط بالمركزية النقابية وكذلك التواصل مع الاتحادات العمّالية الشقيقة والصديقة وكثمرة لهذه العلاقات وقع تركيز «مركز احمد التليلي للمعلوماتية» مجهزا بأحدث ما توصلت اليه تكنولوجيا الاتصال فهو مكسب ثمين لكل نقابيي الجهة. والاهم من كل ذلك، توصلهم في زمن قياسي الى بناء الثقة بين النقابيين للالتفاف حول اتحادهم الجهوي لدعم فلسفته التحديثية والنضالية فكانت متوجة بعديد النضالات العمالية الناجحة في القطاع العام والخاص واثمرت عديد الاتفاقيات والحلول رغم الظروف القاهرة... هذا الحراك النقابي النضالي أعاد الاعتبار لكل نقابيي الجهة ولتاريخهم ومستقبل منظمتهم العتيدة ذات المبادئ النبيلة فكانت التجمعات النقابية والعمالية الحاشدة والكثيفة في عديد المناسبات لدعم النضال الاجتماعي وكذلك لدعم المقاومة في كل من فلسطين «الجرح الدائم» أو العراق «المغتصَب الصامد». وبما ان هذا الفريق النقابي المناضل ولد من رحم العمال الكادحين ويحتضن همومهم، فقد بادر بالدعوة إلى احداث «صندوق للتأمين على فاقدي مواطن الشغل والنقابيين المسرحين» وهذا يمثل أروع مثال على التضامن النقابي العمالي في زمن ازدادت فيه ظاهرة تسريح النقابيين والعمال قهرا وقسرا دون عنوان وهذه المبادرة وقع تبنيها من طرف المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل. وإلى جانب هذه المبادرات والمكاسب وهذا التمشي الناجح للعمل النقابي في مستوى جهة عريقة ومناضلة احتضنت الرواد المؤسسين «جوهرة الساحل»، لابدّ من اعلام حديث ونزيه وحرّ يتماشى مع كل هذه المتغيرات السريعة والحراك الاجتماعي والاقتصادي والنقابي حتى تمسّ المعلومة أكبر شريحة من النقابيين والعمّال وكذلك لأهمية الاعلام في عالمنا اليوم، فقد وقع تحديث النشرية النقابية الخاصة بالاتحاد الجهوي للشغل «الوفاء» التي اصبحت تصدر تباعا بحلة جديدة وأنيقة حبلى بمواضيع تلامس هموم ومشاغل النقابيين والعمال الكادحين. وإنّي على يقين بأنّ هذا الفريق النقابي المتكامل الاداء والمتضامن والملتحم بالعمال سيسعى بكل تأكيد وبدعم من المركزية النقابية الى مزيد الاهتمام بالاتحادات المحلية من ناحية التجهيزات العصرية والكفاءات النقابية حتى تُفعّل لفائدة العمال على مدى سائر الايام وليس في المناسبات فقط وآخر الكلام فان مغزى كلماتي ومقالي عن المبادرات والمكاسب المتتالية في مستوى الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة والناجحة بكل ابعادها ليس للدعاية والاعلام وليس لحجب النواقص بل من الضروري ان تكون هناك نواقص وسلبيات في كل عمل إنساني ولكن الحكمة تستدعي أن تكون أقل بكثير من الايجابيات، بل اردت ابراز هذا النجاح كرؤية تحديثية للعمل النقابي المتكامل والناجح حتى يحذو حذوه كلّ من يصبو إلى النجاح والاقلاع والفلاح.