من أعلام تونس .. الشيخ إبراهيم بن الحاج معمر السلطاني ..أوّل إمام لأوّل جامع في غار الدماء سنة 1931    بداية من الإثنين.. المبلغون عن الفساد في اعتصام مفتوح    مدرب البرتغال يكشف للملأ انطباعه عن رونالدو    محمد كوكة أفضل ممثل في مسرحية كاليغولا بالمسرح البلدي بالعاصمة    الفنان والحرفي الطيب زيود ل«الشروق» منجزاتي الفنية... إحياء للهوية بروح التجديد    في صالون الرواق جوهرة سوسة .. معرض «مشاعر بالألوان» للفنان التشكيلي محمود عمامو    المروج.. حجز كمية كبيرة من الشماريخ والألعاب النارية    بعد 17 عاما في السجن.. رجل متهم بالاغتصاب يحصل على البراءة    أسرار مقتل شاب على يد إرهابي في جبل الأحمر.. خطّط للجريمة قبل شهر... استدرجه ثم ذبحه    الباكالوريا في يومها الثالث...الفرنسية والرياضيات في المتناول    في قضية فساد ... عامان سجنالنذير حمادة    تحكيم موريتاني لمباراة تونس و ناميبيا    تصفيات افريقيا المؤهلة للمونديال.. النتائج الكاملة لمواجهات اليوم    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    أول تعليق للرئاسة الفلسطينية على ادراج الكيان الصهيوني ضمن قائمة الدول التي تنتهك حقوق الطفل..#خبر_عاجل    عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    خطير/ حجز كمية من التبغ غير صالح للإستهلاك    بمواصفات عالية الجودة: افتتاح مؤسسة ''أم الخير'' لرعاية كبار السنّ    بسبب اشتداد الحرارة...توجيه بإختصار خطبة وصلاة الجمعة في موسم الحج    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    بقيادة مدرّب تونسي: منتخب فلسطين يتأهل الى مونديال 2026    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    ل20 عاما: الترخيص لشركة باستغلال وحدة انتاج كهرباء من الطاقة الشمسية بهذه الجهة    الحرارة تكون عند مستوى 31 درجة هذه الليلة بالجنوب    عاجل/ اصطدام سفينة أجنبية بمركب صيد تونسي.. وجيش البحر يتدخّل    البكالوريا: 22 حالة غش في هذه الولاية    هيئة الانتخابات تعقد جلسة عمل مع وفد من محكمة المحاسبات    بنزرت: الاحتفاظ بإمرأة محكومة ب 48 سنة سجنا    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    مفتي السعودية: "هؤلاء الحجّاج آثمون"..    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    مناخ: 2023 في المرتبة الثالثىة للسنوات الأشد حرارة    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    نابل: اقتراح غلق 3 محلات بيع لحوم حمراء لهذا السبب    دعوة من الصين للرئيس التونسي لحضور القمة الافريقية الصينية    لرفع معدل الولادات في اليابان...طوكيو تطبق فكرة ''غريبة''    الرابحي: قانون 2019 للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية فرض عدة إجراءات والتزامات على مُسدي الخدمات    الحماية المدنية 12حالة وفاة و355 مصابا في يوم واحد.    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    مديرة الخزينة بالبريد التونسي: عدم توفير خدمة القرض البريدي سيدفع حرفائنا بالتوجّه إلى مؤسسات مالية أخرى    اليوم: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة لمترشحي البكالوريا    نظّمه المستشفى المحلي بالكريب: يوم تكويني لفائدة أعوان وإطارات الدائرة الصحية بالمكان    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    وزارة التربية تعلن موعد صرف أجور المتعاقدين    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    مدنين: رصد حالة غش في اليوم الثاني من اختبارات البكالوريا    عاجل/ قتلى ومفقودين في حادث سقوط حافلة تقل أطفالا في سوريا..    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    غزة.. إصابة 24 جنديا صهيونيا خلال 24 ساعة    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    عاجل : النادي الإفريقي يؤجل الجلسة العامة الإنتخابية    تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة: وزارة الصحة تصدر بلاغ هام وتحذر..#خبر_عاجل    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الخامسة والعشرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبع سنوات من التقهقر بول أوستير
الولايات المتحدة: تعريب: عبد الكريم قابوس
نشر في الشعب يوم 08 - 12 - 2007


تنويه: هذا نص جميل وخطير. ولا يتحمل المقدمات
بمناسبة عرض فيلمه الجديد «حياة مارتين فوست الداخلية» في باريس يتحدث الكاتب الا مريكي الكبير حول نظرته الى الولايات المتحدة في نص صدر بمجلة «نوفيل ابسورفتور» الفرنسية (عدد 45 22 15 / 21 / نوفمبر 2007) كلام واضح وخطير يأتي بين الفكر والفنّ والسياسة.
وهذا الحديث المرجع يأتي في شكل كلمات مفاتيح وقد ادلى بحديثه الى الصحفيين فرانسو ارماني، وجيل انكتيل.
الكلمات هي: نيويورك، بوش، السينما الشخصيات، المعلّمون، الشعر.
مقدمة
كان ذلك في ربيع من سنوات أواخر الثلاثينات في آخر بهو معرض الكتاب بباريس لما تفتقت جمالية جناح دار النشر المعروفة Act sud وهي الدار التي تؤوي العرب بجميع اصنافهم (اليوم اقتنتها دار سندباد وانقذتها) كان الجناح يفوح بعبق الشجر اذ ان الادراج قدّت من خشب فواح كان مازال اخضر وكأنه اوتي به توّا من الغابة وعلى الادراج كانت اكداس من كتب الكاتب الامريكي بول أوستار كان معي كاتب عربي لا فائدة في ذكر إسمه ويقرأ الانكليزية وقرأ «أوستار» في الاصل علق انه امريكي وشاذ جنسيا ادرت ظهري للجناح وحملت عروبتي الشرقية البدائية على كتفي وذهبت ابحث عن كتب اخرى.
خمس عشرة سنة بعدما وقعت يدي على رواية صغيرة لبول أوستار وهي طريقة افضلها في اكتشاف الاعمال الروائية اذ ادخل المكتبات العمومية وما اكثرها في باريس واسحب اقل الروايات حجما لكاتب واقرأها في مقهى او على ضفاف قناة من قنوات نهر السين واتمتع واختار موقفا من بين اثنين اما ارمي الكتاب امام مكتب محافظة المكتبة واما اعيد قراءته واركض اشتريه ثم اني في الحالة الثانية اصاب بمرض اتمام كل اعمال ذلك الكاتب حصل ذلك عند اكتشاف «يشار كمال» لكن لم استطع اتمام 15 رواية ترجمت لحد الان و»ميشال ايو» و»ارهان باموك» وغيرها.
لما قرأت اول مرّة بول اوستار ذهلت واكتشفت كم ان هذا الامريكي الذي لا يخرج من نيويورك ولا يخرج باي شخصية من شخصياته من تلك المدينة، هو شعلة من الرقة، والدقه، والاناقة، وطرز الجمل، وفتح افاق الخيال والمخيال وكم هو قريب منّي ومن عروبتي ومن حسي وحس جيلي.
نيويورك أكثر المدن الامريكية ديمقراطية
أعيش منذ عشرين سنة في حي بروكلين انه حيّ تشتهى فيه الكتابة اكثر من الكتابة في مانهاتن، لا اعمل في بيتي، لكن في غرفة صغيرة اجرتها جانب البيت اين ألصقت على جدار المرحاض غلاف مجلة شعرية صدرت عام 2002، ويقرأ على الغلاف «اخرجي يا الولايات المتحدة من نيويورك!» او ما يمكن ترجمته «يجب على الولايات المتحدة ان تخرج من نيويورك»
نعم، أحلم في الكثير من الاحيان ان تنفصل مدينة نيويورك وتصبح مدينة مستقلة. «مدينة علم» طبعا مدينة نيويورك هي جزء من الولايات المتحدة لكن سكانها يشعرون انهم يختلفون عن سكان الولايات المتحدة.
بالنسبة لي «منهاتن» هي امريكا والبعيد البعيد في آن ولا يعرف الاجانب وخاصة الأروبيين كم انّ مدينة نيويورك هي مدينة قروية وتنقسم الى عدّة قرى.
وهذا ينسحب على أحيائها / قراها مثل «بروكلين» «البرونكس» و»الكوينس»، التي هي ليست احياء بل قرى لكل منها عاداتها وتقاليدها وطريقة تفكيرها الخاصة لكن ان يكون 40 من سكان نيويورك ولدوا خارج امريكا يكفي وحده لان تكون المدينة مكانا مختلفا وعلى حدة ليست له اي علاقة مع الوسط الغربي الامريكي. نيويورك هي اكثر المدن الامريكية ديمقراطية، وذلك انطلاقا من تعدديتها الاثنتية والدينية.. فقد جبرنا على ان نعيش معا، حتى لا نتفرقع، اتساءل يوميا كيف ان نيويورك لم تتحوّل الى «سراييفو» «بلفاست» أو «القدس» بيد ان وجود عدد هائل من الاقليات المختلفة يحول دون اي فكرة صراع ولايطاق فيها اي صراع، طبعا، هناك، العنصرية، واللاتسامح والعنف لكن جلّ الناس يجتهدون حتى يعيشوا معا. هذا ما احبه كثيرا في نيويورك.
بوش: أعادنا الى عصر الظلمات
اجتث جورج بوش اسس الديمقراطية الامريكية ذاتها وعاد بنا الى عصر من الظلمات لا مثيل لها في تاريخ الولايات المتحدة قاطبة والاذى الذي سببه بوش خطير وعميق الى حدّ انه يتطلب زمنا طويلا لازاحته واصلاحه والكل يعلم ان المحكمة العليا هي التي الان تعج باليمينيين المندسين. لم يتخذ بوش الا القرارات السيئة. ان وجود «غوانتنامو»، وجعل التعذيب شرعيا وممارسة علمية هو من قبيل ما لا يمكن تصوره.
كلنا يعلم ان الولايات المتحدة، جنحت على مرّ الزمن الى ممارسات غامضة على مستوى الساحة الدولية، خاصة اثناء الحرب الباردة، ان مفهوم الحرب الوقائية هو من قبيل العقاب تشطب الحقوق المدنية، تتجسس على المواطن، يوجد أشخاص في السجن منذ ثلاث او اربع سنوات دون ان يقع اتهامهم على ادنى جريمة انه أكبر تعد سافر على كل المبادئ التأسيسية للديمقراطية الامريكية امّا عن سياسة بوش الاقتصادية فحدّث ولا حرج انه مرة اخرى زاد في ثروة الاغنياء وأفقر باقي الشعب.
ان كتاب NaomiKlein ، الجديد.
«The shoch Dochine: The Ruise Of Disaster Capitaleson»
الصدمة: «اصول كارثة الرأسمالية» ينيرنا في هذا المضمار: فالكاتبة تحلل الاثار الكارثية، اثار 35 من الرأسمالية الليبرالية على طريقة «ميلتن فريدمان» وهي أثار كل «علاجات الصدمة»..
وقبل أن أقرأ الفصل الخاص بالعراق لم اكن اعلم الى اي مدى ادت حرب العراق الى اثراء مؤسسات لم تقم بأي عمل آخر سوى امتصاص اموال المواطنين الذين يدفعون ضرائبهم.
يقوم بوش اليوم وعن طريق خضوعه اللامتناهي للمؤسسات بتحريف دور الحكومة نفسه.
ان النبأ السار الوحيد، هو انه لم يبق لبوش الا سنة واحدة في البيت الابيض، وآمل ان لا يقوم من هنا الى خروجه من ذلك البيت بجنون جديد لانني ارى وبشيء من اليقين ان الديقراطيين سيفوزون بالانتخابات الرئاسية القادمة اذا لم تقع محاولة اغتيال او حرب جديد.
سبع سنوات من الكذب الرسمي اللامتناهي
فمنذ نهاية صيف 2002 ، أي اثناء الاحتفال السنوي الأول لأحداث 11 سبتمبر وعندما بدأ الحديث عن إمكانية غزو العراق كنت نشرت مقال رأي في جريدة «نيويورك تايمز» لأحذّر مما بدأ في نظري، وما شاهدته من «الطابق الصفر» انه يهدد بكارثة على المستوى العالمي. كيف فهمت أنا الفرد ما لم يخطر على بال الحكومة؟
وكان الأمر جليا أننا نتوجه رأسا نحو الكارثة.
إن حرب العراق أشنع غلطة، وأكثرها حماقة لم تقم بها اية إدارة أمريكية، ولا يبدو أي مخرج يلوح في الأفق.
إن آثار حرب العراق الآن كارثة كبرى.
وآمل أن ينجح الديمقراطيون في الانتخابات وأن يقوموا بشيء ما حتى ينهوا هذه الكارثة لأنه يحتمل أن يكونوا بعد الفوز جبناء، ويخافون من هجوم اليمين الذي مازال يمثل قوة لا يستهان بها في البلاد .. وأنا أسأل الحظ ... ولي ميل صغير الى «أوباما» لأن هيلاري كلينتن تتمتع بتجربة أوسع، لكنها تنتمي الى الوسط، محنكة ومستهلكة أما «أوباما» فيتمتع بشجاعة سياسية أكبر، وجرأة أفكار أكثر، لأننا في حاجة الى صدمة كهربائية جذرية، لكن لن أكون صعبا، إن اتحقق الاحتمال فسأكتفي بهيلاري ...
السينما تشير أكثر مما توحي.
لم أشعر بلذة إخراج شريط سينمائي إلا مرتين ( لا أستثني مشاركتي في أعمال المخرج واين وانغ في فلمه «دخّن» و»بروكلين شمعة» وهي تجارب تختلف عن الاخراج وكل الحكايات التي تحولت الى أفلام كتب كتبتها وهي تبدولي مشاريع افلام.
ولم أكن اتصور يوما ا نها حكايات سأحوّلها الى روايات. «حكايات كانت تبدو لي وكأنها جعلت لتشاهد ولا لتقرأ ولا أعرف كيف اعبر عن ذلك ربّما لان في التجربتين الاوليين للفلمين المذكورين كانت التركيبة بسيطة.
اعتبر، وهذا رأيي، بان الرواية هي كاللوحة الفنية، غنية مكثفة اما الشريط السينمائي فيشبه رسما او تخطيطا سريعا بسيطا غاية البساطة في تكوينه.
لا يتمتع الشريط السينمائي بسعة الرواية، لكنه يحاكي القصة القصيرة او في اقصى الحالات يشابه ما يسمى بالقصة القصيرة المطوّلة. لا يقدر شريط ان يحتوي على مدى ساعتين هذا الزخم من الحكي وحتى شريط في ثماني ساعات غير قادر على انتاج احساس وشعور مثل الرواية لان الشريط السينمائي يشير اكثر مما يوحي وهكذا حاولت ان اقترح افلاما ملتبسة حتى يتساءل المشاهد عما هو بصدد مشاهدته.
قد تكون طريقة لايجاد معادلة لغياب الصور المفروضة التي تميز الادب اعتقد ان لا شيء اكثر لا واقعية من السينما.
انه عالم مصطنع بالكامل، السينما مزدوج الابعاد: انه مجرّد مستطيل، هو اطار جعل ليملأ، اما الرواية فهي متفردة الابعاد: عندما اكتب رواية أحس برائحة وطعم الاشياء انا اشعر انني منغمس في عالم خاص، في حكاية تنشر اطرافها.
ان رواياتي لا تملك اي بعد سينمائي. قليل من الحوار، وقليل من الوصف والحكاية غير مجزأة وهذا هو السبب الاساسي في انني اشتغل من وقت الى آخر على افلام سينمائية، فالمقاربة مختلفة تماما.
في السينما لا يتم التفكير بالاطار الكادر وانما حسب المشاهد فالحكاية كالفضاء كلاهما مفتّت ثم يجب اخذ الحوار بعين الاعتبار وابراز المكان كمطية للوصف.
الشخصيات: وحدها تملك زمام امرها
كل كتاباتي نابعة من لا وعيّ.
لم اقرر يوما كتابة رواية عن شيء ما. انها امور تغلي في اعماقي ولا اعرف اين ولماذا بالتحديد حيث ينتهي ذلك الى ملامسة ماهو في مستوى الوعي وهكذا ابدأ في تحديد رؤية شخصية او وضعية وأشرع في ملاحقتهما انها مسألة شبيهة بحلم اليقظة تأتي الاشياء كما هي فقط ولما نحاول مراقبتها يبدو ان الامر مصطنع. يجب ان نترك الشخصيات تملك زمام امرها ولا املك اي رقابة عليها انا لست محرك عرائس. اسمع صوتا مجهولا فأسعى لملاحقته.
لست انا الذي يقود اللعبة، ولا افهم معنى ما اكتب وفهمه الا بعد لأي وبعدها يتراءى لي ذلك بسيطا وبديهيا فاندهش لسذاجتي.
أعيش منذ مدة طويلة مع شخصيات رواياتي الاولى خاصة Quinn أو Anna Blume افكر فيهما باسترسال ويطفح «كوين» على سطح الذاكرة غالبا وبطريقة فجئية ولا اعرف من اين اتتني عقدة الحكايات المتداخلة والمتوالدة اعتقد قطعا ان ذلك مرتبط بطريقة تفكيري.
انه مبدأ مماثل لعملية الالصاق: ايجاد علاقة لعناصر متناثرة ويمتلك طاقة تتجاوز مجموع اجزائه. وهذا لا علاقة له بالمبيّت او الواعي ويتأتى هذا من مقاربة حدسية: كل كتاب من كتبي له شكله الخاص منها ما يتبع تطورا خطيا ومنها ما يصف دوائر مغلقة واخرى ايضا تشبه عمليات الصاق او تمتلك مثل «الحياة الداخلية لمارتن فراوست» بنية شبيهة بالدمى الروسية وهذا لا علاقة له بالظاهر او باختيار جمالي. انه ببساطة نتيجة مسار لان المضمون عندي هو الذي يحدد الشكل. عندنا حكاية لنحكيها وهي التي سوف تملي علينا كيفية حكيها ولهذا كل كتاب جديد بالنسبة لي هو مغامرة جديدة ولا شيء من كل الذي كتبت يمكن ان يساعدني على مزيد الاكتشاف او يساعدني عل تأليف كتبي القادمة.
اجدني احمل انطباعا كونيا مبتدئا والانطلاق من الصفر.
من هو بول اوستير؟
من مواليد سنة 1947 في ولاية «نيوجرسي» هو روائي صدرت له عديد الروايات ترجمت كلها الى الفرنسية في دار «آكت سود» «Act sud» وبعض الدور العربية.
من أشهر اعماله «ثلاثية نيويورك» واخيرا رواية «داخل مشغل الكتابة» واخرج للسينما فيلم «لولو فوق القنطرة» و»بروكلين بوجي» مع المخرجWayne Wang يعرض فيلمه الجديد حاليا «حياة مارتن فورست الداخلية» في فرنسا.
القراءة ماذا يحدث عندما نقرأ؟
ماهي الحكاية؟ التعريف الأكثر بساطة هو ان الحكاية شيء يتحدث عن النشاطات الانسانية واهوائها وعن ميكانزمات الواقع وكينونتنا داخل العالم لكن الحكاية تفرض شكلا، وبمعنى أدق فهي تنقي العالم. اني متمسك بأكثر طرق السرد بساطة كحكايات الجنيّات لان تلك الحكايات الخيالية تقدّم اقل قدر ممكن من الجزئيات، إن الفكر الانساني ينفر من الفراغ فيملأ بنفسه كل تلك الجزئيات الناقصة
انّ ادماج القارئ او السامع في صلب الحكاية هو الذي يساعد على حبكها واتمام عمل الراوي ولما نغالي في الحكي نغلق باب الدخول الى الحكاية، عوض فتحه امام القارئ
كل قارئ لكتاب واحد يقرأ كتابا مختلفا، لانه يضع فيه ماضيه الخاص وحياته، وشخصيته، وطباعه، وبالتالي يمنحه تأويله الخاص وهذا حسب رأيي ما يعطي للرواية مغامرة بعيدة عن الجمود. انه حقل مفتوح حيث بامكان كل قارئ المشاركة النشيطة لا في القراءة فحسب وانما في الكتابة أيضا ومن هذه الشراكة يجد كل طرف ربحه الخاص. في بعض الاحيان لا اقدر على قراءة الوصف الدقيق جدا، لاني لا اقدر على النظر في حين انه اذا اكتفى الكاتب بوصف مكان او شخصية او موقف ببعض المفردات والسطور والخطوط البسيطة بامكاني ان املأ الفراغات واتصور الحكاية باكثر سهولة وقد مررت بتجربة غريبة كشفت لي كم ان الكتابة هي مشكلة شخصية. في سنّ العشرين قرأت رواية «أنفه وآراء مسبقة» ل»جان اوستين» التي اعتبرها نابغة كنت اتصور ان احداث الحكاية كانت تدور في البيت الذي ترعرعت فيه وقد اسقطت كل الحكاية على عالمي الخاص، في اطار أسري وساعدني على ذلك بخل الكاتبة في الوصف فعشت ذلك كعملية كشف وأني انتظر بشغف نتائج دراسة علمية عن فينمولوجيا القراءة. إني اتساءل عما يدور داخل مخّ القارئ عند القراءة. انّ القراءة تحرك مركب المخ الذي ينشط الذاكرة.
ماذا يحدث عندما نقرأ؟
المعلمون: لِمَ لم يمتد عمرالسينما الصامتة اكثر؟
المخرج المفضّل عندي بين كل المخرين يبقي جان رنوار، رنوار الثلاثينات وذلك من اجل الكثافة الروائية ونفسية الشخصيات وسماكة الاماكن الملموسة واعني هنا أفلاما مثل «قانون اللعبة» و»الوهم الكبير» وكذلك اعني فيلم «بودو الناجي من المياه» اعشق ذلك الفلم! دون ان انسى «جريمة السيد لانج» وحتى أبقى في ميدان المخرجين الفرنسيين احبّ كذلك بريسون وخاصة فيلم «يوميات قسّ في الارياف» و»فرار محكوم عليه بالاعدام» لانها افلام سرديّة تماما كفلم «النشال». انّ الحس الداخلي لهذه الافلام في الخمسينات تهزّني كثيرا واخيرا تعاطف كبير مع فرنسوا تروفو الذي اعدت اخيرا مشاهدة أعماله الكاملة والذي يشدّني بالخصوص عند هؤلاء المخرجين الثلاثة هو بعدهم الانساني.
المخرجون الامريكان يمنحونني انفعالات مختلفة، احبّ كثيرا «هوارك هوس» انه بلا منازع المخرج الاكثر تعددية من بين اساطنة هوليوود فهو قادر على مقاربة كل الاجناس السينمائية من افلام الرعشة الى الكوميديا ومن افلام رعاة البقر الى الكوميديا الموسيقية وهو يعتمد دوما على سيناريوهات جيدة ويعجبني كذلك جون فورد، بلّي ويلدير، جورج كوكور، وليم ولمان، ووليم ويلر.
فيلم «اجمل سنوات حياتنا» الذي اعدت مشاهدته أخيرا يبقى قمة السينما الامريكية واحد اجمل ما يعكس بالايحاء طبيعة امريكا الاعماق ولن ننسى المضحكين زمن السينما الصامتة: شابلن، كيتون، هارولد لويد، هاري لنغتن وتمثل السينما الصامتة العصر الذهبي في تاريخ السينما بقدرتها الهائلة على الخلق ولم تفتأ السينما الصامتة تتقدم على مستوى التكنولوجيا والتعبير حتى بلغت اناقة جمالية تكاد لا تصدّق.
وفي آخر عصر السينما الصامتة بلغت السينما نضجا ودقة لم تستطع بلوغها اي حقبة اخرى من تاريخ السينما.
عام 1929 قدِمت السينما الناطقة واصبح لزاما اعادة ترتيب كل شيء من جديد وآسفي ان لم يمتد عمر السينما الصامتة ولو خمس سنوات حتى تواصل تلك الاختراعات المذهلة.
واخيرا أحبّ بعض افلام الياباني «اوزو» خاصة «رحلة الى طوكيو» فهو رائعة مطلقة وعندما كنا نصور مع واين وانغ فيلم «دخّن» كنا نمزح قائلين «لنحاول اخراج فلم لاوزو في نيويورك!»
الشعر: الترجمة اقوم المسالك لدخول عمق النصوص
كنت قد نشرت قديما مختارات من الشعر الفرنسي وكان الشعر الفرنسي اكتشافا كبيرا منذ مراهقتي. كنت من قبل احبّ الشعر الانقليزي والشعر الامريكي لكن الشعر الفرنسي يمنحنا مقاربة مختلفة تمثّل نوعا من رجع الصدى لمفهومي الخاص للعالم وقد ترجمت «ملارمي» وبروتون»و»ميشو» حتى أفهم اخيرا هذه الاشعار وتبدو لي الترجمة هي أقوم الوسائل للولوج إلى اعماق هذه النصوص اكثر من النقد المتعالم وعندما نترجم فنحن في قلب الاثر ونعبّر عن تركيبة النص واعصابه وشرايينه الدموية، التي يجب اعادة اختراعها من جديد في اللغة التي نترجم اليها. شاعران مثل «ميشو» و»دوبان» لن يستطيعا الدخول الى الانقليزية لان نظرتهما للعالم مختلفة إطلاقا وقد فتح لي شعرهما انماطا اخرى من الادراك مازلت ملتصقا بها وكنت مرتبطا جدا بالشاعر اندري بوشي الذي فقدناه وبقيت صديقا لجاك دوبان الذي اواصل الالتقاء به عندما اكون في باريس انه وهو في سن الثمانين يكتب قصائد رائعة بنفس القوّة، ونفس النقمة ونفس الالتزام ويواصل شرب الخمرة والتدخين انه صلْبٌ حقيقةٌ وهاهي اربعون سنة مضت ونحن أصدقاء، انه فرد من اسرتي.. قلة من الاشخاص في العالم اشعر الى جانبهم بهذا النوع من التقارب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.