في زمن الأقمار الاصطناعية والعقول المبرمجة، وفي زمن الاطباق الفضائية والأحداث المفبركة، غزت الصورة عالمنا فاجتاحت الماضي والحاضر لتشكيل المستقبل فإلى أيّ حدّ يعتبر ذلك غزوا؟ وهل انتشار الصورة فتح أم اجتياح؟ في عصر الحروب غير المعلنة والثورات الوهمية والأجندات الاستعمارية المبيّتة انتقلت المعارك من ساحات الوغي الى شاشات التلفاز مبشرّة بألفية الحروب الاعلامية حيث الصورة رشاش يطلق الرصاص على الضمائر وحاجز من الصمت والذهول يحاصر العيون والعقول بإبهار بصري متعمد وبنيّة مبيّنة، يطلق صانعو الصورة النار على المتلقي الذي بغباء مثاليّ يستقبل ويتقبّل استهدافه. إثر تجرّع صورة واحدة تجهض القناعات والثوابت وتولد الأفكار الجاهزة ولادة قيصرية في خاصرة حرب إعلامية عشواء سياسية كانت او ثقافية حضارية لتسويق حرب غير شرعية واضفاء الشرعية على كذبة سياسية او لتلميع صورة نجم فنّي آفل أو لنشر نظرية عقيمة تصادمية يقع تجنيد الصورة لذرّ الرماد في العيون، لكن إلى أيّ مدى يمكن حصر الصورة في دائرة الاتهام؟ أم أن انتماءنا لأمّة تحترف التنديد والنحيب جعلنا نهرول لنظرية المؤامرة حتى في مجال الصّورة؟ لا يخفى على أحد أن عالمنا المعاصر محكوم بالأكاذيب والتضليلات لذلك فإن الصورة يمكن ان تكون أحيانا المنقذ من سيل المهاترات بشفافية لا تقبل الانكار تتحوّل الصورة الى ترجمان صادق عن واقع مغيّب فتخترق الصورة الحواجز والزنزانات لتحكي المآسي، تحكي الهموم عن شعب محاصر في غزّة وعن رجولة تغتصب في أبي غريب بلغة يفهمها العرب والعجم حياتها حالة ضوئية، في عتمة الواقع تومض لتخفت، تطلق على الضمائر النار ثم تسوّق لنظريات التصادم والدمار، تسخر من غباء مريدها وتلعن خبث صانعيها في تنقل يسير بين الشفافية والمصداقية وبين المغالطة والتشهير. هي اللغم وكاسحه وهي الداء وإكسيره... هي الصورة الغازية الفاتحة لعالمنا المعاصر.