لئن أجمع المحامون على ضرورة التغطية الصحية والاجتماعية فإنهم لم يتواضعوا على وضع مضمون الأمرين عدد 355 و359 الصادرين بتاريخ 2008/02/11 والمتعلقين تباعا بتنظيم وتسيير صندوق الحيطة والتقاعد للمحامين وضبط طابع المحاماة وكيفية إصداره وتوزيعه، ذلك أن إعداد المضامين تم بصفة سرية كما ورد ذكره أكثر من مرة صلب الجلسة العامة. 1من المآخذات: أ- إثقال كاهل المحامي المهني إن تكلفة التغطية الصحية والاجتماعية ثقيلة إذ يدرك الترفيع في معلوم طابع المحاماة نسبة 260 وهي النسبة التي لم تدركها أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى اشتراك سنوي يمكن أن يدرك 300 دينار. فهي مبالغ عشوائية التقدير لأنها لم تكن نتاج دراسة اكتوارية تنتهي إلى تحديد التكلفة الجملية للتغطية ، أما الدراستين اللتين كان قد تولى مجلس الهيئة السابق تمويلهما فإنهما ظلا دون المنهجية العلمية التي يمكن أن تعتمدها دراسة اكتوارية حصيفة تغني عن التلفيق الذي انزلق فيه الفصل 19 والذي ينص على أنه: «يتكفل الصندوق بمصاريف الخدمات الصحية ... في حدود سقف سنوي تضبطه الهيئة الوطنية للمحامين». فلا حاجة إلى التغيير السنوي للسقف في ظل الاحتياطات الفنية والرياضية بالإضافة إلى إدخار مبدأ المساواة أمام المرض تمييزا بين مرضى سنة وأخرى.كما وقع الترفيع في معلوم الطابع وتوظيف اشتراك سنوي قبل إجراء المحاسبة قصد تحديد مردود طابع المحاماة، وهو الترفيع الذي «قرره» مجلس الهيئة السابق بتاريخ 31 مارس 2006 بدلا عن الجلسة العامة الاستثنائية التي انعقدت بتاريخ 01 أفريل من نفس السنة، ويكون بذلك قد عمد إلى اغتيال إرادة المحامين صلب جلسة انتهت في ظروف غامضة.وترتيبا عما سبق يتجلى أن الأمرين قد توخيا تمشيا معكوسا لتنتابهما وصمة ارتجال لغياب الأسس الموضوعية. تلك هي أعباء مستحدثة تضاف إلى أخرى سابقة من ذلك إخضاع المحامي لدفع اشتراك سنوي لتغطية مصاريف مجلس الهيئة يدرك مبلغ 300 دينار وتحمل نسبة 12 بعنوان الأداء على القيمة المضافة، في حين أن الأطباء لا يدفعون سوى6 والحال أن كلاهما يسدي خدمات ضرورية للمواطن. وبصفة موازية يتمتع أصحاب الخدمات القانونية من غير المحامين المهنيين بجنة جبائية وفي مقدمتهم الشركات الأجنبية مثل جيدلاورات نوال والتي تنتصب على تراب الوطن بصفتها «مستثمرة» وفي الصدد لا بد من توجيه تحية خاصة لمجموعة المحامين الذين تولوا تقديم قضية ضدها. كما أن أصحاب الاستشارات القانونية يتحصنون بقلعة الأنشطة غير المنظمة ليتمتعوا بهذه الجنة . لو سلمنا جدلا بانتصاب مثل هذه الشركات وتمثلنا أثقال كاهل المحامي إذعانا لاملاءات منظمة التجارة العالمية بواسطة اتفاقية القاطس تفعيلا، فلسوف تشهد الكثير من مكاتب المحامين الوطنيين غلقا ويصبح الكثير منهم أجراء لدى هذه الشركات الأجنبية؛ لأن التجارة تحتم الإجارة. وما تبقى سوف تشمله إعادة إنتاج الوكيل والأفوكاتو، وهو التمييز الذي وقع تكريسه في ظل الاستعمار المباشر. وفي مثل هذه الظروف هل تقوى المحاماة الوطنية على المقاومة من أجل البقاء؟. ب غياب المراقبة الناجعة في علاقة الهيئة الوطنية للمحامين بوزارة المالية وبصرف النظر عن المحاسبة حينا والتي تتعلق بعائدات الطابع في الماضي، فالجدير بالملاحظة أنه لم يقع إرساء مراقبة عائدات الطابع، وهي المراقبة التي تتعلق بالمستقبل كترقيمه مثلا وتحديد آجال تحويل المبالغ إلى الصندوق... في حين أن الفصل 16 ينص على مد وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية بكل الوثائق ولم يغفل حتى على محاضر جلسات مجلس الإدارة. في علاقة هيئة المحامين بمجلسها يعمد الأمر إلى توسيع نفوذ هذا الأخير. فإذا كان الجمع بين مهام مجلس الهيئة ومجلس الإدارة يستمد وجوده من الفصل 76 من القانون 1989 المتعلق بمهنة المحاماة، فإن الأمر يمكّن المجلس من تعيين الخبيرين المحاسبين ودفع أجورهما، الأمر الذي تستعصي معه ممارسة رقابة جادة على من عينهما بالرغم من تنظيم مهنة المحاسبين. كما يمكّنه من منح مساعدات ظرفية خارج المنافع المحددة بالقائمات (الفصل24)، وهي نافذة قد تستغل لتبذير الأموال في غياب المراقبة وفي تعزيز نفوذ العميد المتنامي، سيما عندما يسمح الفصل 6 لمجلس الإدارة بالتصرف في أموال ومكاسب الصندوق ... ضمن صيغة مطلقة. أما المراقبة التي تمارسها الجلسة العامة فإنها غير ناجعة لأنها تأتي لاحقة لتصرف مجلس الإدارة مثلما يقوم به الخبيران في المحاسبة، ويتم إرهاقها بعرض خمسة تقارير: تقريري مجلس الهيئة وتقريري مجلس الإدارة دون تحديد أجل للاطلاع بالإضافة إلى تقرير الخبيرين في جلسة واحدة (الفصل12) . فتنقلب مصادقة الجلسة العامة «الاعتيادية»، في مثل هذه الظروف إلى مغامرة. وبالنظر إلى ما سبق يمسى مصير الصندوق غامضا مهددا بالإفلاس؛ بحيث أن أسباب عجزه متوفرة والكامنة في انعدام مراقبة مردود الطابع وغياب مراقبة أعمال المجلس والإمساك عن وضع الطابع كشرط تسجيل وقبول الأعمال الخاضعة له. كما أن القراءة التأليفية للفصل 3 و25 تفتح المجال أمام المتمتعين بعدة أنظمة تغطية اجتماعية (الفصل25) بالإمساك عن وضع طابع المحاماة وتسديد معلوم الاشتراك (الفصل 3 الفقرة1) لأن الفقرة الثانية من هذا الأخير ترتب جزاءا يتمثل في عدم التمتع بالخدمات، الأمر الذي قد يحول دون تطبيق مقتضيات الفصل 64 من القانون 1989 لمهنة المحاماة والمتعلق بالمآخذة التأديبية ويحرم الصندوق من مبالغ ليست بقليلة. من نتائج العجز المحتمل، وعلى الصعيد المادي، يتقرر الإلحاق القصري بالصندوق الوطني للتأمين على المرض مرورا بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو الإلحاق الذي طالما رفضه المحامون تمسكا بالاستقلالية. أما على الصعيد المعنوي فهو يؤول إلى إثبات أن المحاماة غير قادرة حتى على تسيير صندوق خاص بها، فينالها من القنوط ما يثنيها عن أداء دورها الوطني والاجتماعي المرشحة له. 2 من المقترحات: أ- المقترح العاجل مع الإبقاء على المعلوم المالي لطابع المحاماة، يمكن تحويل القسط الأوفر من الاشتركات المرصودة لمصاريف مجلس الهيئة قصد تغطية ما تيسر وقتيا من المخاطر المنصوص عليها بالفصل 19 الفقرة الثانية والمتعلقة ب»الأمراض الثقيلة أو المزمنة وبنفقات العمليات الجراحية» كما هو معمول به حاليا بواسطة صندوق الإغاثة الذي أحدث بمقتضى النظام الداخلي لسنة 1960 وظل سائر المفعول، وهو الاقتراح الذي يستوجب تبني سياسة تقشف من قبل مجلس الهيئة درئا لما حامت من شكوك حول تصرفه في معظم الدورات. مع العلم أن تعليق تسديد المنافع المنصوص عليها ضمن الفصل 18 يكون وقتيا ريثما يتم إعداد دراسة أكتوارية وضبط عائدات الطابع. أما فيما يتعلق بالدراسة فينبغي أن تتناول ، من زاوية وضعية الحالvision statique، الإحصاء عددا للمحامين والأشخاص الذين في كفالتهم وإعداد هرم تفصيلي للأعمار لمختلف المضمونين، كما ينبغي إحصاء الأمراض الخطيرة والمكلفة، ثم تناول درس المعطيات من الزاوية الديناميكية استقراءا وذلك لتقدير الكلفة الجملية السنوية حاضرا ومستقبلا. أما فيما يتعلق بضبط عائدات الطابع فينبغي إجراء حساب بخصوص مردوده وهي المحاسبة التي تتعلق بالماضي، في حين أن مراقبة دخله تتعلق بالمستقبل، وفي هذا الصدد نشرت دراسة (جريدة الشعب عدد 858 المؤرخة في 26 مارس 2006 ) أبرزت مردودا تقديريا خلال السنوات الثلاث (2004 / 2003/2002 ) يبلغ 26.001.755،300 دينار بالاعتماد على نسبة46 من القضايا قابلة لتوظيف طابعي محاماة، فقط هذا بالإضافة إلى الفوائض وموارد صندوق الدفوعات عند بعثه CARPA .وهي المبالغ التي تغني عن أية زيادة في معلوم الطابع قصد تغطية جميع المنافع التي وردت صلب الأمر بما في ذلك الاعتمادات التي ترصد لتكوين الاحتياطات الفنية والرياضية إلى جانب تكوين مختلف المؤونات عند الاقتضاء. كما يمكن أن تؤمن هذه المداخيل بناء مركب يحتضن إدارة الصندوق ومآرب أخرى... وتظل الإمكانية القانونية والواقعية متوفرة والمتعلقة بتولي طبع ونشر طابع المحاماة بعناية الهيئة الوطنية للمحامين. إن هذا التمشي يفضي إلى تحديد التكلفة الجملية السنوية بواسطة الدراسة الاكتوارية وإلى ضبط عائدات طابع المحاماة السنوية بواسطة المحاسبة. وفي هذا الصدد ينبغي جعل الطابع شرط قبول وتسجيل لكل عمل خاضع له، وبذلك ندرك ضمان دخله وضمان حقوق المتقاضي ونوفر عن مجلس الهيئة عناء إتباع إجراءات استخلاص ما تخلد بالذمة، أنذاك فقط يمكن، وعلى أسس علمية ، تقرير ما إذا كان الترفيع في معلوم الطابع وتوظيف الاشتراك السنوي ضروريين. وهو التمشي الذي تقتضيه صرامة المنهجية العلمية. ب- المقترح الآجل يهدف هذا المقترح إلى إرساء آليات مراقبة والتي قد يكون مصدرها الأمر ذاته إذ أن الفصل 16 ينص على أن يمد الصندوق الوزارتين ب»تقارير المراجعة القانونية للحسابات وتقارير الرقابة الداخلية» وهي التي أبعدت مراقبة الخبيرين المحاسبين (commissaires aux comptes) والتي تبعد أيضا مراقبة الجلسة العامة إذ أنه، في جريان العمل، لا تشفع مصادقتها بوثيقة كتابية. ما تبقى من المراقبة الداخلية هي المراقبة الطبية، لكن النص لم يحصرها في هذا المضمار، فتجري العبارة على إطلاقها على معنى الفصل 533 من م. إ. ع. لتحتضن المراقبة الشاملة أعمال مجلس الإدارة وترك المشرع مبادرة تنظيمها للهيئة الوطنية للمحامين سنة 1998 دون التدخل في شؤونها كما فعل صلب القانون المتعلق بشركات المحامين والذي يتضمن في فصله التاسع إحداث مجلس مراقبة. وقصد ضمان النجاعة ينبغي أن تكون هذه المراقبة مستقلة ، بحيث يتم انتخاب مجلس المراقبة صلب الجلسة العامة بصفة موازية لمجلس الهيئة ولنفس المدة، كما ينبغي أن تكون شاملة، بحيث تتعلق بكل أعمال مجلس الهيئة ومجلس الإدارة. وهي الاستقلالية والشمولية اللّتان تمثلان تواصلا مع تراثنا الشعبي ذلك أن القانون الأساسي لنقابة عموم العملة التونسية التي وقع تأسيسها سنة 1924 بريادة محمد على الحامي ورفاقه بنص صلب الفصل 13 ليس فقط على حسن الإدارة المالية بل يتجاوزه إلى مراقبة تنفيذ مقررات المؤتمر. على قدر الصلاحيات الواسعة تأتي المراقبة الوقائية التي يمكن أن تشمل، على وجه الخصوص، المصادقة المسبقة على مشروعي ميزانية كل من مجلس الهيئة ومجلس الإدارة وضبط المنافع وأيضا إخضاع العمليات الاستثمارية بما في ذلك استثمار أموال الاحتياط الفني ) الفصل (15 واختبار المؤسسة التي يقع لديها إيداع الأموال المرصدة لسيولة الصندوقين طبق مناقصات تجري تحت رقابة نفس المجلس. ومن صلاحياته أيضا ممارسة مراقبة عائدات طابع المحاماة سواء ظل تحت إدارة وزارة المالية أو عند طبعه ونشره بعناية الهيئة الوطنية للمحامين. كما تشمل صلاحياته تولي منح مساعدات ظرفية (الفصل24) قصد حصرها في المساعدات ذات الصبغة الاجتماعية الحقيقية كما لو تعرض منزل أحد المنتفعين بالتغطية لهدم بفعل قوة قاهرة، كما ينبغي إخضاع المصاريف للتأشيرة على غرار مجلة المحاسبة العمومية. أما المراقبة اللاحقة فهي التي تجريها الجلسة العامة على ضوء تقرير يعده مجلس المراقبة ويضعه تحت تصرفها في أجل 15 يوما قبل موعد انعقاد الجلسة. وتمارس الجلسة العامة، التي هي صاحبة القرار، صلاحياتها كلما شب خلاف بين مجلس الهيئة ومجلس الإدارة من ناحية ومجلس المراقبة من ناحية أخرى وتتخذ قرارها بالاقتراع السري. وختاما إن في مراجعة الأمرين تلافي لوصمة العشوائية التي تشوبهما وفيها تكريس لدولة القانون والمؤسسات. ------------------------------------------------------------------------ مداخلة ألقيت بالجلسة العامة المنعقدة بنزل أفريكا بتاريخ 2008/02/29