تحيي منظمتنا النقابية الاتحاد العام التونسي للشغل هذه السنة ذكرى مرور أربعة وخمسون سنة على اغتيال الشهيد فرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل، والزعيم الوطني والأممي الفذّ الذي دفع حياته ثمنا لإستقلال الوطن والتحرر الاجتماعي وحرية العمل النقابي. ولد فرحات حشاد يوم 2 فيفري 1914 بقرية العباسية بشرقي شمال جزيرة قرقنة في اسرة متواضعة تعيش من صيد السمك، وكان فرحات تلميذا نجيبا آية في الذكاء، وفي سنة 1928 تقدم الى امتحان الشهادة الابتدائية ونجح فيه نجاحا باهرا، ولم يتمكن من مواصلة تعلمه بالمدارس الثانوية لحالة عائلته الفقيرة. اضطر حشاد الى دخول معترك الحياة صغيرا والارتزاق من منصب متواضع شغله بالشركة التونسية للنقل بالسيارات في الساحل، فكان قدوة لبقية موظفي الشركة لأمانته في العلم، واستقامته في السيرة ولقد أحرز على ثقة كل العملة لتواضعه وطبعه الكريم واعتنائه بشؤون اخوانه العمال والاهتمام بمصالحهم. خلال سنة 1936 انخرط حشاد في نقابة عملة النقل التابعة للجامعة العامة (F.S.M) الفرنسية، وما كاد يشارك في النشاط النقابي حتى احتل بين العملة والمسؤولين النقابيين بالجهة من تونسيين مسلمين ويهود ثم فرنسيين مكانة مرموقة لما أظهره من فكر نيّر، وبُعد نظر، وحيوية متدفقة ونشاط وإقدام وعزيمة خلاّقة.
* بقلم: الحبيب الذوادي
سطع نجم النقابي حشاد من خلال قيادته لإضراب عملة النقل بسوسة في أواخر سنة 1937 قصد إرغام الشركة على الاعتراف بحقوقهم والاذعان لمطالبهم، وبنجاح هذا الاضراب نقلت الشركة فرحات للعمل بفرعها بصفاقس نتيجة ما لحقها من ضرر. تفرغ فرحات حشاد للعمل النقابي الصرف بعد ان غادر فرع ادارة الاشغال العمومية العامة بصفاقس رغم نجاحه في مناظرة الوظيفة العمومية في أ واخر سنة 1940، لقد أدرك حشاد خلال هذه الفترة مدى انسياق الجامعة الفرنسية للشغل لتعليمات الحزب الشيوعي الفرنسي، وبدأ بالفعل يفكر في الانسلاخ عن هذه المنظمة الاجنبية وذلك بداية من سنة 1944، وأقر العزم عن تكوين وانشاء حركة لا تهدف لحماية مصالح العمال التونسيين التي أهملها وتباعد عنها مسيرو منظمة «س. ج. ت». وتمكن بالفعل خلال سنة 1944 من انشاء النقابات المستقلة بالجنوب الذي ضم معظم عملة جهة صفاقس وما حولها، وكان لهذا النجاح حافزا ودافعا لقدوم فرحات الى تونسالمدينة اين أنشأ اتحاد النقابات المستقلة بالشمال الى جانب الجامعة العامة للمتوظفين التي كانت موجودة من قبل. وازداد عزمه على بعث منظمة وطنية تونسية مدافعة عن حقوق عمالها خلال محاضرته الملقاة بباريس بنادي طلبة شمال افريقيا للمسلمين، وبالفعل ففي 20 جانفي 1946 تم عقد المؤتمر التأسيسي لبعث منظمة نقابية واحدة تجمع بين «اتحادات النقابات المستقلة بالجنوب واتحاد النقابات المستقلة للشمال والجامعة العامة للمتوظفين» ومنذ ذلك التاريخ تم الاندماج فيما بينها وتحققت الوحدة وبرز الاتحاد العام التونسي للشغل، وانتخب فرحات حشاد كاتبا عاما له. ولم تمض سنة واحدة على تأسيس الاتحاد حتى تم تنظيم شبكة من الاتحادات الجهوية والمحلية وفروع للجامعة العامة للمتوظفين في كافة المناطق الهامة في البلاد، مع الازدياد الكبير لمنخرطيه الشيء الذي نتج عنه سخط السلط الاستعمارية تجاه حشاد ومسؤولي نقابات «س. ج. ت» في الآن نفسه. أدرك الراحل فرحات حشاد ان الحركة النقابية التونسية لتنجح ولتتمكن من ارساء رسالتها الاجتماعية لابد لها ان تحظى بمساندة منظمة نقابية أممية، وتمكن حشاد بالفعل من الحصول على دعوة من الجامعة النقابية العالمية لحضور ندوتها العالمية في فيفري 1947 والاجتماع العالمي في براغ وذلك رغم مضي مدة وجيزة من تأسيس الاتحاد اضافة الى العراقيل والهجومات الاستعمارية، وكللت هذه المجهودات سنة 1948 بقبول الاتحاد بصفة رسمية داخل المنظمة العالمية، وحضر فرحات مؤتمرها المنعقد في جويلية 1949 أين ألقى خطابا شرح فيه أطوار الكفاح النقابي في تونس، وأنواع الاضطهاد الذي يتعرض اليه شعبنا من القوة الاستعمارية الغاشمة. لكن سرعان ما خاب ظن فرحات من هذه المنظمة ذات النزعة الشيوعية، وتمكن من اقناع زملائه بذلك فانسحب بالاتحاد العام التونسي للشغل منها، وتقدم بطلب للانخراط في الجامعة العالمية للنقابات الحرة فتم له ذلك سنة 1950. لقد كان حشاد الى جانب عمله النقابي وطنيا متعاونا مع الحزب الحر الدستوري التونسي، وتحمل بشجاعة مسؤولية حركة المقاومة التحررية مع بقية زملائه في الاتحاد والحزب بعد اعتقال بورقيبة في 18 جانفي 1952، فالكل يعمل من اجل الاستقلال والسيادة والتأسيس من اجل الدولة الوطنية الجديدة. نتيجة لذلك إشتد حقد المستعمرين على فرحات في شهر ديسمبر 1952 وتمكنوا من إقتراف جريمتهم البشعة والشنعة، بعد ان بدؤوا يطاردونه في كل مكان فامتدت أياديهم القذرة عن طريق منظمة اليد الحمراء اليه وهو في طريقه من مقر سكناه برادس الى دار الاتحاد العام التونسي للشغل بتونس صباح يوم 5 ديسمبر 1952. يومها حزنت تونس حزنا شديدا وعمت جميع مدنها المظاهرات وازدادت نقمة المستعمر، بل وخرجت المظاهرات الشعبية تضامنا مع تونس في المغرب والجزائر... وهو ما أضحى على شهيدنا رمز العالمية للنضال من اجل الكرامة والحرية والاستقلال.