سليانة: توقّعات بتراجع صابة حب الملوك في مكثر    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    سيف الله اللطيف ينتقل الى الدوري الهولندي الممتاز    نابل: اندلاع حريق بمخبر تحاليل طبية    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 17 ماي    اغتيال قائد في سلاح جو حزب الله بضربة للكيان الصهيوني    إتحاد الفلاحة : كتلة أجور موظفي إتحاد الفلاحة 6 مليارات و700 ألف دينار    البرازيل تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم    مراسل قنوات بي إن سبورت "أحمد نوير" في ذمة الله    القصرين: وفاة شاب في حادث مرور    سيدي بوزيد: وفاة كهل وزوجته في حادث مرور    قابس: عدد الأضاحي تراجعت هذه السنة    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    حريق بمستودع بين المروج 6 ونعسان    الخارجية : نحو إبقرام إتفاقية مع الدول الإفريقية بخصوص المهاجرين .. التفاصيل    هام/ مناظرة لانتداب 34 متصرفا بالبريد التونسي..    يصنعون ''مواد المسكرة محلية الصنع القرابا'' و يقومون ببيعها بمدينة أم العرائس    اتحاد الفلاحة: أسعار أضاحي العيد ستكون باهضة .. التفاصيل    عاجل : الكشف عن مصنع عشوائي لتعليب المنتوجات الغذائية و الأمن يتدخل    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    تونس : 80 % من الشباب ليس له مدخول    انتخاب تونس عضوا بالمجلس الوزاري الإفريقي المعني بالأرصاد الجوية    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    النائب طارق مهدي يكشف: الأفارقة جنوب الصحراء احتلوا الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    الجزائر تواجه الحرائق مجدّدا.. والسلطات تكافح لاحتوائها    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    نجاح الأسرة في الإسلام ..حب الأم عبادة... وحب الزوجة سعادة !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    اعزل الأذى عن طريق المسلمين    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الاطاحة بمنحرف خطير بجهة المرسى..وهذه التفاصيل..    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    الناطق باسم وزارة الداخلية: "سيتم تتبع كل من يقدم مغالطات حول عمل الوحدات الأمنية في ملف المحامي مهدي زقروبة"    توقيع إتفاقية قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسّسة بنكية محلية لفائدة تمويل ميزانية الدولة لسنة 2024    تفكيك شبكة في صفاقس، تقوم ببيع محركات بحرية لمنظمي عمليات الإبحار خلسة    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الطرابلسي، واحد منّا
التحق بمنظمة العمل الدولية مع الاقامة في القاهرة: بقلم:محمد العروسي بن صالح
نشر في الشعب يوم 01 - 11 - 2008

مؤثرة جدّا، تلك اللحظات الحميمة التي جمعت الصديق الاخ محمد الطرابلسي الامين العام المساعد للاتحاد ومسؤول العلاقات الدولية والهجرة بعدد كبير من أصدقاء وزملائه ورفاقه من النقابيين وغير النقابيين الذين جاؤوا جميعا لحضور حفل بسيط خصّص لتحيته بعد ان اختارته منظمة العمل الدولية لشغل منصب مهم خاص بالمنطقة العربية مع الاقامة الدائمة في القاهرة.
هو حفل للتوديع بما انّ الرجل يغادر بصفة رسمية مسؤوليته في الاتحاد حيث سيتعذّر عليه عمليا حضور الاجتماعات المتتالية للمكتب التنفيذي كما ينص على ذلك القانون الاساسي والنظام الداخلي كما سيتعذّر عليه الجمع بين منصبه القديم والجديد مثلما فعل لما انتخب مستشارا لمنظمة العمل العربية قبل 4 سنوات لانّ الفرق واضح وكبير بين منصبي منظمتي العمل العربية والدولية، ولأنّ المنصب الجديد في منظمة العمل الدولية يتطلب الحضور والمداومة والمتابعة بما انه يغطي كامل المنطقة العربية ويتطلّب ان يعمل صاحبه عملا مضنيا.
لكنه كان ايضا حفل تكريم، باعتبار وأنّ محمد الطرابلسي من قلائل النقابيين التونسيين بل ربّما الوحيد الذي ارتقى الى مثل هذا المنصب الرفيع في منظمة العمل الدولية صحيح أنّه كان لنا موظفين سامين في هذه المنظمة مثل المرحوم رؤوف الدبّوسي والصديق صادق بلحاح حسين وغيرهما ولكن ينحدر هؤلاء من وزارة الشؤون الاجتماعية وربّما من الخارجية، ونذكر هنا أنّ صديقنا الكبير رجل القانون الاجتماعي الالمعي الاستاذ محمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية سابقا كان قاب قوسين وربّما ادنى من أن يفوز بمنصب المدير العام لمك تب العمل الدولي في معركة حامية الوطيس جرت سنة1986.
صحيح انّ عددا من النقابيين احتلوا مناصب رفيعة في منظمات اقليمية أو دولية، لكن نقابية أمّا في منظمة العمل الدولية، فإنّ أوّل نقابي تونسي يرتقي الى منصب رفيع في أجهزتها هو دون شك اخونا وصديقنا محمد الطرابلسي.
هو تكريم أيضا لشخص له بصمات كثيرة تركها في الاتحاد وتقلب في عدة مسؤوليات فمن نقابته الاساسية الى النقابة العامة للتعليم الابتدائي ومباشرة الى المكتب التنفيذي حيث أدار قسم الاعلام والنشر بما فيه جريدة الشعب من افريل 1989 الى افريل 1996 وقسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية الى افريل 1999 وقسم العلاقات الدولية والهجرة الى الآن، وهو دون شك القسم الذي ساعده على الارتقاء الى منصبه الجديد الذي يفرض عليه الاقامة في القاهرة.
وقد سرّني كثيرا أنّه قبل يوم من سفره لترتيب إقامته في قاهرة المعز، بعث لي كما بعث للعديدين من أصدقائه رسالة نصية عبر المحمول أفادني فيها برقمه في مصر وبعنوان بريده الالكتروني. وهذه طبعا بادرة أحسبها له، لا فقط لأنّها تقيم الدليل على أنّه فعلا رجل علاقات عامة كما عهدناه دوما ولكن أيضا ترجمة منه على الإرادة في استمرار التواصل وإدامة علاقة تعمّر منذ نحو ثلاثين سنة رغم ما شهدته من تباينات وسوء تفاهمات.
محمد الطرابلسي سيكسب على المستوى الشخصي ماديا ومعنويا من منصبه الجديد الذي سيحقق له دون شك اضافات جديدة وبفضل هذا المنصب سيحقق أو لنقل أنّه سيساعد على تحقيق مكاسب جديدة للحركة النقابية العربية ويحاول نقلها إلى وضع أفضل ممّا هي عليه الآن.
ولاشك أنّ السعادة تغمرنا ونحن نرى تونسيا يرتقي إلى مثل هذا المنصب الرفيع ولو أنّه اقليمي والذي كان إلى تاريخ غير بعيد حكرًا على أناس من غير أهلنا وبني عمومتنا وأخوالنا. وأملنا كبير في أن يشع محمد الطرابلسي من خلال منصبه الجديد على الحركة النقابية التونسية فيمكنها من الاضافات التي مازالت تحتاج إليها ومن الارتقاء إلى المنزلة التي هي جديرة بها حقّا بالنظر إلى ارثها التاريخي الكبير وعطائها الغزير وبطولة العديد من زعمائها ونضالية الكثير من قيادييها والمنتسبين إليها.
في استبيان سريع لآراء بعض النقابيين وأصدقاء الاتحاد وقفت على أربعة مواقف من مغادرة محمد الطرابلسي.
موقف أوّل يرى أنّ الرجل رغم ما يبديه من مبدئيات لم ينس نصيبه من الدنيا فاغتنم أوّل فرصة أُتيحت له لتحقيق كسب مادّي رفيع فاندفع دون تأخير. ويرى بعض أصحاب هذا الموقف أنّ المغادرة بالتكتم الذي أُحيطت به لا تخلو من بعض الانتهازية.
موقف ثانِ يرى أصحابه أنّ الرجل يئس من حلّ مشكلة المدتين النيابيتين التي وضعها في طريقه وطريق زملائه مؤتمر جربة وهي مشكلة في تصوّر الكثيرين اجراء عقابي استنتجه ذلك المؤتمر تأسيسا على ممارسات الأمين العام الأسبق وانفراده بالرأي وتحكمّه بقبضة حديدية في كامل دواليب الاتحاد ومؤسساته. وعوض أن يحصر المؤتمر اجراءه العقابي على منصب الأمين العام مثلما هو معمول به في عديد المنظمات القطرية والدولية فإنّه وسعه إلى أعضاء المكتب التنفيذي كافة وفي نفس الوقت أنقذ منه الكتّاب العامين للاتحادات الجهوية والمحلية والجامعات والنقابات العامة والاساسية.
يضاف إلى ذلك أنّ محمد الطرابلسي، المهندس الحقيقي لمؤتمر جربة، كاد يفشل في الحفاظ على منصبه إذ بقي متأرجحا في ساعات الفرز الأخيرة بين الفوز والفشل وحصل على أقل عدد من الأصوات فجاء أخيرا بل كاد يخسر حقيبة العلاقات الدولية حيث نافسه عليه عضو جديد قديم . ولا جدال في أنّ نجاح «الهندسة» هو الذي جلب لمحمد الطرابلسي عقاب المجموعات المؤثرة في الاتحاد والمؤتمر ولم ينقذه منه إلاّ تقدير الأغلبية الصامتة واعترافها له بجميل الخدمات التي قدمها للاتحاد.
الموقف الثالث يرى أنّ الاتحاد منظمة ولاّدة، يأتيها المناضلون والمسؤولون في مختلف الدرجات، يبقون ما يبقون من الوقت ثمّ يمرّون، وهكذا الأمر بالنسبة لمحمد الطرابلسي فهو في القيادة منذ أفريل 1989 وهو في الاتحاد على الأقل منذ سنة 1980 عبر نقابات التعليم الابتدائي لذلك حان الوقت كي يترك مكانه لغيره بل ويذهب أصحاب هذا الموقف إلى حدّ التنويه بالرجل وشكره على المغادرة لأنّه بادر بها من تلقاء نفسه ولم يخرج مطرودًا أو مهزوما، موفّرا بذلك فرصة حقيقية أمام عدد كبير من المناضلين حتى يتباروا على تعويضه.
الموقف الرابع، يرى أصحابه أنّ مغادرة محمد الطرابلسي في هذا الوقت المفصلي خسارة كبرى للاتحاد وللحركة النقابية ولعدد كبير جدّا من النقابيين والمثقفين والاعلاميين والمدرسين والطلبة الذين كانوا يجدون لديه الملاذ الأخير، عندما تنسد أمامهم الآفاق.
ذلك أنّه يحسب لمحمد أنّه من بين قلائل القياديين النقابيين مع الاخ عبد المجيد الصحراوي الذين ساعدوا على انجاح المؤتمر 18 للاتحاد العام لطلبة تونس، وأنّه نجح في أن يفرض على القيادة العمّالية آنذاك إعادة بناء التحالف بين المنظمتين النقابيتين الذي انكسر ذات شهر فيفري من عام 1972.
يحسب له أنّه إبّان إدارته لتحرير جريدة «الشعب» رفض رفضا قطعيا أن تخضع الجريدة في بداية التسعينيات للرقابة الادارية التي كان يمارسها شخصيا المرحوم السيد الهادي القريوي كاتب الدولة للاعلام آنذاك رغم أنّه كان صديقًا لعدد كبير من النقابيين ومنهم محمد الطرابلسي نفسه. فقد كان القريوي يفرض أن تمثل أمامه وفي مكتبه بالذات، كلّ صفحات الجرآئد، فيقرؤها صفحة بعد أخرى، يشطب هنا، يضيف هناك إلى غير ذلك من أعمال الرقيب.
يحسب لمحمد الطرابلسي نجاحه في هندسة 3 من مؤتمرات الاتحاد الأخيرة (93 و99 و2002) فإلى جانب المشاركة الفعّالة في الانتاج الأدبي لتلك المؤتمرات (التقرير العام التقرير الأدبي اللوائح) فإنّه وفّق أيضا في بقيّة الجوانب التنظيمية بما كان يقدّمه من تصوّرات واقتراحات تمّ الأخذ بها جميعا.
يحسب له أيضا أنّه يعمل بصفة مستمرّة، لا يكلّ ولا يملّ، عنده رأي في كلّ مسألة، عنده قول في كلّ قضية، موقفه محدّد دوما وحاسم، بالسلب أو الايجاب. ولا شكّ ان كل الخصال لم تأت من فراغ، فإلى جانب التكوين والبديهة، فانّ الرجل سليل عائلة نقابية، حيث ان والده علي كان مساعدا للزعيم الحبيب عاشور عند تأسيس نقابة بلدية صفاقس سنة 1944 والدخول بها الى اتحاد نقابات الجنوب سنة 1945.
لمّا أبعد سنة 1996 من قسم الاعلام ونقل إلى قسم الصحة والسلامة المهنية والتغطية الاجتماعية فاجأ الجميع بحماس منقطع النظير في إدارة هذه الملفات، فبعد ركود لم يزد عن بعض الأسابيع، صادفه منذ مطلع سنة 1997 ملف ضخم جدّا جدّا مازال مفتوحا إلى اليوم وهو ملف التأمين على المرض. وفي الوقت الذي تصوّر فيه البعض أنّ نجمه أفل، سطع بمناسبة ذلك الملف الذي استوعبه بسرعة فائقة وبشأنه نظّم العشرات من الاجتماعات وعقد العشرات من الجلسات وجلب إلى المنظمة عددًا كبيرا من الخبراء الذين بنوا موقف الاتحاد من ذلك الملف.
تحسب له قدرته الفائقة على نسج علاقات دولية، حيث كنت شاهدًا خلال سنة 1992 على نجاحه في اعادة العلاقات بين الاتحاد وبين سي جي تي الفرنسية. كنّا في زيارة لجامعة نقابات الصحف والمطابع هناك لمّا صادفنا في أحد الممرات الصديق هنري كرازوكي أمين عام سي جي تي والذي عرفنا إليه صديقنا ميشيل مولر.
«كارت بلانش»
في حدود الخامسة وخمسين دقيقة من مساء ذلك اليوم رنّ الهاتف في مكتب ميشيل فإذا به مساعد كرازوكي يدعونا للقائه لمدّة 5 دقائق لأنّه ملتزم بالمغادرة في السادسة حيث تنتظره زوجته للعودة إلى المنزل بعيدا عن باريس.
بعد التعارف من جديد، لم يترك محمد الفرصة لمضيفنا ليتكلّم بل بادره بالحديث، أو بالأحرى بالاشادة بخصاله (خصال كرازوكي) ومواقفه المساندة للقيادة النقابية الشرعية قبل أن يتخلّص إلى الحديث عن العلاقات التاريخية القائمة بين المنظمتين.
وصحّ هنا أن أقول «بُهت الذي كفر» فإذا بالرجل يترك كرسيه ويأتي ليجلس قبالتنا في الصالون مسترخيا في مقعده، واضعا رجلا على رجل ومستمعا بانتباه إلى ما يقال حتى أخذنا إلى نحو الثامنة ليلا.. ولمّا جاء دوري في الحديث عن معونة فنية للمطبعة التي كنت أديرها آنذاك، قاطعني بإصدار أمر لميشيل مولر في كلمتين: «كارت بلانش».
ولاشك أنّ سهولة ربطه للعلاقات، أثارت ضدّه خصوما كثيرين ممّن اتهموه بالعمل على التطبيع مع النقابات الاسرائيلية خاصة بعد أن أخذ الاخوة النقابيون الفلسطينيون الذين كانوا مقيمين في تونس بالعودة إلى الأراضي المحتلة تبعا لاتفاق أوسلو. ومعلوم أنّ لمحمد علاقات متطوّرة مع الأشقاء الفلسطينيين، سواء منهم العائدون أو جماعة الداخل الفلسطيني الذين لهم علاقات مع النقابات الاسرائيلية.
ورأى خصوم محمد أنّه يمهّد للتطبيع مع النقابات الاسرائيلية استنادًا إلى علاقاته المتطورة مع جماعة الداخل وتشجيعه «السيزل» (القديمة) على قبول انخراطهم فيها.
وقويت التهمة عندما اضطر محمد لحضور تظاهرات نقابية متوسطية أو مؤتمرات دولية حضرتها النقابات الاسرائيلية التي تقع دعوتها كلّما وقعت دعوة النقابات الفلسطينية في الداخل. وحصل كم من مرّة أن حضر نقابيون فلسطينيون يمثّلون... النقابات الاسرائيلية!
تحسبُ لمحمد الطرابلسي أفكار عديدة منها فكرة إعادة هيكلة الاتحاد حيث اقترح فيما اقترح مكتبا تنفيذيا أو أمانة عامة كما يقول يتركب من 7 أعضاء واقترح انتخاب أعضاء الهيئة الادارية بدل انضمامهم إليها آليا كما اقترح فيما اقترح أن تتفرّع عن الاتحاد مؤسسة جامعة تضمّ كل النقابيين المباشرين فيها للمسؤولية وغير المباشرين وتكون بمثابة إطار للتفكير والمشورة. لكن كل هذه الأفكار اصطدمت بمعارضة شديدة وربّما هي التي دفعته إلى التفكير الجدّي في المغادرة.
لكن تحسب على أخينا محمد أخطاء كثيرة وتحالفات وتكتيكات صعبة الفهم والتصديق وتقلّبات سريعة أضرّت به في أحيان كثيرة وأحرجت المنظمة في مناسبات غير قليلة ومنها مثلا قصّة كتب مممنوعة جلبها من فرنسا وضبطتها لديه شرطة المطار.
لمحمد الطرابلسي علاقات جيدة مع عدد وافر من الصحافيين من مختلف المؤسسات وقد كان من أبرز المتحمسين للنقابة العامة للصحافيين التابعة للاتحاد. كما كتب في العديد من الصحف وخاصة منها صحف دار الصباح ومنها «لوطون» وصحف دار الأنوار حيث كانت تربطه علاقات جيدة مع المرحوم صلاح الدين العامري الذي ساند النقابيين الشرعيين (المؤتمر 16) في محنتهم على الأقل من خلال توفير مساحات هامة للاعلام عن مواقفهم وآرائهم وتحركاتهم رغم وجودهم خارج الاتحاد.
ويذكر أنّ المرحوم صلاح العامري وفّر الفرصة مثلا للأخ محمد الطرابلسي خلال الازمة النقابية سنتي 86 و87 كي يكتب ركنا تحت امضاء عياش تطرّق فيه الى عدّة مسائل اجتماعية. ويذكر أنّه ذات مرة لما ذهب محمد الطرابلسي لاستخلاص مستحقاته، سلموه شيكا به هذا الرقم: 000.000.70 وكان يعني في ذهن الموظف الذي حرره وكذلك أيضا في ذهن المسؤول الذي امضاه ان الأمر يتعلق بسبعين دينارا وهكذا أيضا فهم محمد الطرابلسي. لكن بذهابه الى البنك، اكتشف ان كتابة الرقم بذلك الشكل تعني واحدًا من مبلغين فإمّا سبعين مليون مليم وإمّا سبعين ألف دينار.
لذلك استرجع الشيك من البنك دون خلاص طبعا وأعاده إلى المرحوم صلاح العامري واشترط عليه عدم معاقبة الموظف على ذلك الخطإ، وحتى لمّا أذن له بمكافأة ثقة، رفضها وأعادها إليه.
محمد الطرابلسي مدمن على القراءة والكتابة، ورغم ابتعاده عن جريدة الشعب إلاّ أنّه بقي وفيا لها وللتحرير فيها بامضاءات مختلفة وفي أغراض متنوعة بل إنّه خصّص لها رسالة ختم الدّراسات الصحفية التي أنجزها سنة الألفين.
لغته سلسة، عباراته منتقاة، أسلوبه سهل، ساخر، ناقد، مرح، ومصداقه هذه الحلقة من ركن «بالعربي» الذي كان يحرّره للشعب أسبوعيا وخصصها للتعليق على فشل منتخبنا لكرة القدم في احراز كأس افريقيا سنة 1994 رغم تنظيمها عندنا.
كأس افريقيا بين النسر والدجاجة
يقول: انظروا شعار البطولة الافريقية الذي قيل لنا أنّه يمثّل نسرا تونسيا... فواللّه العظيم لم أر قطّ في حياتي نسرا تونسيا مثل هذا.. وسألت عشرات الأشخاص شيوخا وصغارا.. من الجنوب حتى مشارف الصحراء ومن الشمال حتّى جبال خمير ان صادف يوما أن رأوا نسرا تونسيا مثل هذا في الطبيعة أو في القفص أو في حديقة الحيوان...
فأقسموا جميعا بأنّهم لم يشاهدوا أبدا نسرا بهذا الشكل وأكدوا جميعا انّ هذا النسر لا يمكن أن يكون تونسيا أبدا.
أحدهم أضاف قائلا:
انظر ملّيا إلى هذا النسر، ليس فيه من تونس سوى العلم الذي ألبسوه إيّاه،، ولو كان تونسيا لعرفناه حتى دون العلم...
ثمّ أردف قائلا:
لو كان نسرا تونسيا لما نظر إلى الخلف ولما أدار وجهه عن تونس بلده. فمن البداية لم يكن هذا النسر يرغب في اهداء تونس كأسها الافريقية الأولى والاّ لماذا أدار وجهه إلى الوراء.
خسرنا الكأس الافريقية منذ أوّل مباراة.
ثمّ خسرنا كأس الروح الرياضية منذ أوّل اقصاء في أوّل مباراة.
لم يبق لنا سوى فتح سجل ذهبي لتقبّل التهاني بنجاح التنظيم وعبارات الشكر للجنة المنظمة.
فكرة السجل الذهبي ونجاح التنظيم في هذه البطولة الافريقية جعلتني أتذكر نكتة ذكرها لي أخ عزيز من بلد شقيق سأسردها دون تعليق وأرحل:
«عرف احد الأقطار العربية الشقيقة أزمة في الدجاج، حيث قلّ انتاجه وارتفع ثمنه.
فبلغ إلى علم أحد المواطنين خبر مفاده أنّ الدولة فتحت محلاّ لبيع الدجاج وقد اختارت أن تقيمه بعيدا عن المدينة بحوالي المائة كيلومتر تجنّبا للاكتظاظ والازدحام وتعطيل حركة السير في المدينة بسبب الدجاج.
سافر صاحبنا الى المكان المذكور فوجد الناس في طوابير عديدة وطويلة.
وقف في الطابور الأوّل ساعتين في طقس حارّ جدّا ولمّا وصل إلى البائع سأله «كيف تريد دجاجتك بلدي أم اصطناعي؟» وبما أنّ صاحبنا «قلّيل» وثمن الدجاج البلدي مرتفع طالب بدجاج اصطناعي (أو مايسمى عندنا بالدجاج الأبيض) فردّ عليه البائع بأنّ عليه في هذه الحالة أن يقف في الطابور الثاني.
وبعد أكثر من ساعتين وصل صاحبنا إلى البائع الثاني الذي سأله: تريدها حيّة أم مذبوحة؟
أريدها مذبوحة طبعا!
طلبك ليس عندي بل عليك بالطابور الثالث.
ووقف المسكين في الطابور الثالث أكثر من ساعة وحين وصله الدور سأله البائع الثالث:
تريدها «مريشة» ومنظفة أم مذبوحة فقط؟
أريدها مريشة ونظيفة طبعا حتى لا يفسد لحمها في الطريق.
آسف، عليك يا أخي بالطابور الرابع.
ولمّا وصل المسكين للبائع الرابع وهو في حالة يرثى لها سأله:
ماذا تريد يا أخي؟
أجابه: أريد دجاجة اصطناعية ومذبوحة ومنظفة من فضلك.
فأجابه البائع بلهجة ذلك القطر العربي الشقيق:
ماعندنا دجاج.. بس شو رأيك في التنظيم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.