وزيرة التجارة تشرف على احتفالية 'يوم تونس' باسطنبول    الأونروا: "يوم مروع آخر" في غزة بعد قصف الجيش الصهيوني مدرسة للوكالة..    جندوبة: العثور على جثة شاب في منطقة غابية بغار الدماء    عاجل: ديوان الإفتاء: غدا الجمعة غرة شهر ذي الحجة    تسجيل أكثر من 40 حالة غش في امتحان الباكالوريا بسليانة وسيدي بوزيد ومدنين    جلسة عمل لمتابعة تقدّم إنجاز أشغال تهيئة مركز الاصطياف بجرجيس    الفنانة التشكيلية الهام سباعي تكتب تاريخ المرقوم في معرضها الشخصي بداية من 9 جوان    صورة اكتسحت منصات التواصل.. ما حقيقة الأخطبوط العملاق؟    الموسيقي التونسي ظافر يوسف يقدم عرضا في مهرجان الجاز بشرق سيبيريا    أمسية "تونس المجد".. غدا بفضاء "المجلس" بسكرة    المستشفى المحلي بالكريب: دورة تكوينية لفائدة أعوان واطارات وممرضي الدائرة الصحية    "التوقيع على 11 اتفاقية "رعاية خضراء    وفد صيني رفيع المستوى في زيارة إلى موقع مشروع "مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان"    عاجل/ العوينة: اصطدام سيارة بحافلة تابعة لشركة نقل تونس    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    نابل: مُغلق منذ سنوات..أهالي عين طبرنق يُطالبون بفتح مكتب البريد [فيديو]    عاجل/ تونس تطرح مناقصة دولية لشراء القمح والشعير    إيلون ماسك: بعض الدول قد تختفي بسبب نقص الولادات    ذاكر لهيذب: شروط الترشّح متوفّرة وبرنامجي الإنتخابي جاهز    القيروان: الدورة 24 للمهرجان الوطني للمونولوج    العائدات السياحية تزيد ب7،8 بالمائة في موفى ماي 2024    ديوان الطيران المدني والمطارات :ارتفاع حركة عبور المجال الجوّي    تونس تعكف على إعداد استراتيجية وطنية للتصدير تركز على أسواق آسيا وأمريكا اللاتينية    حملة أمنية على محلات الرهان الرياضي غير المرخّصة بهذه الجهة    عبد المجيد بلعيد ل «الشروق»: زيارة الصين فتحت أبواب الأمل على مصراعيها    وزيرة الصناعة تؤكد على مزيد استقطاب الإستثمارات الفرنسية إلى بلادنا    بعضها تحتوي مواد كيميائية: تحذير من شاحنات الماء المتجوّلة    عاجل-أثارت ضجة كبيرة/ فاتورة ماء بإسم "الجمعية التعاونية الإسرائيلية": الصوناد تكشف وتوضح..    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    ريال مدريد يعترض على إقامة كأس العالم للاندية 2025 في الصيف    السيطرة بالكامل على البؤرة الثانية للحشرة القرمزية بالقصرين    عاجل: هيئة كبار علماء السعودية تكشف موعد عيد الأضحى    وفاة برهان الكامل سفير تونس لدى باكستان    بعد إنسحابه من رولان غاروس: نوفاك ديوكوفيتش يخضع لجراحة ناجحة في الركبة    تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة: وزارة الصحة تصدر بلاغ هام وتحذر..#خبر_عاجل    انطلاق أولى السفرات التجريبية لقطار المسافرين بين تونس والجزائر    النادي الافريقي يصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    المنتخب الوطني: اليوم حزم الحقائب إلى جوهانسبرغ .. وثنائي يغيب عن الرحلة    وزارة التربية تنفي تسريب اختبارات اليوم الثاني لإمتحان الباكالوريا    عاجل/ مستجدات في جلسة محاكمة شيماء عيسى..    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق وزير البيئة الأسبق رياض الموخر..    إسبانيا تنضمّ إلى الدعوى التي قدّمتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني    الجيش البريطاني يؤكد عدم جاهزيته لحرب عالمية ثالثة    رئيس الحكومة يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية بسيول    بهدوء: التفّاحة أصبحت...بصلة !    راية العلم لا تُنكس    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الخامسة والعشرين    فرنسا وإسبانيا وبلجيكا تنجح في اختباراتها الودية استعدادا ليورو 2024    تعقب العناصر الإجرامية الخطيرة المفتش عنها في باجة    السعال الديكي يتفشّى في أوروبا والسلطات تحذّر    الصحة العالمية تعلن تسجيل أول وفاة بشرية بمتحور من إنفلونزا الطيور..#خبر_عاجل    البطولة الوطنية: تعيينات مباريات الجولة الرابعة إياب من مرحلة التتويج    طقس اليوم: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    المغرب: وفاة 8 أشخاص وإصابة نحو 80 آخرين إثر تناولهم مشروبات كحولية محلية الصنع    قفصة: الاحتفاظ بكهل يصنع مادة 'الڨرابة' المُسكّرة وحجز معدات    طبيب فرنسي يُهاجم نادين نسيب نجيّم...كيف ردّت عليه؟    ظافر العابدين عضوا في لجنة تحكيم مهرجان عمان السينمائي    المنتخب الوطني: التشكلية المحتملة لمواجهة غينيا الاستوائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تحقق البلدان الافريقية والعربية أهداف الألفية الإنمائية، أم أنّها في حاجة إلى إصلاحات جوهرية؟
مأساة الفقر والجوع في افريقيا : بقلم: علي الجوادي اطار بنكي وباحث وكاتب صحفي
نشر في الشعب يوم 22 - 11 - 2008

شهد اقتصاد العالم خلال فترة 1945 1974 أو ما يعرف بالثلاثين سنة «المجيدة» نموا ممتازا قارب معدل 5 سنويا بتطوير الصناعة في الدول المتقدمة وهيمنة بعض فروعها على اقتصاديات البلدان المستقلة تباعا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتعصير الفلاحة في جهات عديدة من العالم، وازدهار قطاع الخدمات. ولكن مع اندلاع أزمة النفط عام 1974 عقب معركة أكتوبر 1973 بين العرب واسرائيل، ومع تزايد عدد الحروب والنزاعات في الكثير من بلدان العالم الثالث، ومع تكاثر الانقلابات العسكرية وتفشّي ظاهرة الفساد والاستبداد عند المتخلفين، وحين سجلت بعض جهات العالم (افريقيا وآسيا) نموا سكانيا سريعا، عاد جحيم الفقر والمجاعة إلى واجهة الصدارة، فحسب احصاءات البنك العالمي، ارتفع عدد الذين يعيشون تحت عتبة الفقر المطلق والذي يقدّر حاليا بدولار واحد للفرد في اليوم، من 1196 مليون فرد (أي ما يقارب 6.23 من مجموع سكان العالم) عام 1987، إلى 1323 مليون فرد (أي حوالي 2.24 من مجموع سكان العالم) عام 1993، ليستقر في حدود 1148 مليون فرد (أي 1.19 من مجموع سكان العالم) مع بزوغ الألفية الثالثة. واللافت للانتباه هو ان افريقيا من أكبر مناطق العالم التي تعاني من الفقر والجوع، فحوالي 38 من سكان القارة السمراء تتقاذفهم أمواج الجوع والفقر، ومن المتوقع ان يرتفع عدد الفقراء في افريقيا جنوب الصحراء إلى 345 مليون فقير بحلول 2015، مقابل 241 مليونا عام 1990 و315 مليون فقير عام 1999.
الفقراء (أقل من دولار واحد في اليوم) في جهات العالم
(1990 1999)
مأساة الجوع والأمراض الفيروسية في افريقيا جنوب الصحراء
ومن أتعس أوجاع ومتاعب القارة السمراء هو أنّ التغذية تمثّل تحدّيا إنمائيا كبيرا، إذ تشير احصاءات المنظمة العالمية للصحة وصندوق النقد الدولي إلى أنّ حالة التغذية في افريقيا جنوب الصحراء بوجه خاص سيئة جدّا، خلال القدين الأخيرين، فباستثناء بلدان منطقة شمال افريقيا حيث بلغ متوسط نصيب الفرد من الامدادات اليومية بالسعرات الحرارية 3045 وحدة حرارية خلال الخمس السنوات الأخيرة، وهو يفوق متوسط القارة البالغ 2445 وحدة حرارية، لايزال الجوع منتشرا كأوراق الخريف في افريقيا جنوب الصحراء، حيث لا يتعدّى متوسط نصيب الفرد من الامدادات اليومية بالسعرات الحرارية 1795 وحدة حرارية في منطقة افريقيا الوسطى، و1980 وحدة حرارية في منطقة شرق افريقيا، و2380 وحدة حرارية في منطقة جنوبي افريقيا، وكل هذه المعدلات بعيدة عمّا أوصت به المنظمة العالمية للصحة من الحصة اليومية البالغة 2500 وحدة حرارية، ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى أنّ الوضع سيتحسّن في المدى المنظور.
لقد أخذت المجاعة في افريقيا جنوب الصحراء بوجه خاص عمقا مأساويا حتى أنّ العديد من رجالها، سواء كانوا سياسيين أو أطباء، باتوا يؤمنون بأن مرض انهيار المناعة المكتسبة «السيدا» (الايدز) هو مرض سوء التغذية ليس الاّ، فمرض «السيدا» الذي حيّر أجيال الحاضر، في عصر الفضائح السياسية والفظائع العسكرية، وقد يبقى غامضا لأجيال الغدْ، والذي بات يهدّد بمحو عدد كبير من سكان افريقيا جنوب الصحراء، لا علاقة له لا بفيروس انهيار المناعة البشرية (V.I.H)، ولا بسموم عقاقير بعض الأدوية مثلما تشير إلى ذلك بعض المخابر الغربية، بل مصدره نقص التغذية لا غير كما يقول الكثير من أفارقة جنوب الصحراء!
ماهي الآليات الدولية التي تعمل على تخفيض عبء الديون وأعداد الفقراء عند المتخلفين؟
مع تزايد الفقر واختناق الكثير من البلدان النامية بالمديونية الخارجية، تحملت مؤسسات بروتون وودز بالتعاون الوثيق مع المانحين الآخرين، مبادرة تخفيض ديون البلدان الفقيرة المثلة بالديون (PPTE) عام 1996، وعقب استعراض عالمي للتشاور أُجري في 1999 شمل بعض المنظمات غير الحكومية وطائفة واسعة من المجتمع المدني، تمّ تعزيز الأهداف الرئيسية للمبادرة لتحقيق تخفيض أعمق وأوسع وأسرع لعبء الديون، وربط الموارد المحرّرة من تخفيف عبء الديون بمشروعات وبرامج تخفيض أعداد الفقراء، ولعلّ هذه أول استجابة دولية لتقديم تخفيف شامل لعبء الديون إلى أفقر أربعين بلدا وأكثرها تحمّلا لعبء الديون في العالم منها 32 بلدا افريقيا (أنظر الشكل المصاحب). وبموجب المبادرة المعززة، فإنّ البلد المؤهل للحصول على موارد المبادرة سيصل إلى نقطة القرار عندما تقرّر مؤسسات بروتون وودز أنّ دينه الخارجي أصبح غير قابل للاستدانة (وكان معيار العتبة المستخدم هو نسبة الديون إلى الصادرات تبلغ 150 في المائة)، وأنّ البلد اضافة الى ذلك قد وضع استراتيجية لتخفيض أعداد الفقراء. وللتأهل للحصول على تخفيف عبء الديون يوافق البلد المخنوق أيضا على أن ينفذ بصورة مرضية استراتيجية لتخفيض أعداد الفقراء، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، والاضطلاع بمجموعة متفق عليها من الاصلاحات الهيكلية.
حالات تنفيذ المباردة المعززة لتخفيض ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (PPTE) أوت 2005
حالات اكتمال القرار (1)
بنين بوليفيا بوركينا فاسو اثيوبيا غانا هندوراس مدغشقر مالي موريتانيا موزنبيق نيكاراغوا النيجر أوغندا رواندا السينغال تنزانيا زمبيا غويانا
حالات الفترة الوسطية (2)
بيرندا الكامرون جمهورية الكونغو الديمقراطية غامبيا غينيا غينيا غينيا بيساو ملاوي سيراليون التشاد ساوتومي وبرنسيبي.
المصدر: صندوق النقد الدولي
(1) البلدان التي تتوفّر فيها جميع المقاييس قصد شطب كامل ديونها (18) منها 14 دولة افريقية
(2) البلدان التي تستحق المساعدة في انتظار اتمام بعض المقاييس قصد تخفيف ديونها (10)
هل تحقق افريقيا أهداف الألفية الإنمائية بدعم من مؤسسات بروتون وودز وبقيّة شركاء التنمية، أم هي في حاجة إلى اصلاحات جوهرية؟
ومع التحولات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم بداية من تسعينيات القرن الماضي بفضل ثورة الاعلام والاتصال، والثورة التكنولوجية الهائلة، وفي عصر صناعة الموت وتجنيد الخلايا النائمة، وحين قادت العولمة التي أملتها متطلّبات المشروع الرأسمالي الغربي إلى تفكيك المؤسسات الوطنية في الاقتصاديات التابعة، وتوظيفها بالكامل لصالح رأس المال الخادم لهذا المشروع، وحين تحولت الخصخصة في الكثير من البلدان النامية إلى وسيلة سهلة للإثراء غير المشروع، وأداة لتشويه النسيج الاجتماعي وتعميق الفوارق الطبقية لصالح نخبة استأثرت بالمال والسلطة على حساب الأكثرية، أولت مؤسسات بروتون وودز وبقيّة شركاء التنمية عناية أكبر إلى اعادة ترتيب البيت الداخلي ولو بالعنف في جهات متعدّدة من العالم، بدعوى ترشيد الحكم والقضاء على التخلّف ومحاربة الاستبداد.
ولأنّ قضية التنمية في بلدان العالم الثالث مسؤولية الفقراء والأغنياء على حد السواء (أو هكذا يبدو)، صادق زعماء العالم في اعلان الألفية لعام 2000 على سلسلة من الأهداف تعكس محورية النهوض برأس المال البشري، والمساواة بين الجنسين في عملية التنمية، والتجنيد لبلوغها في أفق عام 2015، تعرف بأهداف الألفية الانمائية وهي:
أولا: خفض أعداد الفقراء والجوع بمقدار النصف مقارنة بالوضع المرصود عام 1990
ثانيا: تأمين التعليم الابتدائي للجميع
ثالثا: النهوض بالمساواة بين الجنسين
رابعا: خفض وفيات الأطفال
خامسا: تحسين الصحة الانجابية
سادسا: محاربة الايدز (السيدا) والسرطان والملاريا وأمراض أخرى
سابعا: تأمين التنمية المستدامة
ثامنا: اقامة شراكة عالمية للتنمية
وفي حين تؤكد تقارير مؤسسات بروتون وودز على أنّ العديد من بلدان آسيا، وشرقي أوروبا، وأمريكا اللاتينية والكارييب في طريقها لبلوغ كثير من أهداف الألفية الانمائية، وهي البلدان التي طبقت سياسات اقتصادية سليمة، وحسنت نظم الادارة والتنظيم، يرجح أن تفي قلّة من البلدان الافريقية وحتى العربية بمعظم هذه الأهداف، ولربح معركة التنمية والخروج من نفق التخلف وجب على البلدان العربية والافريقية المرعبة بالفقر والجوع والقهر ان تؤمن تحسينات فعّالة، بدءا من استثمار موارد كافية في التنمية البشرية، وتطوير البحث العلمي والتكنولوجيا، وخلق مناخ موات للاستثمار والنمو، ووصولا إلى اعتماد الشفافية وتطوير نظم ادارة الميزانية العامة لضمان خضوع حكوماتها للمساءلة أمام شعوبها خاصة عن الاستخدام الفعّال للموارد.
على البلدان الافريقية والعربية اليوم الاتجاه إلى تشكيل أسواق اقليمية مشتركة على نحو يقود الى ادماج الانتاج والتنمية لتحقيق الرفاهية الاجتماعية لشعوبها، وكسر شوكة هيمنة الشركات العابرة للقارات وتثبيت استقلالها السياسي، فالتكامل الاقتصادي الاقليمي هو الطريق الوحيد لتجاوز التخلّف وتحقيق التنمية، الاّ أنّ ارساء هذا النوع من التكامل يتطلّب من الأنظمة الافريقية والعربية القيام باصلاحات سياسية واقتصادية بدءا من ترسيخ القيم الديمقراية، وحرية الرأي والمساءلة، ومحاربة الفساد المالي والفساد الاداري، وفرض حكم القانون، ووصولا إلى تأمين نشوء سلطة عقلانية ومستقرة من أجل تثبيت الاستقرار السياسي، والتمهيد لمرحلة التغيير والاصلاح الشامل دون الارتباط بالمنهج الليبرالي الغربي الذي يعمق التخلف ويفرز التبعية وعدم الاستقرار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.