سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مؤتمر المنستير على الأبواب وكلّ النقابيين ومحبّي اتحاد الشغل يتمنون أن يكون تكريسا جديدا للديمقراطية داخل اتحاد الشغل وخارجه مؤتمر المنستير والتحدّي الديمقراطي
ثلاثة أيام تفصلنا عن افتتاح مؤتمر اتحاد الشغل بالمنستير (14 16 ديسمبر الجاري) ولم تتضح الى حدّ الآن حقيقة موازين القوى التي ستحكم هذا المؤتمر الفيصل. لعلّها هي المرّة الأولى التي لم تسع فيها القيادة النقابية الى حسم موازين القوى لصالحها ردحا طويلا قبل انعقاد المؤتمر ممّا جعل كل المراقبين بدقة للشأن النقابي غير قادرين على تصور ما ستؤول اليه نتائج انتخابات المنستير. قد يكون لكل طرف حساباته والحسابات في عالم السياسة ليست بريئة حتما لكن ما يمكن ان نسجله هو التالي: انطلقت مرحلة تجديد الهياكل الجهوية والقطاعية منذ اكثر من سنة وقد شهدت كل هذه الانتخابات تنافسا شديدا بين قائمتين او اكثر ودفعت بعدد كبير من الاطارات القديمة والجديدة كي تلعب دور الحكم في المؤتمر القادم ولقد لاحظ كل من تابع هذه الانتخابات حياد المركزية النقابية في سيرورتها وان كان هذا الحياد لا يمنع التحالف او التقارب مع هذا المسؤول المركزي أو ذاك. لم نر حينها ما كان طاغيا في كلّ المؤتمرات السابقة للمنظمة منذ استقلال البلاد: التدخل المباشر للقيادة المركزية في تزكية هذا الطرف وفرضه رغم انف القاعدة النقابية وهذا يعني امرين اثنين: إنّ القواعد الحالية بعد الازمات العديدة والمتعاقبة التي شهدها الاتحاد منذ اواسط خمسينات القرن الماضي لم تعد تقبل ان تصبح اداة طيّعة في يد القيادة تفعل بها ما تشاء بل لابدّ لكل من يتقدم لنيل ثقتها أن يبرهن على جديّة ونضالية وطول نفس وهذا ما يفرز أطرا وسطى يعسر التحكم فيها او إملاء قرارات لا تنسجم مع قناعاتها. يبدو ان القيادة الحالية المنبثقة في ما سمي حينها بالحركة التصحيحية (إزاحة الامين العام السابق اسماعيل السحباني من قيادة الاتّحاد) والتي تدعمت ديمقراطيا في مؤتمر جربة 2002 قد وعت دروس الماضي وان التصرف القديم المبني على الولاء والاقصاء لم يعد مجديا بين اجيال متعددة من النقابين ومنظمتهم والمصالحة لا تعني هنا الثناء على أداء القيادة بل باعتبار انّ القيادة الحالية لم تعد عائقا أمام تنوع النقابيين وتناقضاتهم الصارخة احيانا. لقد وصف بعض المتابعين للشأن النقابي هذه الوضعية ب «فوضى خلاّقة» بمعنى أنّها مثلت مناخا جديدا يهبّ على ساحة محمد علي، مناخا يتجاوز القيادة واشخاصها ليسري دم جديد في منظّمة كادت أن تتكلّس في نهايات العشرية الماضية. هل اوفت هذه «الحركة التصحيحية» بكل وعودها؟ سؤال لا نسمح لانفسنا بالاجابة عنه إذ المؤتمرون هم وحدهم من يحقّ لهم تقييم مسار هذه السنوات الخمس لكننا نود هنا فقط التنويه الى ما يلي: لا أحد يمكن ان يتصور تونس اليوم دون اسهام المنظمة الشغيلة في نحتها خلال هذه العقود الستّة الأخيرة ولكنّ هذه المسيرة التي ارتبطت بالتاريخ المعاصر للبلاد قد شابتها هنات كادت تقضي على الصرح واهم هذه الهنات مسألة التسيير الديمقراطي للمنظمة لقد كان جلّ النقابيين يغفرون لجل الآباء المؤسسين تسييرهم الفردي للمنظمة لكنّ هذا التسيير أصبح خطرا عليها في التسعينات من القرن الماضي اذ في غياب جيل المؤسسين أفقدت فردانيّة القرار المنظمة من كوادر مهمّة واصبح الولاء للقيادة هو قيمة القيم. ان التصحيح الحقيقي لهذا الوضع يجب ان يقطع نهائيا مع هذه الممارسات والحنين اليها وهكذا فإنّ ما يبدو كأنّه مظاهر للفوضى أفضل بكثير من ذلك الانتظام والاصطفاف اللامشروط وعادة اللامبدئي وراء القيادة. لقد تمكنت القيادة الحالية (ونحن نقصد بالقيادة كل الاطارات المسيّرة للاتحاد لا شخصا او اشخاصا بعينهم) من تجاوز ثنائية الولاء والاقصاء، يبقى ان صرح البناء الديمقراطي في منظمة كإتحاد الشغل عمل لا ينتهي بل لبنات يعاضد بعضها البعض الاخر ومؤتمر المنستير محطة اساسية في هذا المسار لكنّها محطة فقط فالعمل لا يتوقف معها وفيها بل يتجاوزها لدعم الخيار الديمقراطي في المرحلة القادمة كذلك... مؤتمر المنستير على الأبواب وكلّ النقابيين ومحبّي اتّحاد الشغل يتمنون ان يكون تكريسا جديدا للديمقراطية داخل اتحاد الشغل وخارجه. حقائق 11/12/2006