تعيش مدينة صفاقس الدورة 15 لمهرجانها الذي يحمل في برنامجه عطر الطرب الأصيل وإبداعات الركح والشاشة وأروقة المعارض وشدى الأسمار الفكرية. «الشعب» التقت السيد عزالدين الزوش مدير مهرجان المدينة الذي أفادنا بأنّ هيئة مهرجان مدينة صفاقس أعدت برنامجا ثريا يتناغم مع احتفالاتنا بمائوية الشاعر الكبير أبي القاسم الشابي وبأبي القصة التونسية علي الدوعاجي، إضافة إلى الفنان القدير الهادي الجويني. واختار المهرجان التركيز على القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية والإنفتاح في الآن نفسه على الإبداع العربي والأجنبي من خلال برنامج تباركه روح المرحوم محمد أنور عشيش الرئيس السابق لجمعية مهرجان المدينة. وقد توزّعت فقرات مهرجان المدينة على فضاءات عدّة فأضاءت أنوار الطرب والفكر والفنون البصرية المسرح البلدي والقصبة والمركب الثقافي محمد الجموسي وقاعة الأفراح والرواق البلدي ودار المهرجان وفندق الحدادين. وقد احتوى برنامج مجالس المدينة بدار المهرجان على سمر حول مائويّة علي الدوعاجي مع الأستاذ ابراهيم بن صالح. كان الحضور مقبولا أغلبه من الذين اكتووا بنار الكتابة والذين يهمهم الشأن الأدبي والحركة الثقافية بالبلاد. الأستاذ الجامعي حافظ قويعة قدّم المحاضر وعرّف بنشاطه الغزير في مجال الكتابة والإبداع خاصة في سلسلة فوانيس الصادرة عن دار محمد علي الحامي للنشر بصفاقس ومن بينها: «الأقصوصة عند علي الدوعاجي». ثم انبرى المحاضر قائلا بأنّ علي الدوعاجي هو عند الأستاذ توفيق بكار «أبو القصة التونسية» وهو عند الأستاذ عزالدين المدني كذلك «أبو القصة التونسية» بلا منازع. وهو عند مصطفى خريف نموذج كامل للعبقرية الفذّة الأصيلة. وفي نظر الدكتور محمد فريد غازي أقدر مؤلف قصة عرفه العالم العربي في هذه الفترة ما بين الحربين وقصّاص لا يقل عن أحسن كاتب أوروبي أو أمريكي. وهو في نظرنا مثال الفنان المتكامل. فقد كان قصاصا وشاعرا وزجّالا وكاتبا مسرحيا وممثلا إذاعيا ورساما كاريكاتوريا وصحافيا وهو أحد رواد ثلاثة عرفتهم تونس في ثلاثينيات القرن العشرين أبو القاسم الشابي في مجال الشعر «بأغاني الحياة»، محمود المسعدي في مجال الرواية «بحدث أبو هريرة قال» وعلي الدوعاجي في مجال الأقصوصة بمجموعة «سهرت منه الليالي». ثمّ أضاف الأستاذ المحاضر ابراهيم بن صالح المتفقد العام اختصاص العربية بأنّ علي الدوعاجي هو من خلّص فن القصة من أعباء البيان وأثقال المواعظ والتعليميّة المباشرة واستجاب فيها الى المقومات الفنّية التي رسمها أساطينها «كأدغار آلان» و»موباسان» و»شيخوف» و»تورغنييف» و»همنغواي وشتاينبك» وغيرهم ممّن كان الدوعاجي يلتهم إبداعاتهم التهاما. كما أنّ الدوعاجي أدرك حدود هذا الفن القصصي وقام بأساليب صناعته وعلق مواضيعه بالفئات الاجتماعية الشقية ممّن لم تكن الرواية تهتم بهم في بداية عهدها بالظهور. لقد بحث الدوعاجي لنفسه عن هوية فنية ويبدو أنّ العمر لم يسعفه لكي تستقر في ملامح قارة ناضجة فقد ترجم واقتبس ونقل المسامرات وأحاديث المجالس الفنية وترجم لنفسه في أشكال أقصوصية متعدّدة متنوعة هاجسه أن يكون له شكل قصصي خاص به. لقد أضفى المحاضر بفضل ما تميّز به من اطلاع واسع على شخصية الدوعاجي جوّا من الحيوية والنقاش الثري على المسامرة رغم حرارة الطقس التي كانت تدك أسوار المدينة العتيقة.