أفادت دراسة أُنجزت سنة 2008 أن نسبة المدخنين في تونس تتجاوز 30 بالمائة وأن معدّل وفايات المدخنين يصل 6600 حالة سنويا، ويقدّر حجم المتعاملين في النشاطات ذات الصلة بالتدخين بنحو 85 ألف شخص بين مزارعين وباعة وموزعين وتُساهم بما قدره 8 في ميزانية الدولة. منذ سنتين تقريبا بدأ مستهلكو السجائر يتذمرون من تدني جودة السجائر التونسية من نوع 20 مارس دولي خفيف و20 مارس دولي وارتفاع أسعارها وعدم استقرارها بين الباعة رغم أن الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد تقول بأنها تقوم بقرابة 16 ألف تحليل فيزيائي وكيميائي سنويا للتثبت من تطابق المنتوجات مع معايير الجودة والتحذيرات الصحية، خاصة وأن الوكالة قامت باستثمارات فاقت العشر مليارات لتحسين منتوجها الوطني، غير أن المفارقة العجيبة تكمن في التدهور والسقوط الصاروخي لجودة السجائر، وبسؤالنا لبعض العارفين بمكونات السيجارة أفادونا أن سبب رداءة التبغ التونسي يعود أساسا لمَ يٌسمّى »الشعرة« هذا المكوّن الذي كان يُجلب من سويسرا المعروفة عالميا بامتلاكها لسرّ النكهة الأصلية للتبغ ومنه 20 مارس دولي، ويبدو أن الوكالة الوطنية قد استغنت عن التعامل مع سويسرا ربما لتوطين صناعة 20 مارس دولي في تونس، وهذا أمرٌ محبّذٌ ومهم لحماية الاقتصاد الوطني واليد العاملة التونسية، ولكن، وإن كان هذا التخمين صحيحا، فإنّ الوكالة التي يبلغ عمرها اليوم 120 سنة، يبدو أنها لم تكن جاهزة لهذه النقلة النوعية بالشكل المطلوب بدليل رداءة التبغ المتوفر بالاسواق التونسية مقارنة بما كان عليه في السابق، ومعلوم أننا في تونس، وإلى جانب الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد هناك شركة أجنبية (JTI) مقرّها القيروان ما تزال محافظة على تعاملها مع سويسرا في جلب »شعرة« السجائر ولهذا نلمس التفاوت الصارخ في جودة سجائر 20 مارس دولي وخفيف المعروضة لدى الباعة وبات المدّخن يبحث عن العلبة »المطبوعة« بدلا من العلبة »المضروبة«. وإذا كانت الشركة الأجنبية (JTI) ستُغلق أبوابها مع نهاية هذه السنة، مثلما أفادنا بعض مزوّدي السجائر بتونس العاصمة، فإن سوقنا ستفتقد تدريجيا السجائر »المطبوعة« وسيضطر المدخّن لاستهلاك إمّا السجائر »المضروبة« أو اللجوء إلى السجائر المهربة التي لا تخضع لا لمواصفات جيدة ولا للضرائب العائدة لخزينة الدولة وهي بضاعة باتت منتشرة بأسواقنا منذ سنوات، وامّا سيضطرون لاقتناء السجائر الفاخرة بأسعارها الباهظة والتي لم نعد نعرف لها استقرارا في ظلّ الاحتكار. وفي علاقة بشعرة السجائر يعتقد بعض المدخنين والخبراء بهذه المادة أن الوكالة ربما صارت تستورد التبغ من الهند، ومعلوم ان تبوغ الهند تُزرعُ في الوديان والسباخ وهي الأشد رداءة في العالم كله. إنّ الأسئلة ونقاط الاستفهام عن جودة السجائر تصبّ مباشرة عند جهات معلومة، أولها الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد التي عليها ان توضحّ للرأي العام سبب تراجع جودة منتوجها على الأقل، وثانيها منظمة الدفاع عن المستهلك ومصادرتها للسجائر المهرّبة من الاسواق، وثالثها وزارة الصحة وهياكل المراقبة التابعة لها ومدى مراقبتها لنوعية السجائر المعروضة، ورابعها وزارة المالية ومدى مراقبتها لم يحصل في قطاع التبغ باعتباره أحد أهم موارد خزينة الدولة. أعتقد أن معالجة هذه »المعضلة« تكمن أساسا في مصدرها الأساسي، أي الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد التي يجب أن تُحسن توظيف استثماراتها المالية لتحافظ على ديمومتها كمؤسسة وطنية، ثم ان هناك تجربة شهدت نجاحا في الماضي وهي تجربة زراعة أنواع تبوغ عالمية بجهة الشمال في أواخر التسعينيات غير أن هذه التجربة ورغم نجاحها لم تُحظى بالاهتمام والمتابعة المطلوبة!!! بالاخير لا يمكنني أن أقول إلا أن التدخين بصفة عامة وإن كان مضرا بصحة المدخن فإن السجائر التونسية برداءتها هذه فإنها ستكون قاتلة حتما !!!