سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحتميات التي يفرضها تغيّر المناخ منها أنماط هطول الأمطار:
ر.ك. باتشاوري حائز على جائزة نوبل، ورئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بدراسة تغيّر المناخ، والمدير العام لمعهد الطاقة والموارد.
اليوم أصبح العمل الدولي بشأن تغيّر المناخ مُلحا وضروريا. والواقع أنّه لم يعد من الممكن أن تنشأ أي مناقشات جديدة بشأن الحاجة إلى العمل، وذلك لأنّ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بدراسة تغيّر المناخ (IPCC)، والتي أتولّى رئاستها، قد أثبتت بالفعل أن تغيّر المناخ حقيقة واقعة لا لبس ولا مجال للتشكيك فيها علميا. على سبيل المثال، حدثت تغييرات في أنماط هطول الأمطار، مع ميل نحو ارتفاع مستويات الهطول عند خطوط العرض العليا، وانخفاض مستويات الهطول على بعض المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، فضلا عن منطقة البحر الأبيض المتوسط. كما تزايد عدد مرّات تكرار الأحداث المفرطة المرتبطة بهطول الأمطار سواء بالزيادة أو النقصان والتي أصبحت أوسع نطاقا على نحو متزايد. فضلا عن ذلك فقد أصبح تكرار وشدّة موجات الحر والفيضانات والجفاف في ارتفاع. إنّ هذا التغيير في كمية ونمط الأمطار تترتّب عليه عواقب خطيرة بالنسبة للعديد من الأنشطة الاقتصادية، فضلا عن مدى استعداد البلدان للتعامل مع الطوارئ مثل الفيضانات الساحلية واسعة النطاق أو تساقط الثلوج بكثافة. إنّ بعض مناطق العالم أكثر عُرضة من غيرها لهذه التغيرات. فمعدلات ارتفاع الحرارة في منطقة القطب الشمالي، بشكل خاص، كانت ضعف مثيلاتها في بقيّة مناطق الكرة الأرضية. والحيود البحرية المرجانية، ومناطق الدلتا الكبرى (التي تقوم عليها مدن مثل شنغهاي وكلكتا ودكا)، والدول الصغيرة القائمة على جزر، أصبحت أيضا معرضة للخطر الشديد من جرّاء ارتفاع مستوى سطح البحر. من بين التأثيرات السلبية الأخرى التي قد تترتّب عن تغيّر المناخ: الانخفاض المحتمل لإنتاجية المحاصيل الزراعية. ففي بعض البلدان الافريقية على سبيل المثال قد تنحدر انتاجية المحاصيل بنسبة قد تصل إلى 50 بحلول عام 2020، كما سيؤدي تغيّر المناخ إلى زيادة ندرة المياه، وهو ما قد يؤثر بحلول عام 2020 على 75 إلى 250 مليون انسان في افريقيا وحدها. وبوجه عام فإنّ ارتفاع درجات الحرارة من المتوقع أن يتزايد بحلول عام 2100 ضمن نطاق يتراوح ما بين 1،1 درجة الى 4،6 درجة مائوية. ومن أجل التركيز على هذه المجموعة من النتائج، فقد وضعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ أفضل تقدير للطرف الأدنى من هذا النطاق عند 8،1 درجة مائوية، وأفضل تقدير للطرف الأقصى عند 4 درجات مائوية. وحتى عند أدنى تقدير فإنّ العواقب المترتبة على تغيّر المناخ قد تكون بالغة الشدّة في أجزاء عديدة من العالم، بما في ذلك زيادة الضغوط على المياه، والتأثيرات الخطيرة على الأنظمة البيئية وأمن الغذاء، فضلا عن تهديد أرواح البشر وممتلكاتهم نتيجة للفيضانات الساحلية. وقد تكون هناك أيضا عواقب خطيرة مباشرة على صحة الإنسان اذا لم نعمل على وقف تغيّر المناخ، وأبرز هذه العواقب ارتفاع معدلات المرض والوفيات نتيجة لموجات الحر، والفيضانات، والجفاف. فضلا عن ذلك فإنّ أنماط توزيع بعض الأمراض سوف تتغيّر، الأمر الذي يجعل التجمعات السكانية البشرية أكثر عُرضة للخطر. إنّ التأثيرات المترتبة على تغيّر المناخ عالمية، وعلى هذا فمن الأهمية بمكان أن يتخّذ العالم بأسره تدابير معيّنة ضرورية للتأقلم مع التغير. غير أنّه بات من الواضح أن قدرة بعض التجمعات البشرية على التكيّف سوف تنهار سريعا اذا لم نعمل على تخفيف حدة تغيّر المناخ. ولمساعدة هذه التجمعات الأكثر ضعفا وعُرضة للخطر فيتعيّن على العالم أن يضع خطّة عمل للحد من انبعاث الغازات المسبّبة لظاهرة الانحباس الحراري. ولقد تولّت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ تقييم العديد من السيناريوهات، لمعرفة السيناريو القادر على الحد من ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل بحيث لا تتجاوز 2 إلى 4،2 درجة مائوية. سوف يتطلب بلوغ مستويات انبعاث الغازات الضارة أعلى مستوياتها بحلول عام 2015، على أن تبدأ بالانحدار بعد ذلك التاريخ. وآنذاك سوف يحدّد معدّل الانحدار مدى قدرتنا على تجنّب أسوأ التأثيرات المترتبة على تغيّر المناخ. كما وجدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ أنّ تكاليف مثل هذه الجهود الصارمة للحدّ من التأثيرات المترتبة على تغيّر المناخ لن تتجاوز 3 من الناتج المحلي الإجمالي للعالم في عام 2030. فضلا عن ذلك فإنّ جهود التخفيف من شأنها أن تعود بفوائد مشتركة ضخمة: إذ أنّ انخفاض معدّلات انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الانحباس الحراري سوف يأتي مصحوبا بانخفاض معدلات تلوث الهواء ودعم أمن الطاقة، والناتج الزراعي، وتشغيل العمالة. ولو وضعنا في اعتبارنا هذه الفوائد المشتركة بالكامل، فهذا يعني أنّ صافي التكاليف بعد انفاق 3 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030 سوف يكون ضئيلا للغاية، بل وربّما يكون سلبيا، مقارنة بالفوائد المشتركة. وقد يصبح بوسع العالم في الواقع أن يعزّز من ناتجه الاقتصادي ورخائه من خلال ملاحقة مسار التخفيف. وهذا يعني أنّ ضرورة العمل الدولي تنبع من ملاحظتين مهمتين خرجنا بهما من عمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ. الأولى، اذا لم نعمل على الحدّ من انبعاث الغازات المسبّبة للإنحباس الحراري، فسوف يصبح من الصعب العمل على عكس اتجاه التأثيرات السلبية الناجمة عن تغيّر المناخ، الأمر الذي يعني تحميل الانسان وغيره من الأنواع قدرا أعظم من المصاعب وربّما الخطر. ثانيا، إنّ الفوائد المترتبة عن الحدّ من انبعاث الغازات المسبّبة للإنحباس الحراري سوف تكون ضخمة للغاية، وإذا ما وضعنا في اعتبارنا احتمالات الضرر الناتج عن التقاعس عن العمل، فإنّ هذا يحتّم على العالم أن يعمل لإبتكار استجابة دولية فعّالة ووضع خطّة عمل جادة. ونظرا للتحديات التي تواجهنا، والتي اتضحت بما لا يدع مجالا للشك نتيجة لعمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ. فلابد وأن ينتهي مؤتمر كوبنهاغن الذي من المقرّر أن يعقد في وقت لاحق من هذا العام إلى اتفاقية شاملة متعدّدة الأطراف وقادرة على التعامل بكفاءة مع مشكلة تغيّر المناخ.