أن تكون طفلا يعني بالضرورة أن تُسعد أهلك بوجودك.. فالأطفال هم رحيق الأسر، إذ يحقق قدومهم قدرًا من السعادة لوالديهما لا يمكن أن يمنحه شيء آخر. فأن تكون طفلا يعني أن تكون سعيدا بتلك الإحاطة والحبّ الذي يخصّك به الجميع، أهلك وأهاليهم وأصدقاؤهم. أن تكون طفلا يعني أن تنهل بل أن تعبّ من ذاك العطف الخالص الذي يسبغ عليك لأنّك لن تجده عندما تغادر مراتع الصبى. أن تكون طفلا يعني أن تملأ ذهنك الصافي بالقيم الخالصة وبالمعارف وبالسعادة، ولكن... هل نعيش طفولة واحدة؟ هل كل طفولة هي بالضرورة طفولة سعيدة ستنشأ فردًا سويّا؟ أليست الطفولة هي تلك الفترة التي تشكّل خلالها شخصية الفرد وترتسم رؤاه للعالم وللموجودات؟ أليس الطفل هو أب الرجل كما أكّد «سيغموند فرويد» بعد أبحاث طويلة؟ أليست بعض تصرّفات الكبار ترجع ضرورة الى مُسبّبات حدثت في الطفولة؟ ألسنا نحتضن رواسب طفولاتنا وبقايا صورها ونحن نواجه العالم كبارًا. فالطفولة ليست واحدة في كل بيت وفي كلّ أرض وسعادتها ليست سعادة مطلقة، فالطفل الكفيف لا يتلمّس مساره بذات الطريقة مع الطفل المبصر، ولا يستذكر تفاصيل صغره مُلوّنة وقزحية كالباقين، والطفل اليتيم الذي أفقدته حوادث المرور أبويه أو أحدهما لن ينظر إلى العالم بنفس نظرة من عاش مع أبوين وجدّين، والطفل المولود لأبوين منفصلين ستتلطّخ طفولته بطعم الفراق الذي ستُصاحبه مرارته طويلا، أمّا الطفل الفاقد للسند العائلي تماما لأنّه مهمل أو متروك فلن نجد لديه بالتأكيد نفس التفاصيل للوحة الطفولة السعيدة، وكذلك الطفل الذي وُلد مشوّها أو الطفل الذي نشأ معوقا، مهما كانت طبيعة الإعاقة وحجمها، قد يكون بعض هؤلاء في الكبر طلقاء من سجن الذكريات وشعارات الطفولة الحالمة، وقد ينشأ بعضهم أسرى الصور القديمة. فمن قضّى طفولته بين الجنان ليس كمن قضاها طفلا عاملا في الجنان، ومن قضى الطفولة متنقّلا من مستشفى الى آخر منسجما مع كلى عاجزة أو مصابًا «باللوكيميا» ليس كالطفل الذي انطبعت طفولته بمشاهد صيد العصافير واللهو مع الأقران، والطفل العربي الذي احتفلنا بيومه في مفتتح هذا الشهر ليس عينه في كل من تونس وفلسطين، وهو لا يتشابه والعالم يتنقل بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها.. فطفل «ستوكهولم» بالتأكيد ليس طفل «أديس أبابا»، وطفل الحرب الإفغانية السوفياتية ليس هو طفل الحرب الأمريكية الطالبانيّة، وطفل صور وصيدا وصبرا ليس طفل بيروت، وطفل العاصمة تونس ليس طفل قرية الكنائس مثلا. لذلك سنجد أنفسنا كهولا سابحين في ملكوت التنوّع ومدينين لطفولاتنا المتعدّدة.