في اطار الاعداد لاستشارة وطنية حول منظومة التكوين المهني انتظمت من 21 الى 25 ديسمبر 2006 ندوات اقليمية شملت كل الجهات وأشرف عليها ست وزراء وبحضور كافة الأطراف المعنية وشارك فيها الاتحاد العام التونسي للشغل. وتهدف هذه الاستشارة الوطنية حول التكوين المهني الى التعرّف على آراء ومقترحات الخبراء من مختلف الهياكل الوطنية والجهوية ذات الاهتمام بالتكوين المهني. ولعل توجه الحكومة نحو تعزيز مكانة التكوين المهني في المنظومة التربوية يهدف بالأساس الى إيجاد حلول للبطالة خصوصا وأن السيد الصادق القربي وزير التربية والتكوين أكد في إحدى التصريحات الصحفية أن تونس تحتاج خلال الخمس سنوات القادمة الى ما يقل عن 100 ألف خريج تكوين مهني ولعل توجه الحكومة نحو تعزيز مكانة التكوين المهني في المنظومة التربوية يهدف بالأساس الى ايجاد حلول للبطالة خصوصا وأن السيد الصادق القربي وزير التربية والتكوين أكد في احدى التصريحات الصحفية أنّ تونس تحتاج خلال السنوات القادمة الى ما يقل عن 10 آلاف خريج تكوين مهني في اختصاصات مختلفة من بينها الكهرباء والسياحة واللحام إضافة الى عشرات الآلاف من الخريجين في اختصاصات البناء المختلفة. ورغم الحوافز التي قدمتها الدولة واستثمار أكثر من 500 مليار منذ سنة 1998 إلا أن الجميع يقر بضعف المنظومة وعدم تأقلمها مع واقع سوق الشغل ومتطلباته، كما أن المنظومة التربوية لم تول أهمية للتكوين المهني على مستوى تثمين القدرات وتوفير فرص اندماج بين التكوين المهني والتعليم العالي على غرار أنظمة تربوية عديدة مثل سويسرا والنمسا وألمانيا وبلجيكيا. فالنظام التربوي التونسي هو الوحيد حاليا مقارنة بدول أوروبية الذي لا يتوفر به نظام توجيه يعطي مكانة مهمة للتكوين المهني وتعتبر تجربة النمسا الآهم في هذا المستوى. وفي هذا الاتجاه تأتي الهيكلة الجديدة لمنظومة التربية والتكوين التي تهدف الى ارساء هيكلة جديدة للتكوين المهني تمكن التلميذ من التوجه الاختياري للمسلك التعليمي أو المهني الذي يكون أكثر ملائمة لطاقاته وذلك من خلال تأمين التكامل الناجع مع منظومة التربية والتعليم. وتسعى الهيكلة الجديدة الى خلق إمكانية العبور بين منظومتي التربية والتكوين من خلال المرحلة الثانية من التعليم الاساسي العام وتمكين المتكونين في مسلك التكوين المهني من تحقيق طموحاتهم الطبيعية والمشروعة والتدرج الى مستوى الباكالوريا المهنية التي توفر لهم فرصة الالتحاق بالمؤهل التقني السامي وبمؤسسات التعليم العالي. وترى الهيكلة الجديدة أهمية التفكير في إحداث مرحلة تأهيلية مختلفة من حيث المواد التعليمية وطرق التدريس عن مرحلة التعليم الاعدادي العام مع المحافظة على قدر معين في مواد التعليم العام التي تمكن التلميذ من تحصيل المعارف الاساسية التي تضمن له الفرصة في متابعة أي من مسلكي التعليم سواء كان العام أو المهني. وتقر وزارة التربية والتكوين بوجود نقائص بمدارس المهن على المستويات القانونية والبيداغوجية والمادية هذا اضافة الى الصعوبات التي يلاقيها خريجو هذه المدارس المتمثلة في عدم الاعتراف بالشهائد المسندة لهم. ومن التصورات المقترحة للربط بين منظومتي التعليم والتكوين ربطا هيكليا، إحداث معابر في الاتجاهين بتمكين تلاميذ المرحلة الاعدادية بداية من السنة الثامنة من الدراسة في مسلك التعليم العام أو في مسلك ذي طابع تقني مع إمكانية الالتحاق مجددا بالتعليم العام بعد التقييم. وتهدف الهيكلة الجديدة الى تنظيم مسلك التكوين المهني في ثلاث مراحل : مرحلة أولى ومدتها سنتين تختم بشهادة الكفاءة المهنية. مرحلة ثانية وتتفرع الى مسلكين فرعيين متوازيين يفضي الأول الى مؤهل التقني المهني ويوجّه اليه المحرزون على شهادة الكفاءة المهنية وكذلك تلاميذ السنة الثانية من التعليم الثانوي، ومسلك ثان يفضي الى الباكالوريا المهنية ويوجه اليه المتفوقون من المحرزين على شهادة الكفاءة المهنية وتلاميذ السنة الثانية من التعليم الثانوي. أما المرحلة الثالثة فتدوم سنتين على الأقل تختم بمؤهل التقني السامي ويوجه اليها المحرزون على شهادة الباكالوريا المهنية وتمكن هذه المرحلة حاملي مؤهل التقني المهني من اجتياز امتحان الباكالوريا المهنية وإن نجحوا في المناظرة يمكن لهم التوجه سواء الى مؤهل التقني السامي أو الى المسالك الملائمة في التعليم العالي. التحديات والرهانات والنقائص رغم ما وفرته الدولة من اعتمادات مالية لفائدة قطاع التكوين المهني إلا أنه يوجد إقرار بعدم نجاح الخطة المرسومة ضرورة مراجعتها وهذا ما تقوم به وزارة التربية والتكوين حاليا. وتشير سلطة الاشراف الى أهمية التكامل الفعلي بين قطاعي التكوين والتربية وأقرت بأنه لم يتم التوصل بعد لهذا التكامل الفعلي لأسباب عديدة من بينها عدم وجود آلية مؤسساتية لتوجه التلاميذ نحو مسالك التكوين المهني في أي مستوى كان من التعليم المدرسي كذلك يوجد غياب المعابر في الاتجاهين، كفيلة بخلق تفاعل حقيقي بين المنظومتين. ومازالت المنظومتان تلتجئان الى حلول مؤقتة لمعالجة ظاهرة الانقطاع المدرسي المبكر والعزوف عن التكوين المهني وذلك في غياب آليات ناجعة لاستقطاب التلاميذ المهددين بالفشل أو الذين ليس لهم رغبة قوية للدراسة في مسلك التعليم العام وتنمية قدراتهم ومؤهلاتهم بما يمكنهم سواء باكتساب مهارات فنية أو العودة الى المسلك المدرسي. ويطرح نفس الاشكال بين منظومتي التربية والتكوين من جهة ومنظومة التعليم العالي من جهة أخرى حيث لا تتوفر امكانيات للعبور بينها باستثناء ما يتيحه المسلك التقليدي عبر شهادة باكالوريا التعليم الثانوي. أين التكوين المستمر ويقر التقرير الذي أكدته وزارة التربية والتكوين بوجود نقائص بالتكوين المستمر ناتجة عن تواصل تعقيدات الاجراءآت الادارية وغياب كفاءة حقيقية تعنى بالتصرف في التكوين بأغلب المؤسسات الاقتصادية إضافة الى عدم وجود تعبير عن الطلب يتركز على الحاجيات أولا وعلى استراتيجية الموارد البشرية ثانيا. ما سبب تواضع مردود القطاع الخاص؟ وبالرغم من الحوافز التي وفرتها الدولة لتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص للتكوين لم يتسن حسب التقرير تحقيق الأهداف المرسومة لهذا القطاع حيث لم يتعدّ عدد المتكونين المرسمين في الاختصاصات المنظرة 30 من الطاقة المتوفرة في هذه الاختصاصات ويرجع التقرير ذلك الى عدم تنوع الاختصاصات المحدثة بالهياكل الخاصة وعدم مسايرة حاجيات سوق الشغل، كذلك ارتفاع معاليم الترسيم في التكوين المفضي شهادات منظرة وأيضا ضعف نجاعة آليات تمويل التكوين الاساسي. ممثل الاتحاد في الاستشارة : التكوين المهني رهان لوقف التسريح والنهوض بالعمل اللائق مثل الاتحاد العام التونسي للشغل في الندوة الاقليمية للشمال الشرقي الأخ محمد الهادي الأخزوري، فاستعرض في كلمته إسهام الاتحاد في تطوير الجهود الرامية الى النهوض بالموارد البشرية عبر خطة عمل غايتها تفعيل دور الاتحاد في ميدان التفاوض من أجل النهوض بالشراكة بين مختلف الاطراف الاجتماعية حول ملف التكوين المهني. وتهدف هذه الخطة الى ادراك النتائج التالية: ان تصبح ثقافة التكوين المهني والتصرف في الكفاءات قاسما مشتركا لدى ممثلي الاتحاد العام التونسي للشغل الناشطين داخل هياكل الحوار الاجتماعي (لذلك تركز هذه الخطة على تبسيط المفاهيم لدى الاطارات النقابية حتى يتمكن هؤلاء من التخاطب بلغة واحدة مع شركائهم). ضبط وتملك قواعد وأساليب مشاركة الاتحاد في وضع نظام الاقرار بمكتسبات الخبرة المهنية عبر وضع إطار جديد للإقرار بالكفاءة مؤسس على معايير قابلة للتطبيق يمكن اعتمادها من قبل كل المتدخلين إدارة كانت أو مؤسسة، قطاعا كانت أو جهة، عموما كان أو خاص. ضبط وتملك قواعد وأساليب مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل في تنمية الشراكة حول التكوين المهني والمستمر وذلك بالمبادرة الفعلية لدعم كفاءة وقدرة الاطارات النقابية في مجال الحوار الاجتماعي والتفاوض حول عديد الأوجه الفنية المتعلقة بإصلاح منظومة التكوين المهني والتصرف في الموارد البشرية. هذا وقد أوضح ممثل الاتحاد أهمية التكوين المهني باعتباره أهم رهانات ايقاف نزيف التسريح من ناحية والنهوض بالعمل اللائق من ناحية أخرى مبينا دور العمل اللائق في تحقيق الاندماج الاجتماعي مذكرا بالأهداف الاجتماعية لمنظمة العمل الدولية لبدايات الألفية الحالية وفي مقدمتها أن تشكل البرامج القطرية وخطط التنمية سبيلا متكاملا للنهوض بالعمل اللائق عبر بوابة التكوين المهني بالدرجة الأولى. الخوف من كثرة التجارب ومن قلّة النتائج؟ ولا يمكن حسب تقديري النجاح في هذا البرنامج الطموح دون تشريك فعلي لكافة الاطراف المتدخلة في الملف، كما أنه من الضروري التفكير في كيفية ضم المسرحين من العمال في مثل هذه البرامج لإعادتهم مرة أخرى الى الحياة المهنية. ومن المسائل الهامة أيضا ان نتعض من بعض التجارب ونقيمها تقييما موضوعيا لمعرفة أسباب الفشل ثم النظر للمنظومة الجديدة من خلال امكانية توفيرها لشروط النجاح، والنجاح لن يكون مجسدا إلا بالحد من البطالة وإحداث تكوين ناجع يوفر حقا يد عاملة ماهرة قادرة على التأقلم مع سوق الشغل وهذا غير متوفر حاليا في المنظومة التربوية. ولعل أمثلة كتجربة المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية وما تم الحديث عنه من قدرتها على توفير متخرجين قادرين على ايجاد شغل في كل المؤسسات الاقتصادية كان غير صحيح وإن بقاء نسبة كبيرة منهم خارج دائرة الشغل يؤكد ضرورة تلافي هذه الأخطاء، خصوصا أيضا أننا بدأنا في تجربة نظام أمد وما نخشاه حقا أن تفشل التجربة ونعود بعد سنوات أخرى لنقر بذلك ونعيد التجربة مرة أخرى وذلك على حساب أجيال وأجيال.