أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 3 ماي 2024    حفاظا على توازناته : بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يرفع رأس ماله الى 69 مليون دينار    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الأولى إيابا لمرحلة التتويج    خليل الجندوبي يتوّج بجائزة أفضل رياضي عربي    الرابطة المحترفة الاولى – مرحلة التتويج – الجولة 6: جولة القطع مع الرتابة    البحيرة: إخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين من المهاجرين الأفارقة    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بسبب دعمها للكيان الصهيوني    مقتل 20 شخصا على الأقل جراء حادث سقوط حافلة في واد بهذه المنطقة..#خبر_عاجل    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    وسط أجواء مشحونة: نقابة الصحفيين تقدم تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية    بلدية تونس: حملة للتصدي لاستغلال الطريق العام    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    إيقاف 3 أشخاص من بينهم مفتش عنه من أجل السرقة وحجز 3 قطع أثرية بحوزتهم    طقس اليوم الجمعة    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    المغازة العامة...زيادة ب 7.2 % في رقم المعاملات    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    القبض على منحرف خطير محلّ 19 منشور تفتيش    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    القصرين: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    اجتماع تنسيقي بين وزراء داخلية تونس والجزائر ولبييا وإيطاليا حول الهجرة غير النظامية    القبض على مشتبه به في سرقة المصلين بجوامع هذه الجهة    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    بنزيما يغادر إلى مدريد    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العفيف الاخضر: الاصلاح الديني يهدف الى تطهير الاسلام من العنف الشرعي، حدودا او جهادا !
نشر في حقائق أون لاين يوم 20 - 06 - 2013

نواصل في هذه الحلقة الخامسة نشر حوارات المفكر التونسي المقيم بباريس العفيف الاخضر. باذن شخصي من المؤلف نفسه ننشر هذه المقالات الثمانية حول اصلاح الاسلام تليها دراسة تاسعة حول اصلاح اللغة العربية. نحن نعتقد ان كل هذا الجهد من العفيف لخضر لم يلق حظه بعد لدى الجمهور التونسي العريض. الحوار الذي هو عبارة عن ثمانية فصول انجزه كل من ناصر بن رجب و لحسن وريغ.
سبق لي ان التقيت بالعفيف الاخضر في العاصمة الفرنسية وتهاتفنا طويلا للحديث عن افكاره و طروحاته في ما أطلق عليه اصلاح الاسلام. للاسف الشديد فان الكثير من أفكار العفيف الاخضر و بصرف النظر عن توافقنا أو اختلافنا معها غير معروفة للجمهور التونسي . من هنا جاء اقتراحي للعفيف الاخضر لاعادة نشر مقالاته عندنا.
أعلم ان الكثير من افكار العفيف الاخضر صادمة للجمهور الاسلامي التقليدي و العديد منها مستفزة فكرا و لكنها في كل الحالات افكار للنقاش العام و دفع للجمهور التونسي للتعرف عليها و مناقشتها و تقديم نقد او دعم لها. كنت دائما مقتنعا ان من له ثقة في قناعاته و افكاره و معتقداته يجب ألا يخاف من الافكار و طرحها.
في فترة ما بعد الثورة التي نعيشها اليوم من الواضح ان هم اصلاح الفكر الاسلامي او اصلاح الاسلام ذاته كما يقول العفيف الاخضر بات أحد الرهانات الملحة في واقعنا العربي. بوصول الاسلاميين الى السلطة وانتشارهم في الشارع التونسي من المهم تقديم افكار نقدية للطرح الاسلامي من اجل دعوة جمهور الحركة الاسلامية والجمهور التونسي العام الى التفكير. لهذه الغاية نحن سعداء بتقديم هذه المقالات المتتابعة للعفيف الاخضر.
هذه دعوة ايضا الى جمهور الاسلاميين ومثقفيهم للرد و محاججة الفكرة بالفكرة.
و لمن لا يعرف العفيف الاخضر نكتفي بالقول انه أحد ابرز المثقفين التونسيين في قضايا الاسلام وهو مقيم في باريس منذ عشريات عدة ولم يعد الى تونس. العفيف الاخضر ونحن ننشر مقالاته في حقائق اون لاين ربما يعيش اخر سنة له بيننا في هذه الدنيا ومن المؤكد انه بمثل هذا الجهد سوف يترك افكارا جديدة للمناقشة للمهتمين بالفكر الاسلامي وتطوير العالمين العربي و الاسلامي.
في ما يلي جزء من مقدمة الفصول الثمانية ويليها الفصل الخامس من حوارات مبررات اصلاح الاسلام.
الفصل الخامس
5 خطر تذويب الفرد في الأمّة
* ولكن كيف يمكنك التوفيق بين التنزيل الصالح لكل زمان ومكان وتاريخيّة النص التي تفرضها علوم الأديان؟
** بتنزيل التنزيل في التاريخ الذي مارسه التنزيل نفسه على نفسه. فلا نكن ملكيين أكثر من الملك. فقد نسخ القرآن مئات الآيات التي تقادمت، أي فقدت صلاحية تطبيقها على الوقائع الجديدة وعوّضها بآيات "خَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا" كما تقول الآية. وبعد وفاة نبيّ الإسلام نَسَخ أبو بكر وعمر وعلي ومَعاذ بعض الآيات، كما نسخ الفقهاء بعض الآيات الأخرى والأحاديث، أَخُصّ بالذكر منهم أبا أحمد الونشريسي والفقيهين الطاهر الحداد وحسن عبد الله الترابي،وجمال البنا،ومحمد الطالبي وغالب بن شيخ؛في ما يخصني اقترحت،بدلاً من النسخ بالقطارة أي آية بعد آية،مبدأ عاماً :نسخ كل نص،آية أو حديثاً،يتعارض مع مصلحة المسلمين،أو مصلحة البشرية أو يصطدم بحقوق الإنسان،في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق المكملة له؛ألح هنا على نسخ جميع آيات أحاديث القرآن المدني السجالية أو العدائية لغير المسلمين بمن فيهم المشركين؛لأن إسلام القراءة الحرفية والولاء والبراء عمما هذه الآيات الظرفية، أي الخاصة بمكانها وزمانها، على جميع اليهود والمسيحيين والمشركين المعاصرين!.
* ولكن هل الآيات الروحية كالصلاة مثلا ليست خاضعة لضرورات تنزيلها في التاريخ الذي يسمح بتعديلها ونسخها؟
** غالبية الآيات التي نسخت، كانت آيات زمنيّة أي تتعلّق بشؤون دنيويّة مُتغيّرة. لكن لا بد من إصلاح بعض العبادات كالحجّ والصيام. شُرب كأس ماء كل نصف ساعة هو أمر طبّي مُلزم لسلامة الكِليتين والبروستات والجهاز الهضمي. فكيف يمكن الإمساك عن شرب ولو قطرة ماء واحدة طوال النهار خاصة في الصيف فضلاً عن انهيار الانتاج في رمضان؟ يهدف الإصلاح الديني أيضا إلى تطهير الإسلام من العنف الشرعي، حدودا أو جهادا، ومن إقصاء المرأة وغير المسلم من حقوق المواطنة الكاملة. كما ينبغي أيضا تطهيره من العنف ضدّ الذات، أي عقاب الذات، كتعبير عن المازوشية الأخلاقية، التي هي الشعور غير المبرّر بالذنب. مثل بعض شعائر الحج كرمي الجمار، التي تُسفر في كل موسم عن مذبحة من تدوسهم أقدام الحجيج المتحمسين لرجم الشياطين المُقيّدة أمامهم، وهي تعبير صارخ عن هذا الشعور العصابي بالذنب، الذي يتم تنفيسه في الشياطين المقيدة! تنفيس المشاعر المكبوتة صحي. لكن الثمن اليوم باهظ. من الضروري أيضا إعادة النظر في المحرمات الغذائية غير المبررة طبيا، وإلغاء العادات الوحشية مثل ختان البنات والذكور، الذي يعلمنا تاريخ الأديان المقارن أنه طقس فرعوني،ختان الذكور على الأقل. الصحابة لم يُختنوا بعد إسلامهم، ومحمد لم يولد مختونا كما تزعم الأسطورة.
* ما هي وسيلة التخلص من هذه العادات الفرعونية؟
** أولا بمنعها قانونا بما هي مناقضة لمبادئ حقوق الإنسان،وفي مقدمتها الحق في السلامة البدنية؛ ختان الذكور والإناث، بما هو تشويه للعضوين الجنسيين، هو انتهاك موصوف لهذا الحق.فضلاً عن مضار الختان الجسدية والنفسية.إذ أنه يشكل صدمة خصاء لضحاياه. وثانيا بتوظيف الإعلام والتعليم في إعادة تثقيف الوعي الجمعي بقيم الحضارة الإنسانية واللاعنف ضد الذات وضد الآخر.
*البعض لا يعترف بالنسخ في القرآن مُؤّولا له بأنه تعميم وتخصيص؟
** إنكار النسخ متأخّر جدا وقد يكون نتيجة للجدل الديني مع اليهود والنصارى، الذين استغربوا أن يُغيّر الله العليم بكل شيء رأيه من لحظة إلى أخرى، ممّا أحرج الفقهاء والمتكلمين، فلجؤوا إلى الهذيان أي إنكار واقعة النسخ تكذيباً للقرآن نفسه: «وما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها». القرآن كان ينسخ نفسه لسببين، إمّا لتغّير الوضع بعد نزول الآية المنسوخة أو بطلب من الصحابة. يقول البخاري : "نزل القرآن بطلب من الصحابة" وأُضيف ونُسخ أيضا بطلب منهم. مثلا، نسخ الآية 65 من سورة الأنفال : "… إن يكن منكم عشرون صابرون يَغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا…". يقول الطبري أن الصحابة"استعظموها" وطالبوا النبي بنسخها. فنُسِخت فورًا بالآية التالية لها : "الآن خفّف الله عنكم وعلِم أنّ فيكم ضُعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين…" (الأنفال، 66). وهكذا نُسخ ميزان القوّة الذي أقرّته الآية 65، أي مقاتل مسلم في مقابل عشرة مقاتلين مشركين، بميزان قوّة جديد أكثر واقعية أتت به الآية التالية لها: مقاتل واحد في مواجهة اثنين. هذه هي القراءة التاريخية للنّص، التي ينبغي أن تعلمها المؤسّسة المدرسية لأجيالنا الطالعة، لتتشرّب تنزيل التنزيل في التاريخ، كما فعل أبو بكر عندما نسخ حقَّ "المؤلّفة قلوبهم"؛ وكما فعل عمر وعلي ومعاذ عندما نسخوا آية الفيء؛ وكما نسخ الفقهاء الآية 282 من سورة البقرة : "إذا تداينتم بديْن إلى أجل مُسمّى فاكتبوه". كما نسخ الفقيه الونشريسي (القرن 15) حديث تحريم الزكاة على آل البيت؛كما نسخ الشيخ الطاهر الحداد تعدّد الزوجات، واللامساواة في الإرث بين الذكر والأنثى في كتابه"امرأتنا في الشريعة والمجتمع" (1930)؛ وكما نسخ الشيح حسن الترابي سنة 2006 اللامساواة في الشهادة والميراث بين الذكر والأنثى، وآية "سدرة المنتهى"، التي قال انها لا وجود لها. وأعاد في سنة 2009 نسخ الآية التي تحرّم على المسلمة الزواج من غير المسلم، معترفا للمسلمة بالحق في الزواج من اليهودي والمسيحي والوثني.ونسخه مطابق لمبدأ"الزواج للجميع"،المطبق في كثير من البلدان المتحضرة،لأن العقد بين الراشدين الراضين هو شريعة المتعاقدين.
لكن لابد من تشديد النبرة على أن هذا النقاش فقهي،إذن في قطيعة مع واقع عصره.عصرنا هو عصر القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان؛وهن أسمى من كل قانون وضعي وطني،فضلاً عن القوانين أو الأحكام الشرعية،التي لم تعد من العالم الذي نعيش فيه.نسخنا القرآن و الحديث أم لم ننسخ، ستديننا المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان في العالم،إذا نحن انتهكنا قوانينها ومواثيقها، الوحيدة المؤهلة اليوم للتمتع بالشرعية العقلانية،وهي الشرعية الوحيدة التي يعرفها ويعترف بها العالم الذي نعيش فيه.
هذا التوضيح ضروري لرفع التباس محتمل:اعتبار الشريعة حكماً أعلى في تشريعاتنا الجزائية والمدنية، والحال أن مكان الشريعة هو أرشيفات تاريخ الأفكار لتكون موضوعاً للدراسات العلمية والرسائل الجامعية ليس إلاّ.تطبيق العقوبات البدنية الشرعية،من جلد شارب البيرة إلى رجم الراشدين الراضين باسم الزنا،هو اليوم جريمة موصوفة.ولا أراه بعيداً ذلك اليوم الذي تتعهد فيه محاكم جنائية دولية لمحاكمة الدول التي تطبق العقوبات الشرعية.
* ألا ترى أن جماعات الفتاوى كما في المغرب، أو النهي عن المنكر في السعودية، التي تنطلق من اعتبار كل مسلم مسؤولا عن صحة دين أي مسلم آخر، مسؤولة عما تسميه أنت تذويب الفرد في الجماعة ؟
**بالتأكيد،بالممارسة الجماعية التي تُذوّب الفرد في كلّ يتعالى عليه، كالقبيلة،والطائفة والأمة، لتحويله،من فرد يختار قيمه ونمط حياته بنفسه،إلى عضو مطيع في قطيع القبيلة أو الطائفة أو الأمة، يقول ما قيل له كالببغاء:إذا قعد القطيع قعد معه،وإذا قام القطيع قام معه.وهكذا يغدو عاجزاً،في المجال الديني مثلاً،عن اختيار طريقته الخاصة في التدين إذ أن تديّن العضو المذوب في قطيع هو تدين كل عضو من أعضاء القطيع! مثلا في كرة القدم التي ترمز لروح القطيع وللمنافسة بين فريقين أو أمتين، تنفجر الانفعالات القبلية البدائية الصاخبة بين مؤيدي الفريقين المتنافسين. لكن ردود الفعل البدائية هذه لا تظهر في التنس أو الملاكمة. لأن المنافسة ليست بين قبيلتين بل بين فردين. في السعودية مثلا، تتجسس الميليشيا الدينية عن الناس، في كل مكان، لتنهال عليهم بالضرب إذا وجدوهم متلبسين ب"البدع". ورغم عقم هذا القمع، الذي نفر الشباب السعودي من الفرائض الدينية وأحيانا من الدين نفسه، فانهم مصرون عليه بعناد عصابي. تذويب الفرد في الأمة هو استمرار لتقاليد القبيلة في الجاهلية، التي كانت تصادر حرية كل فرد من القبيلة، لحساب روح القطيع القبلية، لحساب تذويب الفرد في القبيلة ليموت من أجلها في حروبها الحمقاء، مثل أخذ الثأر حتى لناقة جرباء؛فإذا حدث وتطور من عضو إلى فرد فتمرد على روح القطيع سماه القطيع"خليعاً"؛المغزى،أن القبيلة تبرأت منه ورفعت عنه حمايتها فبات دمه مهدور لأي كان؛استعادت الأمة،والأمة كلمة عبرية تعني القبيلة،الإسلامية هذا التقليد الجاهلي،فسمت الفرد المتمرد على انضباطها البقري وشعائرها الوسواسية"مرتداً"؛وحكمت بفصل رأسه عن جسده،كما فصل هو رأسه عن رأس القبيلة الجمعي!.
* تُلح منذ سنوات على ضرورة تشجيع استقلال الفرد، وعدم تذويب الفرد في الأمة الذي اعتبرته وصفة للإرهاب. فهل تستطيع تلخيص الإجراءات العملية المساعدة على عدم تذويب الفرد في الأمة؟
** أم الإجراءات هي إصلاح الإسلام، الذي يؤدي إلى باقي الإجراءات الأخرى، مثل تشجيع ميلاد الفرد، والتدين الفردي وحصر الدين في المجال الخاص – عملا بالآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم"؛ وتشجيع؛ الاختلاط في المدرسة، والنادي، والسينما، ووسائل النقل وفي كل مظاهر الحياة الاجتماعية، وتشجيع التعارف قبل الزواج، والعلاقات الحرة ومنع الزواج المفروض وزواج الأطفال، وإدخال التربية الجنسية العلمية في جميع المدارس منذ الإعدادي، وفرض تحديد النسل، وإعطاء الحق في الإجهاض، اعترافا للمرأة بحرية تصرفها في جسدها ونزعًا لفتيل قنبلة الانفجار السكاني، والتوقف عن تذنيب ملايين النساء العازبات. فقط في الشعوب البدائية، أو ذات الذهنية البدائية مثل شعوبنا، المرأة العازب أو العاقر تعتبر نذير شؤم. وتشجيع تقرير الفرد لمصيره في حياته اليومية. باختصار، الشروع، منذ رياض الأطفال، في تشجيع ظهور الفرد المتصرف في رأسه وفَرْجه، بحرية، في إطار القانون الوضعي العقلاني. هذه التدابير الضرورية تساعد على عدم تذويب الفرد في الأمة، الذي تمارسه اليوم مدرسة اللامعقول الديني تحقيقا لهدف أقصى اليمين الإسلامي، الرامي إلى تذويب الفرد في الأمة، لتجنيد الفرد الذي مُسخ إلى مجرد رقم، أي عضو في قطيع الأمة، التي يعطي بها معنى لحياته التي لا معنى لها. وهكذا يقبل أن يَنْحَر وينْتحر من أجلها، وأن يُطيع طاعة عمياء الناطقين باسمها، من رجال ونساء أقصى اليمين الإسلامي، وضرورة تشجيع التعليم والإعلام لكل المناشط، التي تشجع غرائز الحياة مثل تنظيم الحفلات والمهرجانات الموسيقية السنوية، والإكثار من المسلسلات الخاصة بنجوم الغناء، والموسيقى، وأعلام الأدب الباسم، وإحداث مواقع إنترنت وإذاعات وفضائيات غنائية وموسيقية، لترويج المشاريع الفنية والثقافية والسياسية القائمة على تحالف العلم والتقدم والديمقراطية؛ وفتح باب النقاش الحر على مصراعيه، بلا محرمات دينية أو سياسية. ذلك يعني إيجاد تعليم وإعلام بديلين، يشجعان البحث عن المعرفة الموضوعية، والدفاع عن الفلسفة الإنسانية الجديدة، المتمثلة في الدفاع عن قيم حقوق الإنسان، وحقوق الطبيعة على الإنسان، بدلا من كاريكاتور الإعلام والتعليم السائدين اليوم، الحاملين لروح القطيع التي تمحو الفرد محوا.
* المهربون الدينيون في المغرب يسمون الموسيقى مزامير الشيطان. فما سبب هذا العداء للموسيقى ؟
** أولا، أقترح تسميتهم بالناطقين باسم الجمود الديني. بالمناسبة يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي "من لم تطربه الموسيقى فقلبه ميت". عداؤهم للموسيقى، وحتى للضحك، هو تعبير عن الإكتئاب الُمستبطن وغريزة الموت الملازمة له. وهذا معنى " القلب الميت " عند المتصوف الغزالي. أثبتت دراسات الدماغ أن الموسيقى تنمي الذكاء. في أوروبا الأطفال ينامون ويستيقظون، منذ الولادة، على موسيقى خاصة بكل شريحة عمرية:لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون!.
* هل حقوق الإنسان هي الدين المدني؟
**نعم، فقد طَوّرت بعض القيم الدينية، بعد تصحيحها بقيم الفلسفة الإنسانية، وبعد تخليصها من العصبية الدينية. وهكذا غَيّر المقدّس موقعه، من تقديس الأساطير والرموز الدينية، إلى تقديس الشخص البشري وحقوقه. بإلغاء العقوبات البدنية، المُذِلّة للجسد البشري، بتشويهه بقطع يده أو يده ورجله من خلاف، أو دقّ عنقه وإعدامه. هذه العقوبات المبرمجة في الدماغ البشري، منذ العصر الحجري الأول، عندما بدأ الإنسان يصيد بسلاحه الحجري الحيوان والإنسان خاصة الأطفال والنساء. تقديس الله وحده لم يعد كافيا لتوحيد مواطني كل دولة-أمّة نظرًا لاختلاف مفهوم الله عندهم أو حتى لغيابه عند بعضهم. أما تقديس الشخص البشري، وحقوقه فكافٍ لتوحيدهم، وراء راية احترام حقوق الإنسان والطبيعة، التي ينبغي أن تكون هي جوهر العِقد الإجتماعي للقرن الحادي والعشرين. الصراعات الدينية والقبلية والايديولوجية الدامية، في الدول الدينية مثل إيران والسودان، تشهد على استحالة اتخاذ الطائفة قاسما مشتركا بين المواطنين. مثلا في العراق والسودان الكرة توحد السني والشيعي , والمسلم والمسيحي والوثني في السودان لكن الانتماءات الطائفية والدينية تمزقهم. الدولة الدينية تستمد شرعيتها من الدين، أما الدولة المدنية فتستمد شرعيتها من احترام القانون الوضعي العقلاني، وفصل السلطات، ومن احترام حقوق الإنسان. إصلاح الإسلام كفيل بتغيير القيم وإعادة تأسيسها عقلانيا. من هنا أهميّة تدريس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي لا يتجاوز بموادّه الثلاثين صفحتين منذ الإبتدائي، لتحديث العقلية الإسلامية التي يمثل تطويرها رهانا كبيرا للتصالح مع الحداثة، أي مع العالم الذي نعيش فيه؛ عسى أن نتحوّل من موضوع للتاريخ إلى مساهم في صنعه. وكذلك تدريس ملحقاته كالإتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والإتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة، والإتفاقية الدولية لحماية الأقليات.
*ماذا تقصد بإعادة تأسيس القيم الدينية عقلانيّا؟
** شيئا قريبا من تغيير طبيعة القيم عند نيتشه. مثلا قيمة الأخُوّة، لن تعود أُخوة بين المؤمنين فقط، بل تتطور لتصبح أخوةً عابرة للثقافات والديانات؛ أخوة بين جميع المواطنين والبشر جميعهم بما هم متساوون في الحقوق والكرامة، بصرف النظر عن دينهم، وجنسهم،وجنسيتهم ولونهم، ثم بين البشر والطبيعة، أي الأشجار والحيوانات، التي يُبيد التلوّث آلاف الأنواع منها تمهيدا لإبادة البشر أنفسهم. بالمثل، قيمة التضامن، التي هي اليوم قيمة مركزية للعيش معا داخل كل بلد وداخل كل القرية الكونية، لا يعود التضامن، بالإصلاح الديني، غريزيّا ودينيّا بين أعضاء قبيلة المؤمنين، بل يتطور ليغدو تضامنا واعيا ببواعثه وأهدافه الإنسانية، التي تتعالى على الروابط العتيقة سواء كانت إثنية أو دينية. وهكذا فكثير من القيم الدينية قابلة للتطور إلى قيم عقلانية كونية، في خدمة الانسان بما هو انسان – محض انسان – ،حتى عندما تكون ذات منشأ ديني. كالأخوة التي يجسدها الصليب الاحمر حيث يضحي شباب أحيانا بحياتهم، من أجل انقاذ حياة الآخرين، الذين لا تربطهم بهم روابط قومية أو دينية. فمتى نرى الهلال الأحمر يرقى إلى مثل هذا المستوى من الحس الانساني ؟
* تبدو متفائلا جدا في عالم تطحنه الأزمة ويموج بالتناقضات من كل نوع. و قد يبدو تفاؤلك للبعض ساذجا عندما تتحدث عن الأخوّة البشرية، بينما في الواقع العالم يعيش في صدام الثقافات، والعالم الإسلامي تأكله الحروب الدينية والطائفية؟
** أنا أشتغل على سيناريوهين اثنين : المتشائم والمتفائل، وأراهن على هذا الأخير كمجرد إمكانية واعدة. متمنّيا أن لا تتحقق نبوءة فلوبير "المستقبل هو أسوأ ما في الحاضر". أما إذا اشتغلت على السيناريو المتشائم، أي الكارثي، فلا يبقى لي إلا الصمت. فالعالم مهدّد بسلسلة من الكوارث كالعرائس الروسية يُغطي بعضها البعض. مثلا، انهيار مالي عالمي يغطي سيناريو الحمائية الجمركية، وهذه الأخيرة تعطي سيناريو الفاشية والحرب؛ وهو السيناريو ذاته الذي اكتوت به البشرية في الثلاثينات. ولكن هذه المرة يعطي سيناريو احتمال الحرب النووية ولو المحدودة. ونتيجة لذلك ارتفاع حرارة المناخ إلى 4 درجات في مستقبل منظور، وهذا يغطي سيناريو انفجار آبار الميتان في البحار الكفيلة بإبادة النوع البشري.
استخدامي للسيناريوهين يستمد مشروعيته من فرضية أن الصيرورة التاريخية هي صراع بين الاتجاه المتفائل والاتجاه المتشائم، وحصيلتهما هي التاريخ المتحقق فعلا. شعاري هو الحديث الشريف القائل : "إذا قامت الساعة وبيَد أحدكم فسيلة فليغرسها". إصلاح الإسلام هو هذه الفسيلة التي لا بأس من غرسها حتى في لحظة النفخ في الصور…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.