يسري اللواتي يحفل التاريخ التونسي المُعاصر، بالعديد من المحطات المهمة، التي سطر ديناميكيتها الحراك الاجتماعي والشعبي في تونس، رفضا لتوجهات أو قرارات كان لها انعكاس سلبي ومباشر على الحياة اليومية للمواطنين، فكان من ذلك الحراك "انتفاضة علي بن غذاهم في سنة 1864" و"انتفاضة الخبز في سنة 1983". ويصادف تاريخ اليوم الجمعة 29 ديسمبر 2017، انطلاق شرارة احداث "انتفاضة الخبز" من مدينة دوز في 29 ديسمبر 1983 بعد اعلان الوزير الأوّل آنذاك في حكومة الرئيس الحبيب بورقيبة محمد المزالي مضاعفة أسعار العجين ومشتقاته. وانتقلت الاحتجاجات من سوق الأحد إلى مدينة دوز ثمّ إلى وسط مدينة قبلّي ومنه إلى ولاية قفصة في 1 جانفي 1984 ثمّ الحامة وإلى تونس العاصمة في 3جانفي 1984. وتختلف الأراء والقراءات بخصوص أحداث "انتفاضة الخبز" بين من يراها تحركات شعبية مشروعة ومن يعتبرها "مؤامرة"حيكت من أطراف داخلية وخارجية، كان الهدف منها عزل مزالي من منصب الوزير الاول والذي يُنظر اليه من الفاعلين السياسييين آنذاك بأنه سيكون خليفة للرئيس بورقيبة. من أصدر القرار ؟؟ .. يقول الوزير الأول محمد مزالي في حوار أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 22 جانفي 2004، إن بورقيبة هو الذي أصدر الأمر بالترفيع في أسعار الخبز والعجين ومشتقاته مستندا إلى تصريح أحد المسؤولين آنذاك وهو الباجي قائد السبسي"، كما ذكر أنه كان عليه تطبيق قرارات الرئيس بورقيبة بالتوازي مع اتخاذ اجراءات للتخفيف من حدة وقع ذلك القرار. وفي المقابل قال الوزير السابق الهادي البكوش (أدار الحزب الاشتراكي الدستوري سنة 1984)، في تصريح لحقائق أون لاين، إن مزالي هو من اتخذ قرار الترفيع في أسعار العجين ومشتقاته. وجاء في الرائد الرسمي بتاريخ 3 جانفي سنة 1984، نص قرار أصدره وزير الاقتصاد الوطني آنداك رشيد صفر بتاريخ 1983/12/28، واطلع عليه الوزير الأول محمد مزالي، يتعلق بأسعار بيع أصناف الخبز انطلاقا من من غرة جانفي 1984. المؤامرة التي استهدفت مزالي .. واعتبر المزالي في ذات الحوار أن ما جدّ من أحداث في ذلك الوقت لا يعدو إلا ان يكون "مؤامرة حيكت من فوق" ولم تنبثق من الشعب، ليدعم توجهه عبر تقديم أدلة وحجج ترجح كفة التدخل الخارجي لافتعال "المؤامرة"، من قبيل "انعكاسات طرد ما لا يقل عن 32 ألف عامل تونسي من ليبيا في أوت وسبتمبر وأكتوبر من سنة 1985 وجرى حجز أموالهم وأرزاقهم وأمتعتهم وتجميد وحجز مكتسبات شركة تونس الجوية وتقدر بعشرة مليارات سنتيم إضافة الى الانعكاسات التي نتجت عن إقدام إسرائيل على قصف حمام الشط بالقنابل في أول أكتوبر 1985 ثم اقدام الولاياتالمتحدة على قصف طرابلس وإحجام السياح عن زيارة تونس لقربها الجغرافي". وخلص مزالي إلى أن هذه العوامل تقيم الدليل على طبيعة الصعوبات التي فرضت على تونس، معتبرا أن أكبر صعوبة، وكان يمكن تجاوزها، هي ضعف المدخرات من العملة في البنك المركزي في أوائل 1986 أي قبيل اقالته. مخطط لازاحة "خليفة بورقيبة" .. ويؤكد هذا التوجه المؤرخ عبد اللطيف الحناشي، الذي قال إن أحداث الخبز كانت بمثابة "مؤامرة من الداخل والخارج" خاصة من فرنسا، لازاحة مزالي الذي كان رائد "التعريب" في ذلك الوقت. وذكر أنه كان لفرنسا أياد في "المؤامرة"، باعتبار انزعاجها من الوزير الأول محمد مزالي الذي اشتهر آنذاك بكونه رائد التعريب في تونس. ويتابع المؤرخ عبد اللطيف الحناشي في تصريح لحقائق أون لاين، أن من بين أسباب اعتبار الأحداث "بالمؤامرة"، كونها كانت متجهة لإيجاد بديل عن مزالي الذي تولى منصب الوزير الأول إضافة الى عزله كي لا يُعتبر كخليفة لرئيس الجمهورية آنذاك الحبيب بورقيبة. كما يؤكد الحناشي في السياق ذاته على أن قرار الترفيع في أسعار العجين ومشتقاته آنذاك، كان قد تم الاتفاق عليه مسبقا بعد "حملة منظمة" قادها عدد من المسؤولين الكبار في الدولة لعزل مزالي الذي عرف بكونه قريبا "موضوعيا" من الاتجاه الاسلامي، مرجحا ان يكون ذلك سببا وتمهيدا لتاريخ 7 نوفمبر 1987.