دخل الدستور التونسي حيز التنفيذ و التونسيون بين متفائل لهذا الدستور و بين متحفظ لبعض فصوله. لكن المثير للإهتمام أن أهم الفصول و هي الفصل 13 المتعلق بصفقات الثروات الطبيعية لم تلاقي إهتماما من خبراء القانون و الإقتصاد. ماهي حيثيات إدراج الفصل 13 ؟ ماهي النقائص التي يتضمنها الفصل 13 ؟ هذه الأسئلة و غيرها نطرحها على الأستاذ نبيل فرحات المتحصل على المرحلة الثالثة في العلوم الإقتصادية من جامعة جورج تاون و على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا مدرسة وارتون . كيف ترى الفصل الخاص بصفقات الثروات الطبيعية في الدستور الجديد ؟ بإختصار أرى انّه أضاع فرصة تاريخية على الشعب التونسي و أجياله المقبلة، و كشف لنا مدى أهمية مسألة الثروات الطبيعية و أثرها في المشهد السياسي التونسي. هل يمكن لك أن تستعرض لنا حيثيات ادراج الفصل 13 الخاص بالثروات الطبيعية في الدستور؟ أولا مسودّة الدستور المعروفة بمسودّة جوان 2013 لم تحتوي على أيّ فصل خاص بالصفقات الطبيعية. النسخة الجديدة ألا و هي النسخة التوافقية التي خرجت من رحم الحوار الوطني و بمساهمة المجتمع المدني، لم تتضمن هي الاخرى أي فصل خاص بالثروات الطبيعية او بصفقاتها. عند بداية مناقشة فصول الدستور للموافقة عليها، لم يتضمّن جدول أعمال لجنة التوافقات أيّ نصّ بخصوص المسألة. لا تسمح الطريقة المعتمدة لمناقشة الدستور بادراجه في لجنة التوافقات. تمّ رفض ادراج الموضوع صلب اللجنة مرارا. عندها انبرت عدّة شخصيات وطنية بمعيّة نواب بالمجلس و على رأسهم السيّد النائب شفيق زرقين و المرحوم محمّد العلّوش الى طرح فصل على الجلسة العامة لإضافة نصّ في الدستور في محاولة لمباغتة القوى المعارضة لادراج نصّ يحصّن ثروات البلاد في الدستور و التي تمثّلها اساسا داخل المجلس كتلة حزب حركة النهضة. و تمّ ذلك يوم 6 جانفي 2014. حيث قدّم النائب شفيق زرقين نصّ الفصل الخاص بالثروات و عرضه على الجلسة العامة و طلب التصويت عليه. ماهي النقاط الرئيسية التي يتضمنها نص الفصل الذي قدمه النائب شفيق زرقين؟ كان يحتوي النصعلى ثلاثة نقاط رئيسية. النقطة الاولى هي وجوب نشر كل العقود و الاتفاقيات المتعلقة بصفقات الثروات الطبيعية و حساباتها في الرائد الرسمي. النقطة الثانية هي الاقرار دستوريا بان الثروات الطبيعية هي ملك للشعب التونسي تتصرف الدولة فيها باسمه عبر موافقة مجلس النواب. النقطة الثالثة هي تقسييم و توزيع مداخيل الثروات الطبيعية بين ميزانية الدولة و ميزانيات الجماعات المحلية بحسب ما يضبطه القانون . و هل تمت الموافقة عليه ؟ تمّ اسقاط الفصل بتصويت 81 نائبا سلبا على الفصل من بينهم 67 نائبا عن كتلة النهضة. و عندها تلاشت حظوظ الشعب التونسي في ايجاد فصل خاص بالثروات الطبيعية في دستوره خاصة و أن التصويت قد انتهى في ذلك الباب الاول و أكد المقرر العام للدستور و رفض امكانية ادراج اي فصل شبيه في أي باب آخر. هل هناك نواب أخرون سعوا إلى إدراج إقتراح فصول مثل هذه ؟ نعم كانت النائبة مبروكة بن مبارك بمعية آخرين قد استبقت مسألة طرح فصل الثروات و حاولت وضع صمام أمان في الفصل 10 يوم 4 جانفي بإدراج عبارة "وكل ما من شأنه رهن الموارد والسيادة الوطنية" في الفصل 10. و ماذا كان مصير الفصل 10 بعد إقتراح النائبة مبروكة بن مبارك ؟ تمّ تسليط ضغوطات كبيرة على النائبة مبروكة بن مبارك للإدلاء بتفسير لعبارة "وكل ما من شأنه رهن الموارد والسيادة الوطنية" المدرجة في الفصل 10 تستثني منه الثروات الطبيعية و عندما رفضت تماما قدّمت النهضة تحت عنوان "التوافق" تعديلا يوم 20 جانفي لحذف العبارة من الفصل 10 بالعودة إلى الفصل 13 هل ترى فيه نقائص ؟ الفصل 13 في صيغته الحالية الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه. تعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب. وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة. هنا تلاحظون التلاعب الواضح و الضحك على الذقون. أولا مستوى عقود "الاستثمار" في الجملة الأولى "تعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب " بمعنى أن عقود الاستثمار تعقد خارج المجلس و تُعرض على اللجنة فقط لا شيء آخر. من جهة أخرى الإتفاقيات , هي التي تُعرض على المجلس العقود لن تعرض على المجلس , فقط تطّلع عليها اللجنة. الصيغة لا تحتوي على عبارة "و تنشر وجوبا" و التي تمّ حذفها عند التوافق. فالعقود لن تُنشر . و هنا مسألة نشر العقود و الحسابات أمر هام للغاية إذ انّه رادع مانع لأي تجاوزات كبيرة و مُكلفة في القطاع. فالسؤال المحوري هو كيف تتحول كتل أحزاب داخل المجلس و تحديدا كتلة حركة النهضة إلى كتلة مدافعة عن حذف وجوب نشر عقود صفقات الثروات الطبيعية و حساباتها في الرائد الرسمي و لماذا؟ و لعلّ الإجابة الواضحة على هذا السؤال تعطينا الإجابة الواضحة أيضا عن كلّ ما يحدث في تونس و تعطينا تفسير كلّ شيء.