أثارت استقالة رئيس أركان جيش البرّ الجنرال محمد الصالح الحامدي من منصبه جدلاً كبيراً خصوصاً وان وزارة الدفاع الوطني نفت ليلة أمس الثلاثاء صحة هذا الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتعود وتؤكد الاستقالة في بلاغ لها اليوم الاربعاء. ومع تأكيد هذا الخبر، اختلفت قراءات مختلف الأطراف لدلالة هذه الاستقالة حيث ردّها البعض إلى ثغور في أداء المؤسسة العسكرية مع ظاهرة الإرهاب خاصة بعد عملية الشعانبي الأخيرة التي أودت بحياة 15 جندياً. في حين رآها البعض الآخر نتيجة طبيعية للخلافات التي ميزت العلاقة بين رئاسة الجمهورية وقيادة أركان جيش البرّ، وفق ما تتناقله بعض الأطراف، علماً وان وزارة الدفاع الوطني قالت في بلاغها الصادر اليوم ان أسباب استقالة الجنرال شخصية دون أن تذكر أية تفاصيل إضافية. تأويلات عديدة وفي محاولة للوقوف على الأسباب المحتملة لاستقالة رئيس أركان جيش البرّ، اتصلت حقائق أون لاين بأستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية قيس سعيّد الذي ذكّر بان خبر استقالة الجنرال محمد الصالح الحامدي تردّد يوم أمس ثم كذبته وزارة الدفاع واليوم قدم استقالته من جديد وتمّ قبولها. وأكد سعيّد ان ذلك يدلّ على إصرار الجنرال على الاستقالة من هذه المسؤولية الهامة التي يتولاها مضيفاً انه تمّ تبريرها بأسباب شخصية دون الإفصاح عن أي شيء آخر مما سيثير العديد من الأسئلة على غرار لماذا الآن؟ وما هي الأسباب التي دفعته لا إلى تقديمها فحسب بل إلى التمسك بها والإصرار عليها؟ وأردف بالقول انه في غياب توضيح رسمي فإن القراءات والتأويلات ستتعدد خاصة بعد أحداث القصرين والكاف وبعد اشتداد الاقتتال في ليبيا مبيناً انه لا يملك الإجابات و استدرك قائلا ان الاستقالة في هذا التوقيت وفي ظلّ هذه الظروف تمثل حدثاً هاماً. وشدد قيس سعيّد في المقابل على ان المؤسسة العسكرية منضبطة وسيبادر رئيس الجمهورية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى تعيين ضابط جديد في هذا المنصب وبالتالي لن يكون هناك فراغ أو شغور ولن يتأثر أداء الجيش الوطني بهذا التغيير. عوائق سياسية تحول دون مكافحة الإرهاب من جانبه، بيّن رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل نصر بن سلطانة ان العمليات الإرهابية الأخيرة أثبتت وجود عديد الثغرات في العمل العسكري المرتبط بمكافحة الإرهاب. وأضاف بن سلطانة في تصريح خصّ به حقائق أون لاين ان المؤسسة العسكرية تتمتع بكفاءات عالية على مستوى التدريب والعمليات وهي قادرة على التعامل مع هذه الظاهرة مشيراً إلى وجود عوائق تحول دون قيام المؤسستين العسكرية والأمنية بواجباتهما على احسن وجه. وأوضح ان هذه العوائق هي سياسية تتعلق بالتعامل مع الظاهرة الإرهابية المرتبطة بمصالح محلية ودولية، مؤكداً ان بعض الأطراف في تونس وخارجها ليس من مصلحتها القضاء على الإرهاب لأن المطلوب ان تبقى تونس خزاناً إرهابياً استراتيجياً من خلال تجنيد الشباب التونسي واستغلاله سواء في تونس أو خارجها مثل سوريا والعراق وذلك في إطار خدمة أجندات خارجية بعيدة كلّ البعد عن المصلحة الوطنية، على حدّ تعبيره. وقال محدثنا ان أي قيادي عسكري، وبشكل خاص إذا كان في منصب هام، واع بالتجاذبات السياسية سيكون مضطراً إلى تقديم استقالته إذا لم يتمكن من القيام بدوره مشدداً على ضرورة ان يتحمّل كلّ طرف مسؤوليته ولافتاً النظر إلى ان القيادات العسكرية ليست هي من يتحمّل هذه المسؤوليات نظراً إلى كفاءاتها المشهود بها لها وإنما تحديد المسؤولية يكون على مستوى القيادات السياسية. وتابع قائلاً ان الإشكال في مكافحة الإرهاب مرتبط أساساً بأصحاب القرار السياسي مبرزاً ان هناك بعض الأطراف تعمل كي تبقى تونس خزاناً للإرهابيين ومصدر تهديد للانتقال الديمقراطي، كما تريدها ان تكون تهديداً لبعض دول الجوار كالجزائر ولذلك تقوم بتهيئة ظروف أمنية في تونس علاوة عن الأوضاع المتوترة في ليبيا ومالي مما سيؤدي إلى محاصرة الجزائر، خدمة لأجندة دولية، حسب تأكيده. واعتبر رئيس مركز دراسات الأمن الشامل ان استقالة رئيس أركان جيش البرّ قد تربك نشاط المؤسسة العسكرية، مؤكداً ان هذا ما تسعى إليه بعض الأطراف من خلال الدفع إلى مثل هذه الاستقالات والتشكيك في الجيش الوطني، ومشيراً في هذا الإطار إلى ضرورة دعم المؤسسة العسكرية ورفض كلّ محاولات التشويش عليها والتشكيك فيها. ولدى سؤاله عن هوية هذه الأطراف، رفض نصر بن سلطانة الإفصاح عنها مكتفياً بالقول انه يجب ان نبحث عن الجهات السياسية التي لها أجندات حزبية وخارجية بعيدة عن مصلحة الوطن معتبراً ان اللبيب من الإشارة يفهم. وأفاد بن سلطانة بأنه قد يتمّ خلال الأيام القليلة القادمة الكشف عن هذه الأطراف.