ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    مدير معهد الإحصاء: كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار    وزير التشغيل والتكوين المهني يؤكد أن الشركات الأهلية تجربة رائدة وأنموذج لاقتصاد جديد في تونس    تونس في الإجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الأعمار والتنمية(BERD).    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    اصدار بطاقات إيداع في حق مسيري جمعيتين اثنتين ومسؤولين سابقين بعدد من الإدارات ( محمد زيتونة)    وزير الداخلية الفرنسي: الشرطة قتلت مسلحا حاول إشعال النار في كنيس يهودي    بن عروس: اندلاع حريق بمستودع قديم وغير مستغل    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة : التونسي احمد بن مصلح يحرز برونزية مسابقة دفع الجلة (صنف اف 37)    تفكيك شبكة لترويج الأقراص المخدرة وحجز 900 قرص مخدر    القيروان :الاحتفاظ ب 8 اشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوتية يعملون بشركة فلاحية    الحماية المدنية: انقاذ طفل على اثر سقوطه ببئر دون ماء عمقه حوالي 18 متر    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    بن عروس : انطلاق ملتقى الطاهر الهمامي للإبداع الأدبي والفكري في دورته العاشرة    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    الخارجية الألمانية.. هجمات المستوطنين على مساعدات غزة وصمة عار    رسميا.. سلوت يعلن توليه تدريب ليفربول خلفا لكلوب    اكتشاف جديد قد يحل لغز بناء الأهرامات المصرية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    قيس سعيد يُعجّل بتنقيح الفصل 411 المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد.    سعيّد يأذن بتنقيح فصولا من المجلة التجارية    أب يرمي أولاده الأربعة في الشارع والأم ترفضهم    خلال لقائها ببودربالة...رئيسة مكتب مجلس أوروبا تقدّم برنامج تعاون لمكافحة الفساد    أولا وأخيرا ..«سقف وقاعة»    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24،5 %    عاجل/ إسبانيا تتخذ اجراء هام ضد الكيان الصهيوني..    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    وزير الفلاحة: المحتكرون وراء غلاء أسعار أضاحي العيد    الديوانة تحجز سلعا مهربة فاقت قيمتها ال400 مليون    حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة الأثري...القبض على 5 متورطين    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    المنستير: عدد حجيج الولاية لموسم الحج الحالي بلغ 590 حاجا وحاجة    تقريرنقابة الصحفيين: ارتفاع وتيرة الاعتداءات على الصّحفيين في شهر أفريل    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البطولة العربية للأردن : تونس تشارك ب14 مصارعا ومصارعة    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    إتحاد الفلاحة: المعدل العام لسعر الأضاحي سيكون بين 800د و1200د.    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    القصرين: وفاة شاب في حادث مرور    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    النائب طارق مهدي يكشف: الأفارقة جنوب الصحراء احتلوا الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهادي التونسي السابق طارق المعروفي:أعارض أيّ عمل مسلّح لتغيير الأوضاع في تونس وفي أي مكان
نشر في حقائق أون لاين يوم 19 - 08 - 2014

وُلد طارق المعروفي بغار الدماء ولاية جندوبة غرب العاصمة تونس سنة 1965، غادر البلاد سنة 1988 باتجاه بلجيكا لدراسة الصحافة ولم يتيسّر له ذلك. ثم اضطرّ للشغل بعدة أعمال واستقرّ بإذاعة "الوطن" الناطقة بالعربية في بروكسال وهي مؤسسة لها توجّه قومي عربي مدعومة من حزب البعث العراقي، وتلقّى في الأثناء تكوينا صحفيّا بمعهد خاصّ. وحصل على الجنسيّة البلجيكية سنة 1993.
اُعتُبر من منظّري الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر وأُلقي عليه القبض مع جزائريّين ومغاربة، وكان من مؤسّسي مجلّة "الأنصار" التي تصدرها الجماعة الإسلامية المسلّحة من ستوكهولم التي شارك في تحريرها هاني السباعي وأبو قتادة وأبو الوليد الأنصاري وعبد المؤمن السلفي وأبو المعالي منصور الجزائري، ونشرة "الشهادة" الأسبوعية التابعة لنفس التنظيم وكانت تصدر في أفغانستان، كما كتب في مجلة "الموقف" و"صوت المجاهدين" التابعتين للحزب الإسلامي الأفغاني.
عاد إلى تونس سنة 2012 بعد قضائه عشرة أعوام بالسجن في بلجيكا إثر محاكمته فيما عُرف بملف خليّة بروكسال. وخلال سنوات السجن تمّ تمكينه رغم تصنيفه إرهابيا من الدراسة عن بعد وتمكن من دراسة القانون الدستوري البلجيكي وكذلك التنظيم الإداري والسياسي والتصرّف.
وفي هذا الحوار مع "الضمير" يكشف طارق المعروفي عن أطوار من سيرته الذاتية داخل التيار الجهادي وعن مآل المراجعات الفكرية التي قادته إلى تبنّي الديمقراطية نموذجا للتعايش.
التقينا المعروفي في تونس واستظهر لنا بوثيقة التسجيل في الانتخابات المقبلة، مؤكد قناعته بضرورة التغيير السلمي في تونس. ولم يستبعد محدثنا أن تتعرض حياته للخطر نتيجة التحوّل الفكري الذي عبّر عنه.
ارتبط اسم طارق المعروفي بما يُعرف بخليّة بروكسال، ما هي ملابسات تكوين هذه الخليّة وأهدافها ؟
خليّة بروكسال منذ بداية التسعينات قامت بتأطير المتطوّعين من جميع الجنسيّات وإرسالهم لمؤازرة المسلمين في البوسنة والهرسك وأفغانستان والجزائر والشيشان، كنت أشرف على هذه الخليّة وأتولّى منح التزكيات الخاصّة للمتطوّعين للسفر. انتمى إلى الخليّة تونسيّون وجزائريّون ومغربيّون قاموا بتنصيبي أميرا عليهم. وإثرها تمّ تأسيس "بيت التوانسة" في الجزائر. وكان للخليّة علاقات وطيدة ببعض رموز الحركات الجهادية كأبي مصعب السوري والجزائري الشريف قواسمي وكانت تدعم العمل الدعوي من خلال محاضرات في أوروبا من أجل بث عقيدة الجهاد والتعريف بمآسي المسلمين وانتهاكات حقوق الإنسان خصوصا في تونس حيث نظّمت هذه الخليّة دراسات ومعارض مدعومة بالصّور وبالأشرطة السمعية والبصرية عن تونس وما يتعرّض له المعارضون الإسلاميّون بدرجة أولى هم وعائلاتهم.
ومن موقعي في إذاعة "الوطن" كنت أركّز في نشرات الأخبار على الواقع التونسي وأتقصّى أخبار المساجين التونسيّين والتعريف بأوضاعهم وحثّ الهيئات الدولية من أجل التدخّل لفائدتهم. وفي هذا الصدد ربطت أيضاً علاقات مع أحزاب بلجيكيّة.
وبعد خروجي من السجن أواخر سنة 1995 عدت إلى ممارسة العمل السياسي وإعادة هيكلة المجموعة بتأسيس "معهد أبحاث ودراسة الحضارات" بهدف تقريب الثقافات المختلفة بحكم تواجد جنسيات مختلفة في بلجيكا، إضافة إلى نشاط حقوقي بالتعريف بما تتعرّض له النخبة السياسية في سجون النظام الحاكم في تونس وأجريت في هذا السياق اتصالات بالجالية من أجل التغيير في تونس عبر الإطاحة بالنظام القائم وإن تطلّب الأمر عملا مسلّحا. وقد سافرت إلى دول عديدة من لندن إلى أفغانستان ودول أوروبية كثيرة لاستقطاب التونسيّين. وربطت علاقات قويّة مع الجزائريّين وخاصّة جماعة الباقون على العهد بقيادة أبو جميل ومع الحزب الإسلامي في أفغانستان جناح قلب الدين حكمتيار .
اشتهرت خليّة بروكسال بعملية اغتيال أحمد شاه مسعود، ماهو دورك ودور الخليّة في تنفيذها ؟
لا دور لي في تلك العملية. تمّ حشري فيها بالنظر إلى معرفتي بمنفذها عبد الستار دحمان بحكم اشتغالنا مع بعضنا في إذاعة "الوطن" أين توطدت علاقتنا، وقد كان رجلا يحترم الرأي المخالف وبمرجعية يسارية ومتأثرا برموز الحركات النضالية على غرار شي غيفارا ثم بالقائد الشيشاني خطاب في مرحلة لاحقة. ونظرا إلى الانتهاكات المتصلة بحقوق الإنسان في تونس تغيّر توجهه السياسيّ والأيديولوجي ليصبح مدافعا عن المساجين والمضطهدين في تونس على اختلاف توجهاتهم الفكرية. وتدريجيّا تبلورت لديه فكرة مساندة المستضعفين في الأرض، مثلما كان يسمّيهم. وشدّ الرحال إلى كوسوفا عام 1997 من أجل مساندة أهل البلد في حربهم ضدّ الصرب. أُلقي عليه القبض وتمّ ترحيله، فأعاد الكَرّة مرّة أخرى ولكن في اتجاه أفغانستان حيث وقع استقطابه، حسب ما تمّ تداوله، من قبل الفلسطيني أبو زبيدة (المعتقل حاليا بسجن طورنتو بالولايات المتحدة الأمريكية) في مدينة جلال أباد في "بيت التوانسة" وغادرها إلى قندهار حيث التقى التونسي شكري بوراوي الذي رافقه في العمليّة. هناك بايع أسامة بن لادن، وحسب ما وصل من معلومات فقد قام بتسجيل "وصيّته الشرعية" قبل القيام بعمليته ضد شاه مسعود.
اعتقلت وحوكمت ضمن مجموعة 23 شخصا من جنسيات مغاربية بينهم نزار الطرابلسي الذي أُلقي عليه القبض بعد عودته من أفغانستان يومان بعد عملية 11 سبتمبر 2011، إضافة إلى عادل الحكيمي وهشام السليطي المحتجزين منذ 2002 في غوانتنامو.
وجهت إليّ المحكمة تهمة القيام بعمل غير قانوني هادف إلى الإطاحة بالنظام السياسي في تونس اعتمادا على اتصالات بأطراف إسلامية محسوبة على التنظيمات الجهادية في أوروبا وغيرها، وتمّت تبرئتي من قضيّة شاه مسعود، ونلت البراءة أيضا في قضيّة "كلاين بروغل" المتعلقة بمحاولة تفجير القاعدة العسكرية الأمريكية في بلجيكا. تمّ الحكم عليّ بعشرة أعوام سجنا قضيتها كاملة، وغادرت السجن يوم 18 مارس 2012 وعدت إلى تونس يوم 24 من نفس الشهر، وكان قد تمّ سحب جنسيتي عام 2009 وتعويضها ببطاقة إقامة.
هل سعى النظام التونسي إلى جلبك أثناء وجودك في بلجيكا خاصّة وأنّك كنت محلّ أحكام غيابية صادرة من القضاء العسكري ؟
مجمل الأحكام الصادرة في حقّي في تونس 56 عاما سجنا نافذا. وقد أرسل النظام السابق مخابراته لملاحقتي في بلجيكا منذ استقراري هناك ونشاطي السياسي. وتطوّر الأمر بعد خروجي من السجن في أواخر 1995 وزاد حدّة عام 1996 عندما حاول النظام التونسي توريطي في جريمة اغتيال الوزير الاشتراكي البلجيكي "أندري كولز" في مدينة لياج من قبل تونسيّين اثنين حوكما في تونس وأراد النظام ترحيلي ومحاكمتي.
فتولّيت عن طريق المحامي في بلجيكا طلب استجوابي من قبل السلطات البلجيكية فوقع ذلك وركّز قاضي التحقيق على أنشطتي السياسية ولم يذكر مسألة قتل الوزير وبرّأني منها. وفي نفس الوقت حضر إلى بروكسال عميد قضاة التحقيق التونسيّين نورالدين بن عيّاد وأراد استجوابي وطالب بترحيلي إلى تونس فصرّحت خلال لقاء صحفي بأنّي أرفض أن أقابل من يمثّل حكومة دكتاتورية تمارس التعذيب ضد المعارضين السياسيّين.
وواصل النظام تحرّشه عن طريق المخابرات الدولية أبرزها مغاربية وخليجية وأوروبية طبعا. ولمّا ألقي عليّ القبض في 2001 طالب عبد الله القلال بترحيلي وبعدها الحبيب بن يحي وحسب ما بلغني طالب بذلك ابن عليّ شخصيّا خلال زيارته ألمانيا. ولم يقع تسليمي باعتبار حصولي على الجنسية البلجيكية في ذلك الوقت.
ذكرت بيت التوانسة في الجزائر ومجموعات منتشرة في أوروبا مرتبطة بخلية بروكسال، ما مدى مسؤولية هذه الخلية عن هجمات اُرتكبت في تونس من قبل مجموعات جهادية مرتبطة بالخارج منها تفجير كنيس الغريبة سنة 2002 ومجموعة سليمان سنة 2006 ؟
لا علاقة لي ولا لخليّة بروكسال أو خلية لندن أو ميلانو بهذه الأعمال التي ذكرتها. وكلّ أفراد الخلايا المرتبطة ببروكسال كانوا خلال تلك العمليات بالسجون الأوروبية. وفي الأصل كان عملنا يقوم على العمل السلمي واللجوء إلى العمل الجهادي إذا لزم الأمر.
ما هي علاقتك بسيف الله بن حسين ؟
تعرّفت إليه في مدينة لندن سنة 1994 خلال سفراتي المتتالية إلى هناك. وحسب علمي كان يدرس وقدّم طلبا للجوء السياسي. بدأ نشاطه الحركي داعية، وكان يميل كثيرا إلى الجماعة الإسلامية في مصر وهي جماعة معتدلة مقارنة مع تنظيم الجهاد لأيمن الظواهري. كان يُعتبر الرجل الثاني بعد محمد علي الحراث في ما يُسمّى في ذلك الوقت جبهة الإنقاذ بتونس.
كان يهتمّ بالدعوة كثيرا إلى أن غادر لندن إلى أفغانستان أواخر التسعينات، حيث استقرّ بمدينة جلال أباد مع عائلته وبعد الغزو الأمريكي غادر أفغانستان. ما أعرفه عنه هو أنّه لم يمارس العمل المسلّح، وقد تقابلت معه في جلال أباد.
أبو عياض مُتّهم اليوم بالضلوع في أعمال إرهابية، هذا يتناقض مع ما ذكرته عن منهجه الدعوي؟
ذكرت ما عرفت عن الرجل، وفيما يتعلق بالاتهامات المنسوبة إليه، أترك القضاء يأخذ مجراه الطبيعي. لكن أشير إلى أنّه شخص يعيش تحت تأثير الذين حوله من شباب متحمس قليل التجربة وهو لا يملك أبعاد السياسة الشرعية وموافقاتها. وليست له رؤية مستقبلية للتعايش مع الأحداث.
ما هو حسب رأيك الخيار الأمثل للتيارات الجهادية في المرحلة ما بعد سقوط الدكتاتورية في تونس؟
أقولها بصريح العبارة، أنا ضدّ العمل المسلّح في تونس مطلقا مهما كانت الظروف بعد سقوط نظام ابن علي. وانتهز هذه الفرصة لأحيّي الشعب التونسي الذي حقّق ما لم تستطع التنظيمات الجهادية تحقيقه. ونحن الآن ننعم بالحرية في بلدنا تونس الذي يجب أن نُحافظ على أمنه، أمن البلاد والعباد. وباب الدعوة إلى الله يكون بالحكمة والموعظة الحسنة. وأناشد التنظيمات السياسيّة في تونس على اختلاف توجهاتها أن تعمل على المصالحة الوطنيّة كافة أبناء تونس، وأن نعمل من أجل مصلحة بلدنا.
لكنّ مطالب الشعب التونسي الملحّة متعلّقة بالتشغيل والتنمية وليس من أولوياته المطالب الدعويّة الدينيّة ؟
جوابي الذي سبق هوّ ردّ على من يقول بالعمل الجهادي في تونس، حسب ما تناقلته الأخبار. وأدعو هؤلاء إلى فهم الواقع التونسي وطبيعة المجتمع والواقع الإقليمي والدولي، وأن نتّعظ من التجارب السابقة سواء في الجزائر أو أفغانستان أو البوسنة، والقائمة تطول. وأذكّرهم بقوله تعالى "أَفَأنتَ تُكرِهُ الناسَ حتّى يكونوا مؤمنين". وعليه فإنّ الألويات بالنسبة إلى شعبنا هي تحسين وضعه الاقتصادي ووضعه الأمنيّ حتى يشعروا بالأمان.
تعرّض أعوان أمن وجنود وشخصيات سياسية إلى الاغتيال، ما هو موقفك خاصّة وأنّ محسوبين على التيّار الجهادي أوقفوا أو اتهموا بالضلوع في هذه القضايا ؟
طبيعة الشعب التونسي طبيعة مسالمة، وأنا أعبّر عن إدانتي الواضحة لهذه الجرائم التي لا تمتّ إلى تاريخ الشعب التونسي بصلة..
على التيار السلفي أن يغير طريقة تعامله مع الواقع التونسي الذي له مكوناته وتركيبته الخاصة ومقوماته الخاصة ومدرسته الفقهية الخاصة.
هذا الشعب من طبيعة عدم قبول ما يفرض عليه مهما كان مصدره ولو بعد حين.
وأذكر أنّه خلال مجالستي المتكررة لأبي مصعب السوري في مدينة "هين دوفن" بهولندا وكذلك في أفغانستان في بداية التسعينات، استبعد نجاح العمل العسكري في تونس للأسباب المذكورة أعلاه، ورجّح تغيير التونسيين لواقعهم لواقعهم بأنفسهم، دون الاستعانة بتنظيمات مسلحة. وهو ما صحّ منذ ثلاث سنوات.
أنا ضد أيّ عمل مسلّح لتغيير الأوضاع في أي مكان وخصوصا تونس. فتونس ليست أرض دعوة ولا أرض جهاد بل هي أرض تدافع فكري، من الضروري أن يرقى به التونسي إلى مستوى حضاري رفيع لما عُرف به عبر التاريخ من تسامح ووسطية ودبلوماسية في تعامله. وما وقع من أحداث مؤلمة عليها علامة استفهام كبرى.
وحسب فهمي لما يجري في الشعانبي، فإنّ الذين يتحركون هناك صنفان، صنف قد يكون مقتنعا بما هو عليه وصنف أخطر على الأوضاع في البلاد لا شك أنّ هناك أياد خفيّة تريد الإيقاع بالتونسيين وإفشال العمل السياسي السلمي. فمن يكون وراء هؤلاء "الأشباح" المتحصنين دائما بالفرار؟
ما هو تقييمك للتجربة الجزائرية وما شهدته من مرحلة دمويّة لا تزال تبعاتها متواصلة ؟
الاقتتال الذي حدث في الجزائر بين أبناء الشعب الواحد يُعتبر حقبة تاريخيّة سوداء في تاريخ هذا الشعب الذي قدّم أكثر من مليون شهيد للحصول على استقلاله. وكان الأحرى أن يتعامل الجميع بأسلوب حضاري يُجنّب الجزائر ما حدث فيها طيلة عقدين من الزمن.
من يتحمّل مسؤولية الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في الجزائر ؟
هناك بعض التنظيمات المحسوبة على الحركات الجهادية في الجزائر وقع اختراقها من قبل مخابرات دوليّة ومحلّية، وأذكر على سبيل المثال الجماعة الإسلامية المسلحة التي تم اختراقها بعد مقتل أميرها المكنّى بأحمد أبي عبد الله الشريف قواسمي في ماي 1994، وقُتل من قبل القوات العسكرية النظامية بعد الوشاية به من قبل سائقه. ونُصّب بعده الخارجيّ (نسبة إلى فرقة الخوارج) جمال زيتوني الذي بدأ بقتل أبناء الجماعة الإسلامية المسلحة وأبناء الشعب الجزائري، وعاث في الأرض فسادا وأهلك الحرث والنسل، وهذه هي صفات الخوارج التي ذُكرت في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام في باب الفتن وأشراط الساعة للبخاري ومسلم.
فالذي لم تستطع المخابرات الدولية والمحلية تحقيقه، تمّ على يد هذا الخارجي، حيث قام بقتل خيرة أبناء الحركة الإسلامية في الجزائر وعلى رأسهم الشيخ محمد سعيد رحمه الله الذي أسّس تنظيم الجزْأرة، وأتى بعده أبو طلحة عنتر زوابري الذي واصل على نهج سلفه زيتوني، ووصلوا إلى النتيجة التي نعرفها الآن.
يقول ابن خلدون إنّ التاريخ لا يعيد نفسه ولكن له مواقف متشابهة، وهو ما يحدث الآن بين بين سوريا والعراق مع ما يُسمّى "بتنظيم الدولة الإسلامية".
ذكرت وصف "الخارجي"، ماذا تعني به ؟
الخارجي كما قال عليه الصلاة والسلام: "يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان". والخارجي كذلك هو الذي يقوم بتكفير المخالف والذي يكفّر أيضا بالمعصية.
علمنا من الصحف البلجيكية أنك
تنوي تأسي حزب سياسيّ ؟
هي فكرة لإنشاء جمعية حقوقية تنموية شعارها "حلف الفضول، أصالة وحداثة وتعايش"، تعود بالدرجة الأولى إلى مسألة تأطير الشباب وصدّهم عن الغلوّ والتطرّف وأن يكونوا كالغيث النافع، وذلك من أجل المساهمة في تنمية الاقتصاد التونسي والتشغيل، وبطبيعة الحال الدفاع عن حقوق الإنسان والمقوّمات الإنسانية طبق المواثيق الدولية.
وما هو تقييمك لحزب حركة النهضة ؟
حركة النهضة أو ما عرف بحركة الاتجاه الإسلامي سابقا هي حركة معتدلة أحترم ما قامت به من عمل سياسيّ بتجنيب البلاد ما حدث في مصر وتعاملت مع الضغوط الدولية والمحلّية بأسلوب سياسي حضاريّ. هذا ما خلصتُ إليه.
متى حصل لديك هذا التحوّل الفكري ؟
تمّ ذلك تدريجيّا منذ اتصالاتي مع جميع مكوّنات المعارضة التونسية في الخارج، بحكم أنّ الهدف كان مشتركا، ألا وهو تغيير النظام بتونس في ذلك الوقت، مع اختلاف الوسائل والأساليب.
لقد مكنت عودتي إلى تونس بعد غياب عقدين من إعطائي فكرة واضحة عن الطبيعة المسالمة لشعبي التونسي. فتونس عرفت تعاقب الحضارات، وهذا الأمر ساهم في تكوين شخصية التونسي المعتدل والمتفتح والمحترم لغيره فوقفت وقفة تأمّل بعد عودتي إلى تونس، وقرّرت الانخراط في تجربة جديدة مفيدة لعموم الشعب التونسي مقتنعا بالديمقراطية نموذجا سياسيّا أتبنّاه للتعايش السلمي.
لا شكّ أنّ هناك من سيصدم أو يستاء من قولي هذا، فإنّي أدعوهم إلى الحوار وأقول لهم بأنّي عدت إلى طبيعتي التونسية الأصيلة.
هل تعرضت للمساءلة الأمنية بعد عودتك إلى تونس خاصة بعد الأحداث الخطيرة التي شهدتها البلاد؟
لم يقع استدعائي أي مرة للتحقيق أو ما شابه ذلك. وقد حاولت بعض وسائل الإعلام الزجّ بي في بعض الأحداث، ورفعت شكاوي ضدّها لدى القضاء.
لقد فوجئت عند حديثي مع بعض الأمنيين بمستواهم المعرفي العالي ومدى إلمامهم بشتى المواضيع وتفهمهم للمرحلة الحرجة التي تمرّ بها البلاد. ولاحظت قدرتهم على التعامل بخبرة بالغة تنبع من مبادئ حقوق الإنسان ودولة القانون بمؤسساتها الرسمية وأتمنّى أن يكون هذا ديدنهم دائما، ممّا ذكرني ببعض الأجهزة الأمنية لدى الدول المتقدمة التي تركز على فهم الظواهر المستحدثة في مجتمعاتها وتحاول إعانة أصحابها على إيجاد مخرج يليق بالكرامة الإنسانية وتساعدهم على الاندماج داخل المجتمع.
القناعات الجديدة والمراجعات التي عبّرت عنها تضعك لدى المنتسبين اليوم للتيار الجهادي في خانة الردّة والخيانة للمبادئ وهو ما قد يعرّض حياتك للخطر، كيف تتعامل مع هذا الوضع؟
فعلا لقد وصفني البعض كما ذكرت في سؤالك ودعوتهم إلى الحوار من باب الاستفادة من التجارب التي مررت بها طيلة ربع قرن من الزمن. وأذكّرهم بقوله تعالى: "كلّ يعمل على شاكلته، فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا". ولا استبعد تعرض حياتي للخطر نتيجة هذا التحوّل الفكري.
المصدر: جريدة الضمير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.