1 - سَبَقَ أن قلنا هنا إنَّ تنظيمَ "داعش" هُو حفيد المخابرات الأمريكيّة الخارجيّة الذي باضه صنيعتُها تنظيم "القاعدة" في العراق واحتضَنَه الإحتلالُ الأمريكي لأرض السَّواد ، فكانَ بقيادة المَقبور"أبي مصعب الزرقاوي" أداة تفجيرٍ واغتيال لتخريبِ النسيج الإجتماعي العراقي وإثارة الفِتَن بين مُكوِّناتِهِ لإطالة عمر الإحتلال (فرِّقْ تَسُدْ) الذي وَضَعَتْ المُقاوَمة الوطنيّة العِراقيّة له حَدَّاً ، على الرّغم مِن أنّه (الإحتلال) نَجَحَ في تدمير البنى التحتيّة للدولة العراقيّة وأشاعَ فيها الفوضى الخنَّاقة التي اغتَذى "داعش" بقيادة المأمور "أبي بكر البغدادي" مِن هَشاشَتِها ناشِراً راياتِه السَّوداء على جزء عزيز وشاسِع مِن أراضيها برعايةٍ تركيّة - خليجيّة لا تخرج على مارسَمَتْه الإدارة الأمريكيّة لتنفيذ مَشروع "الشرق الأوسط الكبير" لتصفية القضيّة الفلسطينيّة وإقامة "دولة إسرائيل اليهوديّة" مُحاطَةً بدويلات طائفيّة وعرْقيّة فاشلة. 2 - وعلى الرّغم مِن هذه الحقيقة ، لجأت الولاياتُ المتّحدة الأمريكيّة إلى هذه الأداة المتوحّشة لِترويع شُعوب المنطقة ودُوَلها مِن جهة ، وللتَّذَرُّعِ بها مِن جهة أخرى كي تُشَكِّلَ جَبهةً ضدَّ "داعش" مِن صانِعِيّ هذا التنظيم الأمريكيّين ورُعاتِهِ الإقليميّين ، نافخينَ في خُطورتهِ على أنصار الإقليم والعالم ، بَعْدَ أنْ مَكَّنُوهُ هُم بالمُرْتَزَقَة و"الجهاديين التكفيريين" والمالِ الخليجيّ والسلاح الأمريكيّ والإحاطة والدعم اللوجستي التركيين ، مِن ارتِكاب أبشع المجازر ضدَّ الإنسانيّة التي فاقت ما عرفه تاريخ البشريّة على أيدي رُعاة البقر والتتار والإنكشارية العثمانيّة والعصابات الصهيونيّة. وكما سَبَقَ للإدارة الأمريكيّة في عَهد الجمهوري جورج بوش الإبن أن عَلَّقَتْ فضيحة التذرُّع بامتلاك العراق أسلحة دَمار شامِل مَزعومة على مِشجب تقارير المُخابرات الأمريكيّة الكاذبة ، لم تجد هذه الإدارة نفسها في عَهد الديمقراطي باراك حسين أوباما حرَجاً بتعليق فضيحة تَغَوُّل تنظيم "داعش" على مِشجب تقارير المخابرات الأمريكية الكاذبة أيضاً كما صَرَّحَ ثّعبانُُ البيت الأبيض ذو الأصْل الأفريقي بعضمة لسانِهِ المَشقوق. 3 - ِلقد توَهَّم "باراك أوباما" أنَّهُ بِحَجَر "داعش" الذي رَمى بهِ مَنطِقتنا قد يُسْقِط في جرابهِ الفارغ إلا مِن دِماء ضحايا سياساته الأبرياء ، عَدَداً مِن العصافير الذّهبيّة . تَوَهَّمَ أنه قد يتمَكَّنَ مِن ترقيعِ الخُرُوقات الواسِعة في الإقتِصاد الأمريكي المأزوم ببَيع المزيد مِن الأسلحة المُتراكِمة في المَصانِعِ الأمريكيّة إلى حَمْقى الكياناتِ الخليجيّة ، وأن يُعَزِّزَ نُفوذَ بلادِهِ في الشرق الأوسط مُستخدِماً "داعش" للتأثير على حكومات عربيّة بدأت تبحث عن حلول لمشاكلها الإقتصادية والسياسية والأمنية عند القيصر فلاديمير بوتين ، فقد أصبحت مُوسكو مُنافِساً نشيطاً وخطَرا أكيداً على هذا النّفوذ المُتآكِل نتيجة السياسات الأمريكيّة التي تشهد الفشل تلو الآخَر ، ليس فقط في سورياوالعراق ومصربل حتى في السعودية والأردن ( أشار بوتين في مستهل مباحثاته في موسكو يوم الخميس 2014/10/2مع الملك الأردني عبد الله الثاني إلى تطور الصلات الاقتصادية والتجارية بين البلدين ووجود مشاريع جيدة وازدياد حجم التبادل التجاري بصورة كبيرة ، وبدوره أكد ملك الأردن وجوب إدراك العالم بأنه لا يمكن إحراز تغيرات جدية في الشرق الأوسط من دون روسيا معربا عن تقديره العالي للدور الريادي الذي تلعبه موسكو في المنطقه ولا سيما حيال سورية). ولعلَّ أبرَز عناوين هذا الفَشَل الأمريكي الذي يَتَجَرَّع "أوباما" وإدارتُهُ مَراراته : عَدَم قدرة أوباما وأتباعه الدوليين والإقليميين والمحليين على إسقاطِ النظام الوطنيّ السوري في الفوضى الصهيوأمريكيّة وصُمود الجيش العربيّ السوريّ الباسل في التصدي لأقذر الحُروب الصهيو أمريكيّة الرجعيّة وكَسبها باذلاً أغلى التضحيات ومُسَطِّراً البطولات الملحميّة ، ويأس "أوباما" البائن مِن الفَتِّ في عَضد إيران الماضية قُدُماً في إنجاز مَشروعِها النّوَوِيّ ، وتَخَبُّطه في ملفِّ الصِّراع العربي - الصهيونيّ وتسوية القضيّة الفلسطينيّة حتّى على قاعدة المقولة الأمريكيّة بشأن الدولتين ، فهُو لم يُخْفِقْ فقط في التقدُّمِ خُطوَةً واحِدَةً نحو تحقيق هذا الهدَف ، بل انتَقَلَ الأمريكيّ مِن راعٍ مَزعُوم لهذه القضيّة إلى خصْمٍ للضحيّة(الطرفِ الفلسطينيّ فيها)، كما تجلّى ذلك بوقاحة المَوقِفُ الأمريكيّ مِن خطاب الرئيس الفلسطيني الأخ محمود عباس "أبومازن" الأخير ، مِن على مِنبر الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وكما باتَ مَعلوماً فقد أفضى هذا الفشَل الأمريكيّ الذريع في مُعالَجَةِ الملفّات المذكورة آنِفاً إلى نشوب توتُّرات بين واشنطن وبعض أتباعها، فالرّياض لمْ تُخْفِ امتِعاضَها الأعرابيّ الوهابيّ الأشدّ كُفْراً مِن تَرَدُّدِ الإدارة الأمريكيّة في تقديمِ الدَّعْمِ "اللازِم " والحاسِم لجماعاتِ العُملاء والخَوَنة المُتاجرين بالدم السوريّ والذين يسمّيهم البعض "المُعارَضة السوريّة" ، كما أنَّ "تل أبيب" تُعَبِّر باضطراد عَن تَطَيُّرِها مِن التنسيق الأمريكي - الإيراني بشأن برنامج طهران النووي ، ومكافحة "داعش" ، والتراخي في فرض عقوبات على الجانب الإيراني. هذا كلّه ناهيك عَن إخفاق واشنطن وحلفائها الغربيين في الملفّ الأوكراني ومحاولة استخدامه عَبَثا مِن أجْلِ لَيِّ ساعِد روسيا الصاعِدَة بقُوَّة كقطْبٍ لم يَعُدْ بالإمكان تجاهُله أو القفْز على دَورهِ ونفوذه في السياسة الدوليّة خاصة بعد إنشاء منظمة شنغهاي ومجموعة البريكس والاتحاد الأوراسي . 4 - إذَنْ لتغطيةِ هذا الفَشَل الأمريكيّ المُركَّب مِن دِمشق إلى كييف مُرُوراً بفلسطين وإيران ، وَمِن أجْلِ أهدافٍ أخرى لا تقلّ أهميّة عند "أوباما" كالتأثير لِصالح حزبه "الديمقراطي" في الإنتخابات التشريعية الأمريكيّة القادمة ، وبغية حماية حُلفائه في كردستان العراق ن وتأمين مَصالِح الشركات النفطيّة الأمريكيّة في جنوبالعراق وشماله(كردستان أيضاً)، أنشأت الإدارة الأمريكيّة هذا التحالُف أو الجبهة ضدّ تنظيم "داعش" ، والذي هُو تحالُفُ دُوَلٍ مَعروفة بصناعتها ودعمها للإرهاب واحتضانه ، ومهمّاته ذات طابعٍ استِعراضيّ قد تُضعِف "داعش" نسبيَّاً ، لكنّها لا تستهدف استئصالَه ، لأنّ "داعش" في جَوهَرِهِ تنظيمٌ إرهابيٌّ وظيفيّ، أي هُو أداة وحشيّة تستخدمُها الإدارةُ الأمريكيّة بمقادير محسوبة . كيف لا، وواشنطن تُنَفِّذ سياساتها الخارجيّة منذ عُقود باللجوء إلى أشكالِ إرهاب الدولة الإمبرياليّة كافة بَدْءاً مِن الإغتيالات السياسيّة وُصُولاً إلى احتِلال الدُّوَل واستِعمار الشعوب ، وفي هذا السياق ، ومن أجل إنجاز أهدافها الشيطانية القذرة ، لا تتردد في زَهْقِ أرواحِ المدنيين وإسالة دمائهم وتدمير البنى التحتية وإضرام الحرائق وإشاعة الخراب ، بذريعةِ حمايةِ أمْنها والحِفاظ على نَمَطِ الحياةِ اليوميّة لمُواطِنِيها الذين لاتملّ مِن افتراضِ أعداء مُخْتَلَقين تتهددهم !،وكأنَّ الخارطة الجغراسياسية للعالمَ بأسرهِ مَجالٌ حَيويٌّ لأمنِها القومِيّ المَزعُوم ، والبَشريَّةَ بأسرها خَدَمٌ للسيّدِ الأمريكيّ ، وثَروات الشُّعُوب الطبيعيّة كافّة مُجَرَّد مَطمُورة أو خَزّان احتياطيّ برسْمِ نَهْب الشركات الاحتكاريّة الصهيو أمريكيّة!