رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة: نداء تونس يوضح ملامح رؤيته للسياسة الخارجية
نشر في حقائق أون لاين يوم 21 - 11 - 2014

قامت حركة نداء تونس التي يتزعمها المترشح للانتخابات الرئاسية الباجي قائد السبسي بنشر وثيقة تتعلق برؤيتها للسياسة الخارجية تحصلت حقائق أون لاين على نسخة منها.
وفي ما يلي نصّ الوثيقة:
السياسة الخارجية : المبادئ والأهداف
ديبلوماسية نشيطة في خدمة الديمقراطية والتنمية
وأداة فاعلة لتعزيز مكانة تونس على الساحة الدّولية
مقدمة :
وفّرت ثورة 17 ديسمبر14 - 2010 جانفي 2011 فرصة سانحة للديبلوماسية التونسية للعمل من أجل إعادة الاعتبار لمكانة تونس اقليميا و دوليا و فك شبه العزلة التي فرضت على البلاد لمدة سنوات جراء السياسات المتبعة في مجال حقوق الانسان وعدم قدرة النظام السابق على التأقلم مع التحولات الكبرى التي عرفتها الساحة الدولية منذ تسعينات القرن الماضي وما كانت تقتضيه من إندماج في المنظومة السياسية والفكرية الجديدة والقيام باصلاحات جوهرية على المستوى السياسي وأسلوب الحكم واعتماد آليات الحوكمة الرشيدة لإدارة الشأن العام. فبقدر ما تمكن النظام من تسويق "إنجازاته" في المجال الاقتصادي والأمني بقدر ما عجز على إقناع شركائه الأجانب خاصة الأطراف الغربية والمنظمات الدولية بمدى صواب خياراته في المجال السياسي واحترامه لمنظومة حقوق الانسان.
فهل أحسنت حكومات ما بعد الثورة استغلال المدّ التضامني الذي عبرت عنه حكومات وشعوب العالم مع طموحات الشعب التونسي في الحرية والكرامة وتوقه لإرساء نظام ديمقراطي متطوّر يمكّن تونس من استرجاع مكانتها كدولة عصرية متجذرة في محيطها الاقليمي، متشبثة بهويتها العربية والاسلامية ومتفتحة على بقية شعوب العالم ؟ أم أن الطاقة اللامتناهية التي أفرزتها الثورة تم توظيفها في قضايا جانبية و جدل عقيم حول عدد من البديهيات تتعلق بالهوية وأولوية التعاون مع المحيط العربي الإسلامي دون الفضاءات الأخرى وهي مسائل تمّ حسمها منذ عشرات السنين ولم تتخلى عنها تونس منذ السنوات الاولى لاستقلالها حيث كان صوت تونس دائما محترما ومسموعا وحظيت أفكارها و مبادراتها دوما بالتقدير من قبل الأشقاء العرب والمسلمين على السواء كما اضطلع ديبلوماسيوها اعتبارا لكفاءاتهم المهنية بأعلى المناصب في المنظومتين العربية والإسلامية فضلا على المجال الأممي.
المرحلة الانتقالية برئاسة الأستاذ الباجي قائد )مارس – ديسمبر (2011
ارتكزت الديبلوماسية التونسية خلال المرحلة من الانتقال الديمقراطي التي تميّزت بكثرة الاضطرابات الداخلية وتراجع أداء مختلف مؤسسات الدولة على مبدئين رئيسين كانا دوما مرجعا أساسيا للتحرّك الخارجي على مختلف المستويات :
‌أ) إدراك لأهمية السياسة الخارجية كركن أساسي لعمل الدولة خاصة في المرحلة الانتقالية وكأداة فاعلة لحشد التأييد السياسي والاقتصادي وتوسّع شبكة أصدقاء تونس على الساحة الدولية في مرحلة ما بعد الثورة وتوظيف التعاطف الدولي لدى شركائنا من دول ومؤسسات دولية فاعلة لمعاضدة جهد الدولة في التنمية وتحقيق الأمن والاستقرار.
ب- توخي التوافق في صياغة التوجهات الكبرى للسياسة الخارجية اعتمادا على التقاليد الديبلوماسية لبلادنا والعمل على استرجاع مكانة تونس على الصعيدين الإقليمي والدولي وتعزيز علاقات الثقة مع شركائنا وجيراننا.
وتمحورت الاستراتيجية المتبعة خلال هذه المرحلة حول 4 أهداف رئيسية :
1. شرح وتوضيح الأسباب العميقة للثورة التونسية لمختلف الشركاء الأجانب والدول الصديقة والشقيقة وتأكيد عزم تونس على مواصلة سياستها الخارجية اعتمادا على نفس المبادئ الهادفة لتعزيز الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي واحترام الشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحرصنا على تعزيز علاقاتنا مع مختلف الأطراف.
2. التأكيد على انخراط تونس في المنظومة الديمقراطية من خلال المصادقة عن العديد من الاتّفاقيات الدّوليّة واعتماد من الإصلاحات الجذرية في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة وحرية التعبير وتهيئة الإطار القانوني والظروف الملائمة لتنظيم انتخابات حرة وديمقراطية.
3. حشد أكثر ما يمكن من الدعم المالي لبرامج الحكومة العاجلة ومجابهة التحديات الكبرى المتعلقة بالبطالة وتحقيق التوازن بين الجهات ودعوة الأطراف المانحة للوقوف لجانب تونس في هذه المرحلة الحساسة من تاريخها وإنجاح أول تجربة ديمقراطية في العالم العربي باعتبار أن تونس هي أول دولة من جنوب المتوسط انطلق منها الربيع العربي وأن نجاح هذا الربيع رهين نجاح التجربة التونسية.
4. العمل على استرجاع الأموال المنهوبة والمبادرة لتقديم ملفات قانونية وقضائية لمختلف الدول والجهات الأجنبية.
وإجمالا فإن حكومة السيد الباجي قائد السبسي عملت في الفترة القصيرة نسبيا التي قضتها في الحكم (مارس – ديسمبر 2011 ) على انتهاج سياسة توافق بين الحفاظ على تقاليدنا الديبلوماسية من اتزان في المواقف واحترام للشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى رغم التطورات الكبرى التي عرفتها دول الجوار والمنطقة بصفة عامة وتقييم مصالح تونس مع مختلف الاطراف واستغلال مدّ التعاطف والتضامن و حرص شركائنا على مساعدتنا في إنجاح المرحلة الانتقالية لتنظيم أول انتخابات حرّة ونزيهة و بلورة ملامح سياسة خارجية جديدة تستجيب لمصالح تونس وتساعدها على اجتياز صعوبات المرحلة.
المرحلة الانتقالية الثانية حكومة "الترويكا" 1 و 2
من الواضح أنّ فشل حكومتي "الترويكا" بقيادة حزب "النهضة" في إدارة الملفات الداخلية في الفترة التي تلت انتخابات 23 اكتوبر 2011 تزامن مع عجز واضح للديبلوماسية بإشراف من الرئيس المؤقت وطاقمه الدبلوماسي المنتمي لحزب "المؤتمر"من اجل الجموريّة " على الاضطلاع بدورها الطبيعي والتقليدي في إبراز أهمية المشروع الاصلاحي الذي بشرت به ثورة 14 جانفي 2011 كمشروع حضاري جدير بالتأييد على المستويين الاقليمي والدولي يعكس استعداد تونس للانخراط نهائيا في المنظومة الديمقراطية ويؤكد لبقية دول العالم أنه يمكن المزاوجة بين الاسلام السياسي والديمقراطية وأن تونس يمكن أن تضطلع بدور ريادي في إطار ما اصطلح على تسميته بدول "الربيع العربي".
فقد بدت الديبلوماسية التونسية مرتبكة منذ الأسابيع الأولى لاعتلاء" الترويكا" الحكم غير قادرة على تشخيص أولويات المرحلة والتفاعل الإيجابي مع تعاطف المجموعة الدولية مع الثورة التونسية بل إنها زجّت ببلادنا في متاهات وملفات معقدة لا مصلحة لنا فيها ممّا عكّر صفو علاقاتنا مع عدد من الدول الصديقة والشقيقة وعمّق عزلة تونس في محيطها المباشر وساهم في تقليص الدعم المرتقب من شركائها التقليديين لمساعدتها على تجاوز التحديات والمصاعب التي فرضتها تطورات المرحلة الحساسة من تاريخها.
فبعد تواتر زيارات المسؤولين الأجانب في أعلى مستوى في فترة الحكومة الانتقالية الّتي ترأسها الأستاذ الباجي قائد السبسي وما لقيته بلادنا من تفهم ودعم مادي وسياسي لدى العديد من الجهات الأجنبية (دول عربية، أوروبا، الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، مجموعة الثمانية) تقلص عدد الوافدين لبلادنا بصفة ملحوظة خلال الفترة الأولى لحكومة السيد حمادي الجبالي، واقتصر تقريبا خلال حكومة السيد علي العريض على بعض الزيارات الاستطلاعية حول تطور الأمور في تونس وآفاق التوصل إلى حل سياسي للأزمة القائمة في البلاد وعرض المساعدة في مكافحة الإرهاب دون تقديم أي عون ملموس يمكن أن يساعد تونس على مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
بل إن مختلف الشركاء تردّدوا في تنفيد الوعود التي التزموا بها خلال الفترة الاولى من المرحلة الانتقالية سواء في مجال تقديم المساعدة المباشرة في شكل قروض وهبات أو دفع الاستثمار الخاص كالاتحاد الاوروبي أو عبر تأمين ضمانات خاصة للحصول على قروض بشروط ميسرة من السوق المالية العالمية فضلا عن تراجع مختلف الاطراف الدولية الكبرى عن تعهداتها لصالح دول ما يسمي بالربيع العربي في اطار قمة دوفيل للدول الأكثر تصنيعا.
فما هي أسباب هذا الارتباك ولماذا تراجعت مكانة تونس اقليميا ودوليا في فترة كان من المفروض ان تشكل انطلاقة جديدة للدبلوماسية التونسية بعد انبهار العالم بثورة 14 جانفي 2011 وموجة التعاطف الدولي خاصة في الفترة الاولى التي تلت الثورة والوعود السخية لعديد البلدان والمجموعات والمنظمات الدولية لتقديم العون لتونس والوقوف لجانبها لمواجهة تحديات ما بعد الثورة و الاعداد لأول انتخابات حرة ونزيهة وتعددية في البلاد ؟
أربع أسباب رئيسية وراء ارتباك الأداء الدبلوماسي في ظلّ حكومتي "الترويكا" :
1. أسباب موضوعية هيكلية مرتبطة بالقانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط : (قانون تأسيسي عدد 6 لسنة2011 المؤرخ في 16 ديسمبر2011) الذي ينصّ الفصل 11 منه أن كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة "يتوليان رسم السياسة الخارجية بالتشاور والتوافق بينهما" ممّا يؤكّد اشتراك طرفي السلطة التنفيذية(رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية) في صياغة السياسة الخارجية للبلاد وإدارة الشأن الديبلوماسي، دون أن يحدد القانون المذكور أعلاه كيفية التنسيق والآليات التي يمكن الاحتكام إليها في صورة عدم الاتفاق بين رأسي الجهاز التنفيذي.
وتعتبر هذه الوضعية القانونية فريدة من نوعهان وجودها في القانون المقارن خاصة في غياب إطار مؤسساتي وطني(مجلس وطني للأمن والعلاقات الدولية) يظم مختلف أجهزة الدولة تتداول فيه المسائل المتعلقة بالدبلوماسية وقضايا الأمن.
2. •رغبة الترويكا الحاكمة في القطع مع الإرث الديبلوماسي لبلادنا والتقاليد التي ميزت علاقتنا الخارجية والتي كانت دوما محل تقدير واحترام من شركائنا والاطراف الاقليمية والدولية رغم المآخذ والانتقادات الشديدة التي كانت توجه لفترة الحكم السابق في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان والحوكمة والحريات العامة.
فبالإضافة إلى التناقض والاضطراب في مواقف طرفي الجهاز التنفيذي (مسألة تسليم البغدادي المحمودي مثلا) حاول الحاكم في الفترة الأولى منذ تسلمه السلطة خاصة حزبي النهضة والمؤتمرمن أجل الجمهوريّة إعادة النظر في أسس علاقاتنا الخارجية والمبادئ التي انبت عليها الديبلوماسية التونسية لسنوات عدة مثل اجتناب الانخراط في سياسة المحاور، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و تقديم الدعم المبدئي المطلق للقضية الفلسطينية دون السعي للتدخل في الخلافات الفلسطينية الداخلية أو مساندة طرف دون آخر، والمحافظة على إقامة علاقات متساوية واحترام متبادل مع جيراننا والسعي لتعزيز تعاوننا معهم دون مفاضلة أو تمييز والالتزام بإعادة إحياء اتحاد المغرب العربي مع الاضطلاع بدور وفاقي في هذا الفضاء دون محاولة فرض أي خيار على شركائنا، مع احترام حساسيات كل طرف والأخذ بعين الاعتبار للمشاكل المزمنة على غرار قضية الصحراء الغربية التي حالت دون إعادة تنشيط المشروع المغاربي والتأكيد على محورية علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي لاعتبارات سياسية وجغرافية ومصلحية.
كما سعت الاطراف الحاكمة أو القريبة منها إضفاء أبعاد إيديولوجية على توجهات سياستنا الخارجية من خلال التشكيك في اداء الديبلوماسية التونسية منذ الاستقلال وما راكمته من انجازات مكنتها من انشاء شبكة واسعة من العلاقات على المستوى الدولي وما حققته من إشعاع واسع لبلادنا تجاوز حجمها بكثير بحيث اصبح صوت تونس مسموعا ومحترما على المستويين الاقليمي والدولي واضطلع ديبلوماسيوها بمسؤوليات عليا في المنظمات والمحافل الدولية معتبرين أن الخيارات التي تمّ توخيها منذ اللاستقلال كانت مملاة من الخارج وكرّست تبعية القرار الوطني للدوائر الاجنبية وخاصة محاولة لفصل تونس من محيطها الطبيعي العربي الاسلامي وهي رؤيا فيها كثير من الحيف والمغالطة و النكران لما قدمته تونس في تلك الفترة من دعم واضح للقضايا العربية والإسلامية على كافة المستويات مكّنها من احتلال مواقع رياديّة داخل المنظمات الإقليمية(جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي....)
3. السعي لتوظيف السياسة الخارجية ومواقف تونس لخدمة أجندات حزبية وإيديولوجية وحتى شخصية ضيقة على حساب مواصلة تحقيق الأهداف التي شرعت فيها الحكومة الانقالية الأولىى (تعبئة الدعم للانتقال الديمقراطي وتعبئة الموارد العموميّة والخاصّة وابراز انخراط تونس نهائيّا في منظومة الدّول الديمقراطيّة لتمويل مشاريع التنمية وتحسيس شركائنا بأهمية نجاح التجربة التونسية كنموذج لإنجاح ثورات الربيع العربي). وقد تجلّى ذلك في انباع سياسة المحاور، ومساندة فصيل دون آخر في القيادة الفلسطينية وقطع العلاقات مع سوريا، واتخاذ مواقف مناهضة لنظام الحكم في مصر ...
4. المحاصصة الحزبية في إدارة السياسة الخارجية :
تّم منذ الأيام الأولى من استلام الترويكا للحكم الاستغناء على أهل المهنة في إدارة الديبلوماسية وتعيين مسؤولين جدد ينتمون للأحزاب الثلاثة الفائز (وزير من حركة النهضة و3 كتاب دولة ينتمون لكل من التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية والنهضة) هو ما أثّر سلبا على أداء الجهاز الديبلوماسي الذي تميز خلال العقود الماضي رغم الانحراف الذي اعتراه خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق بالحياد والمهنية والتّوق إلى مسايرة المدارس الديبلوماسية الكبرى في اعتماد أدوات تحليل متقدمة في فهم التطورات الدولية وموقع تونس منها والمساعدة في تحديد المواقف وتقديم المقترحات والسيناريوهات لأهل القرار حتى يستنيروا بها في صياغة سياسة تونس الخارجية.
ومن نتائج سياسة المحاصصة انقسمت الوزارة إلى ولاءات حزبية مختلفة متضاربة مما أثر على أدائها داخليا وخارجيا بالإضافة إلى محاولات القادة الجدد اعتماد نفس السياسة في اختيار رؤساء البعثات في الخارج وتقديم الولاءات الحزبية على القيمة المهنية والتجربة حيث انساق المسؤولون الجدد في انتداب موالين لهم من أبناء الوزارة فضلا عن محاولتهم فرض بعض التسميات في مراكز حساسة اعتمادا على الانتماءات الحزبية.
وقد ألحقت هذه السّياسة ضررا فادحا في أداء الديبلوماسية التونسية وجب الإسراع بإصلاحه لإعادة تكريس مفاهيم الحياد والمهنية وإعلاء مفهوم الوطن على الأحزاب وخدمة الجالية التونسية بالخارج دون اعتبار لميولاتهم السياسية وعدم توخي المفهوم الأيديولوجي في تحليل ورصد تطورات الأحداث في بلدان الاعتماد والعلاقات الدولية بحيث تساهم سفارتنا في إبلاغ المعلومة بكل مهنية وإنارة سبيل أصحاب القرار لاتخاذ المواقف الصائبة لخدمة مصالح تونس العليا دون أية اعتبارات أخرى.
الاستحقاقات الدبلوماسية للمرحلة القادمة :
ساهمت الانتخابات التشريعية ل26 أكتوبر 2014 وما أفرزته من نتائج في خلق فرص جديدة أمام الدبلوماسية التونسية، تقطع مع دبلوماسية الضبابية والارتباك التي تلت وصول "الترويكا" للحكم وتعيد الاعتبار للسياسة الخارجية، باعتبارها أداة هامّة وفاعلة للنّهوض بالتنمية والتعاون مع مختلف الأطراف، ومساعدة تونس على استرجاع مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية وتضع حدّا لثلاث سنوات من الارتباك والعشوائية في صياغة مواقف تونس، وتعاملها مع مختلف الأطراف والفضاءات الدولية.
فالدبلوماسية التونسية مدعوّة خلال الفترة المقبلة إلى تحقيق خمس أهداف أساسية على الأقلّ :
1. الرجوع إلى المرجعيات الأساسية للسياسة الخارجية التي اتبعتها الدولة التونسية منذ الاستقلال مثل انتهاج الاعتدال والوسطية في المواقف والتشبث بالقانون وبالشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومساندة قضايا الحرية والحقفي العالم وعلى راسها القضيّة الفلسطينيّة والمساهمة في استتباب الأمن والسلم في منطقتنا والعالم، مع السعي إلى الحفاظ على مصالح تونس العليا في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، وتعزيز انتماءات بلادنا المغاربية ا لعربية والإسلامية والمتوسّطية.
2. ضبط استراتيجية أمنية محكمة بالتشاور والتعاون مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمشاركة الفعّالة في المبادرات الجهوية والدولية الرامية إلى القضاء على هذه الآفة الخطيرة.
3. الاهتمام بافريقيا كفضاء طبيعي واستراتيجي لتونس من خلال اعتماد خطّة متكاملة للعلاقات التونسيّة الافريقيّة،خاصّة في مجال التعاون الفنّي والتكوين والسياحة العلاجيّة والنهوض بالتبادل التجاري والمشاريع المشتركة واعادة النظر في انتشار تمثيلينا الديبلوماسي بالقارّة واستعادة وهج العلاقة مع القارّة السمراء سياسيّا واقتصاديّا وثقافيّا على مختلف المستويات الثنائيّة ومتعدّدة الأطراف.

4. اعتماد دبلوماسية اقتصادية نشطة من خلال تكثيف الاتصال مع شركائنا الأساسيين خاصة أولئك الذين أعلنوا عن دعمهم لثورات الربيع العربي وأيّدوا استعدادهم لتوفير الدعم المادي الضروري لإنجاح الانتقال الديمقراطي (قمة مجموعة 8 بدوفيل، مجموعة العمل تونس- الاتحاد الأووربي، الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، الصين، روسيا).
فكما ساعدت المجموعة الدولية تونس خلال السنوات الأولى من استقلالها في إرساء دعائم الدولة الحديثة وتركيز مقوّمات نهضة اقتصادية واجتماعية أفرزت نموذجا اجتماعيا فريدا في العالم العربي (تعميم التعليم، النهوض بالمرأة، بلورة طبقة وسطى...) فإنّه من المتوقّع أن تستجيب الأطراف الدولية بعد اعتماد الدستور الجديد ونجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية لمختلف المساعي والمبادرات التي ستقدّمها الحكومة القادمة لدعم وترسيخ دعائم الديمقراطية الناشئة في تونس، والمساعدة على النهوض بالاقتصاد خاصة دفع الاستثمار وتعزيز التدفق السياحي واستنباط مشاريع تنموية داخل البلاد في المناطق الأقلّ نموّا، تمكن من تحقيق التوازن الجهوي والمساهمة في مكافحة ظاهرة البطالة خاصة لدى حاملي الشهادات الجامعية.
وستسعى الحكومة الجديدة لتكثيف المبادرات في هذا الشأن خاصة الدعوة إلى مؤتمر دولي اقتصادي رفيع المستوى يعقد في 2015 بقرطاج للنهوض بالاستثمار والشراكة ولاستحثاث أهم الشركاء الأوروبيين (فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، سويسرا، الولايات المتحدة) على تحويل ديون تونس إلى مشاريع تنموية في إطار سياسة ثابتة تهدف إلى الحدّ من المديونية، وتحقيق التوازنات الاقتصادية الكبرى في البلاد.
5. القيام بإصلاحات كبرى على الجهاز الديبلوماسي، خاصة وزارة الشؤون الخارجية، وذلك من خلال إعادة الاعتبار لهذه الوزارة للاطلاع بدورها الطبيعي كفضاء أساسي ورسمي للاقتراح والمبادرة فيما يتعلق بعلاقات تونس الدولية مما يستوجب إعادة النّظر في هيكلة الوزارة في مستوى الإدارة المركزية، ودعم تمثيلياتنا بالخارج، وفتح سفارات جديدة بالقارة الإفريقية خاصة الدول الصاعدة، والاهتمام بتواجدنا في القارتين الآسيوية والأمريكية.
كما سيتمّ الاهتمام بالموارد البشرية للوزارة من خلال تعزيز تكوين مختلف مكوّنات السلك الديبلوماسي ودعم قسم البحوث والدراسات ذات الطابع الاستشرافي والاستراتيجي، والنهوض بالخصوص بالمعهد الديبلوماسي للتكوين والدراسات وتطويره في شكل أكاديمية ديبلوماسية عصرية تكون سندا لنشاط الوزارة والحكومة في تعاطيها مع مختلف الأطراف الأجنبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.