نشر الاعلامي التونسي محمد كريشان نصّا مطولا على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك كشف فيه المعطيات التالية: الرئيس الحالي المنصف المرزوقي، و الفائز بالمرتبة الأولى في الجولة الأولى الباجي قايد السبسي سيلتقيان قبل نهاية هذا العام في جولة ثانية ستحدد من منهما سيكون أول رئيس منتخب ديمقراطيا لتونس بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي في يناير 2011. لكن ما لا يعلمه كثيرون ربما أن هذه ليست المرة الأولى التي يتواجه فيها الرجلان أيهما يظفر بكرسي الرئاسة. لقد فعلاها من قبل، و لكن بعيدا عن صناديق الاقتراع. يروي عبد الباري عطوان أنه لما زار تونس بعد انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في أكتوبر- تشرين الأول 2011، و كان وقتها رئيس تحرير هذه الصحيفة، التقى بوفد من حركة "النهضة" ضم إلى جانب رئيسها راشد الغنوشي كلا من حمادي الجبالي أمينها العام آنذاك و علي العريض و شخصا رابعا نسي من يكون . يتذكر عطوان في جلسة خاصة جمعتني به في لندن : قلت لهم إن هذا الفوز الذي حققتموه يحتاج إلى توظيف جيد و حكيم، و أنتم لا خبرة لكم بالحكم و لا معرفة بدواليب الدولة، و أنا من رأيي أن أفضل من يمكن أن يساعدكم في اجتياز مرحلة بهذه الدقة هو الباجي قايد السبسي. الرجل أدار الحكومة بحنكة و أوصل البلاد إلى الانتخابات التي فزتم بها في ظروف صعبة. سيكون بتقديري أفضل رئيس للبلاد يمكنه أن يوصلها و يوصلكم إلى بر الأمان لما له من خبرة في الحكم و قدرة على التواصل مع العالم الخارجي. إقترحوا عليه ذلك و لن تندموا. و يضيف عطوان: إستمع إلي الجماعة بكل تفهم و بدوا لي و قد اقتنعوا بعرضي الذي ربما خاضوا فيه من قبل فيما بينهم كأحد الاحتمالات. في اليوم الموالي جمعني لقاء مع الباجي قايد السبسي فسارعت بسؤاله إن كانت جماعة "النهضة" قد فاتحته في موضوع الرئاسة فرد بالإيجاب. بدا لي مستعدا لبحث الأمر من باب خدمة البلاد في هذه المرحلة الانتقالية التاريخية خاصة وأنها ستتيح له مواصلة ما بدأه رئيسا للحكومة عندما سعى، كما قال لي، إلى طمأنة الحكومات الغربية، و لا سيما الأمريكية، بأنه لا مبرر لتوجسهم من فوز "النهضة" في الانتخابات. و يختم عطوان بالقول: ظننت الأمور سائرة نحو ترجمة هذا التوجه إلى أن ظهر المرزوقي ففرض على "النهضة" معادلة أن لا تحالف حكوميا معها دون أن يكون هو شخصيا في الرئاسة فتمكن أن يلوي ذراعها و كان له ما أراد في النهاية. و هنا تنتهي رواية عطوان. ما لا يعرفه كثيرون ربما أن قايد السبسي و المرزوقي جمعتهما في بداية ثمانينات القرن الماضي تجربة جريدة "الرأي" الأسبوعية التي أدارها المرحوم حسيب بن عمار أحد وزراء بورقيبة الشهيرين قبل أن يستقيل و كان وزيرا للدفاع . كان قايد السبسي و جماعة جريدة "الرأي" ضمن شق "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين" الذي اختار التعاون مع تجربة "الانفتاح السياسي" التي قادها المرحوم محمد مزالي عند اختياره رئيسا للوزراء عام 1981، على عكس الشق الذي كان يقوده زعيم الحركة أحمد المستيري الذي فضل الحفاظ على هويته كحركة سياسية معارضة تروم إصلاح النظام من خارجه فاختار أن تكون له صحيفته الخاصة "المستقبل" المعبرة عن هذا التوجه الحزبي. أما المرزوقي فقد كان عائدا لتوه من فرنسا كطبيب و انضم لفريق الكتاب المتعاونين في جريدة "الرأي" التي فضلت أن تكون منبرا مفتوحا لكل المستقلين و المعارضين من كل المشارب السياسية بلا استثناء . كان المرزوقي يحضر أحيانا اجتماعات التحرير و يدلي بدلوه في الخط التحريري و المواقف السياسية إلا أن قايد السبسي نادرا جدا ما فعل ذلك خاصة بعد أن صار وزيرا للخارجية في حكومة مزالي. المهم هنا، وفق رواية عطوان، أن المرزوقي قطع طريق الرئاسة على قايد السبسي و هو ما لم يغفره له قايد السبسي على ما يبدو، تماما كما لم ينس ل "النهضة" نكوثها عن مسعاها الأولي في موضوع الرئاسة. و طالما أن التاريخ و الأقدار عموما لا تسير بكلمة " لو" فلا فائدة كبيرة ترتجى من الاستعراض المفترض لما كان يمكن أن تسير عليه الأمور لو دخل قايد السبسي قصر قرطاج، فقد لا تكون البلاد مرت بما مرت به، و قد لا تكون حركة "نداء تونس" قد ولدت أصلا، و لا قايد السبسي مرشحا للرئاسة لخلافة نفسه في الانتخابات الحالية. لكل من قايد السبسي و المرزوقي طبعا نقاط قوة و عيوب و قف التونسيون على جلها في زمن الحرية الإعلامية الكبيرة التي ينعمون بها و من سيحسم بينهما الآن هو الشعب و ليست حسابات هذه الحركة أو تلك، على أهميتها. مع ذلك ففكرة المناظرة التلفزيونية المباشرة بين الرجلين المتداولة حاليا تبدو وجيهة للغاية بل و مغرية ، و هي إن تمت ستسجل سبقا لتونس يضاف إلى سبقها المعروف في تحريك إرادة التغيير و الانعتاق من الاستبداد.