ولسوف أقنع منكِ - يا زاراتُ - إنْ أطبقتُ أجفاني بِشِبْرِ تراب"... تلك كانت أمنيته الشعريّة التي تحقّقت أمس الإثنيْن في مقبرة نائية بقريته "الزارات" التي بكى بُعْدَها وصوّر ألوانا من شوقه الدائم إليها.. شبرُ تراب من أرضها العطشى كان يكفي هذا الشاعر ليحتضن قريته الحبيبة الاحتضان الأبديَّ الذي أصرّ عليه وكان له ما أراد... هي لحظةُ عناقِ أصيلٍ لمجد تليد استقام وشما على وجوه سكان هذه القرية الوديعة التي تحتضن المتوسّط هازئة بالأزمان والحدثان ... "أحمد اللغماني" الذي وُوري الثرى بقريته أمس الإثنين في غياب البريق الإعلامي الزائف، وخطب التأبين الرسمية الكاذبة، هو أحد أبرز شعراء تونس في القرن العشرين.أتقن فنَّ النظم، وأبدى وعيا كبيرا بوقع اللفظ وترانيمه فجاءت قصائده عربيّة أصيلة صفويّة لا تتذلّل جملُها إلا لعارف بتجاويف هذه اللغة المعتقة الخالية من نجاسة الوهم والزيف... كان وفيّا للزعيم" الحبيب بورقيبة" مدحه عندما كان في السلطة. ورثاه. وبكاه عند وفاته في الوقت الذي صمت آخرون...لم يتنكّر كغيره لشِعرِه ولعلاقته ببورقيبة.ولم يفقد بريق خيلائه أمام المنقلب على"بورقيبة" ما سبب له بعض المتاعب زمن حكم " بن علي".واختار الانعزالَ والتبتّلَ في محراب القراءة والتأمّل بعيدا عن المراجعات وسباق البحث عن المواقع في ملكوت الحاكم الجديد... حُبُّ "الزارات" في حياة "أحمد اللغماني" كان إدمانا...لم تغب عن لفظه وعن أوزان شعره... كانت رجعَ صدى الطفولة والشباب. وها هو يعود إليها في كفن عزّ على أصحاب الذاكرة المثقوبة أن يلفّوه براية تونس التي كان شاهدا على إحدى أهم فترات تاريخها... جنازة شاعر كبير لم يحضرها وال أو وزير..وهل تضاهى تونس في التقلّب و الجحود وسوء التدبير؟؟؟ هو الآن ينعم بما عاش يطلبه: حفنة من تراب أرض منسيّة بنى لها رسما وصنع لها بشعره اسما..وهو غنيّ بلحظة اللقاء هذه التي بحث عنها طويلا، عن كلّ المراسم ومُرِّ الأقاويل... كان له"قلب على شفة" بناه فأعلى... انطلق من "الزارات" صورا وتراكيبَ وانتهى تونسيا دفعة واحدة بما خلفه من ترانيم.... رحم الله الشاعر"أحمد اللغماني"... لقد كان شاهدا على الحياة...