ما أجمل كلام السيد راشد الغنوشي في حواره مع الإذاعة الوطنية وهو يتحدث عن ضرورة احترام التيارات السلفية لهيبة الدولة ولأمنها وجيشها ورفضه للعنف الديني الذي تمارسه هذه الجماعات وعن الديمقراطية في حركة النهضة .. كلام يجعلنا نكاد نقتنع بأن الشيخ تغير... لولا ما قاله عن علاقة المرأة بالجنس الذي اعتبره مقوما رئيسيا من مقومات وجودها وعن رفضه الاعتذار عن جرائم حركة النهضة في ثمانينات القرن الماضي. السيد راشد الغنوشي اجتهد كثيرا في الفترة الأخيرة لتغيير صورة معينة عهده بها التونسيون، فبعد ما كان يعتبر أن وظيفة المرأة جنسية بالأساس في كتابه "المرأة و القرآن و واقع المسلمين"، أصبح يستند إلى نظرية فرويد الليبيدية ... ومر من مرحلة الرفض القطعي للترحم على الحبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال الحديثة إلى الاعتراف بدوره في تحرير وبناء البلاد. كلام جميل جدااا يا شيخ راشد، وعلى هناته، قد ينبئ بأنك تغيرت و مررت من حقبة الإيمان بنظرية التدافع لإقامة الدولة الإسلامية و من حنينك إلى شبابك الذي يُذكرك به الجهاديون إلى مؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي على السلطة ، لكن ليس لهذا الكلام، وللأسف، ما يدعمه على أرض الواقع ولا يزال محتاجا إلى إثباتات .. لاسيما مع فكرتك الليبيبدية عن المرأة والتي تطرح عديد التساؤلات عن موقفك من المكاسب التي تحققت في عهدي الحبيب بورقيبة وبن علي واتفاقية سيداو لمنع التمييز ضد المرأة .. ذلك أن التنصيص على الموافقة على منع تعدد الزوجات ورفض التمييز ضد المرأة في العمل و في المجتمع أحد الأدلة على أنك بدأت فعلا في التغير يا سيد راشد الغنوشي ، علاوة على ضرورة التأكيد في ميثاق حركتك في مؤتمرها المقبل على ترسيخ مدنية الدولة وتطبيق الديمقراطية وعدم اعتبارها فقط مطية أو وسيلة لتحقيق حكم الخليفة العادل وإقامة الدولة الإسلامية. تدعي يا شيخ راشد أنك تغيرت، بينما لا تزال عضوا في اتحاد علماء المسلمين الذي يقوده سيء الذكر شيخك يوسف القرضاوي، ولا تزال تدعم كل أنشطته بتونس و تقدم كل الرعاية لهذا الهيكل الذي يمثل الجناح الديني لجماعة الإخوان المسلمين ذات الأجنحة العديدة الأخرى كالجناح العسكري والسياسي...، وقد تنجح يا شيخ راشد الغنوشي في تسويق الوهم للبعض أنك قد بدّلت أفكارك و أصبحت ديمقراطيا، بينما نعلم كلنا، وأنت أولنا، أنك لا تزال كما كنت في شبابك والذي وصفت السلفيين الجهاديين بأنهم يذكرونك به، ثم تنصلت منهم قائلا بأنهم خيّبوا ظنك، ولن نستبعد في قادم الأيام لو تقول أن الديمقراطيين، الذين تغازلهم اليوم، قد خيّبوا ظنك أيضا و أن النصوص الدينية تقول أن الديمقراطية كافرة ولا تصلح لحكم المسلمين. تسويقك لوهم تغيّرك يا شيخ راشد، اصطدم في حوارك الأخير مع الإذاعة الوطنية بانفعالك الشديد عند سؤالك عن أسباب عدم اعتذار حزبك لضحايا تفجيرات النزل في مدينتي سوسة والمنستير وحرق مواطن تونسي حيا واستهداف النساء التونسيات بماء الفرق "ماء النار"، وارتفع صوتك في المصدح مبرّرا جرائم قام بها حزبك في ثمانينات القرن الماضي بالقمع ودخول إخوتك في التنظيم إلى السجون وتشردهم في المنافي، وليس انفعالك وعدم اعتذارك إلا دليلا على زيف كلامك. على كل حال ومهما قلت جميل الكلام عن الديمقراطية يا سيد راشد الغنوشي ، لا يزال الرأي العام التونسي في انتظار مؤتمركم المقبل وما سيصدر عنه من وثائق تُعتبر وحدها المعيار الحقيقي لتقييم مدى قطعك وحزبك مع ما كنتم تؤمنون به من إقامة للشريعة وكره للديمقراطية التي تتصدّر حديثك إلى خصومك وحلفاءك وللتونسيين جميعا... وحدها الوثائق المكتوبة ستحدد مصداقية ما يصفكم به حلفاء اليوم و أعداء الأمس من تحول نحو الديمقراطية.