من كان يبحث عن البترول في شوارع العاصمة يوم السّبت 30 ماي الجاري في مسيرة جابت وسط العاصمة ؟؟ومن كان يلهث وراء ريع هذا البترول من خلال هذه الحملة "؟ "وينو البترول " بدت من الوهلة الاولى مُزحة فايسبوكية عابرة سرعان ما تشعّبت ونمت في أذهان فئات عدّة ..مزحة بسيطة نفخ فيها من نفخ من ريح نواياه التي لا يعلمها الا الله ..و اثخن فيها تعميقا وتشريحا فطاحلة التّحليل الجيولوجي لنكتشف وليعيدوا على مسامعنا أن تونس تسبح فوق بحر من النفط .بل أن أحد هؤلاء الجهابذة قال إن نصيب كل مواطن تونسي شهريا يزيد عن اثني عشرة ألف دينار من ريع النفط ..وهو ما حدا بأحد المواطنين على واحدة من المحطات الاذاعية الخاصة أن يطلب من الدولة حقه في البترول أو اعفاء كل المواطنين من دفع فواتير الماء والكهرباء .. هذا ما أوصلنا اليه جهابذة التحليل الجيولوجي الذين عبّؤوا بطوننا ريحا ..إن كان لتونس فعلا بحر من البترول فلماذا لا نستثمره ؟ ولماذا نخبؤه ونتستر عليه ؟ وهل يمكن للحكومات ان تخبأ البترول ؟ او هل يمكن للانظمة أن تتستّر على آبار نفط ؟ في عالم مفتوح يعرف فيه موعد ومكان تناسل الذّباب.. هل يمكن ان تستثمر حكومة النفط وتتستر على آباره دون ان يعلم الناس جميعا ؟ حملة "وينو البترول" بدأت أيقونة جميلة متالقة ،،و كان لها ان تبقى في ألقها ذاك ..وإن تطوّرت كان لا بدّ لها ان تتغير العناوين من أجل الحفاظ على وجاهة تلك الأيقونة الجنينية المعبأة بالرمزية .. كان على التونسيين اليوم ان يحشدوا الناس للمطالبة بالعدالة الجبائية فهل يعقل ان يظل هؤلاء المستكرشين خارج الضوء وخارج الدولة ؟ هؤلاء هم من يستثمرون في مثل هذه الفراغات .يتفيّؤون في ظل الهزات و يستثمرون كل لحظة يتلهّى فيها التونسيون بصغائر الأمور والحال أننا شعب لا تلهينا الصغائر بل نرنوا دوما الى بلوغ المراحل المتقدّمة من الألق والوجاهة . يا حبّذا لو كنّا فعلا نسبح فوق بحر من البترول ..سنسحق كل من يفنّد هذا القول ..لكن أن نركب أمواجا عاتية قد تأخذنا إلى المجهول فهذا لا يعكس قيمة شعب انتفض من أجل الكرامة والعمل لا من أجل البحث عن ريع آبار النفط المخبأة في ثنايا الخريطة ..النفط ثروة زائلة لا تنفع أحيانا بل تكبل أبناء الوطن وتقتل فيهم روح المبادرة والعمل ولنا في بعض الدول الخليجية أبرز دليل ..لا بد أن نبحث عن الثروات التي تضاهي الثروات النفطية في وجداننا من خلال تحريك الضّمير الذي أخذه النّعاس فباتت قيم العمل والاخلاص والتفاني والمبادرة في طي النسيان ..لا بدّأن نثأر لثورتنا بتحفيز المجتهد وإذكاء روح المبادرة والعمل فيمن إستكان وفَقَد الأمل ..لا بدّأن نرفع شعار " وينو التونسي " بدل "وينو البترول " . أخشى ما أخشاه ان تستثمر بعض الجهات الحانقة واليائسة هذه اللحظات لتزجّ بنا مجدّدا في اتون الفوضى وهي التي تجد ناصيتها في تلك المناخات ..علّني أسأت فيهم الظن ،،وأتمنى ذلك ..لأن "وينو البترول " رغم وجاهة السؤال هو بيع للوهم والهاء مجاني ..المبحث والسؤال الحقيقي هو أن نقاوم الفساد ونتصدّى للمفسدين بترسانة من القوانين والسّواعد التي لا تفتّ عزيمتها بالعمل والاجتهاد ونكران الذّات من أجل تونس لا من أجل ما تدرّه علينا من غنائم ومناصب ..السّؤال الذي يجب ان يُرفع عاليا أين مطالب الثورة ؟ اين القوانين الثورية التي تغير وجه البلاد والعباد وتنفض الغبار عن الوجوه المنمقة بألوان الزّهو الثوري والمسكونة برغبة العودة الى المربّع الاول من التحكّم في الرّقاب و سياسة الاحتواء والتّوجيه. لست ضدّ الحملة ولكنني ارفض ان يضحك علينا -او يحاول -من يرغبون في استثمار الفوضى ..ولعلّ بعض الشّعارات التي رفعت والتي طالبت باسقاط الحكومة هي نزعة ونزوع بل ودفع نحو الفوضى ..لسنا في حاجة لمزيد من إهدار القيم والوقت والجهد في مهاترات لا تُغني ولا تسمن من جوع .. إطرحوا اسئلة أعمق ..ووحده السّؤال يضمن لنا ماء الحياة ... وفي الاخير ...وينهم التوانسة؟ ...اين هم التونسيين الذين ينبشون الأرض بأظافرهم ..ويقتلعون العِلْم من مناهله بكلّ ما أوتوا من طاقة فكريّة ..ولا يبخلون بحبّة عَرَق من أجل تونس ..لا من أجل نفطها المنكفئ على نفسه في غياهب الطبقات الارضية عندنا ؟؟ او عند جيراننا ...وينو البترول!!؟