هذه دولة مدنية مكفولة فيها الحرية لكل الأطياف من التونسيات والتونسيين مهما كانت معتقداتهم مادامت ممارسة هذه الحرية لا تنال من حرية الآخرين ولا تمس مقدساتهم، وليست دولة دينية حتى تمارس فيها الوصاية على الحريات باسم الدين.. والجدل حول هذا إنما وقع حسمه في الدستور.. وأي استدعاء جديد له هو انقلاب على الدستور.. و مفطرو رمضان هم تونسيون مثلهم مثل الصائمين من حقهم التمتع بحقهم الدستوري في ممارسة حرياتهم الفردية وليس من حق أحد إكراههم على الصيام. والمجاهرة بالإفطار هي ظاهرة وهمية لا وجود لها في تونس وهي من افتعال من لا يؤمنون بالحرية الشخصية لأن المطاعم والمقاهي المخصصة للمفطرين هي أصلا محجوبة على الأنظار. . وكل منشور أو قرار إداري أو ترتيب بلدي يقضي بغلق المطاعم أو المقاهي المخصصة للمفطرين ومحاولة التحرش بهم هو نيل من الحريات الفردية التي أس من أسس الدولة الجمهورية المدنية ومخالف للدستور.. والصمت من قبل أي طرف سياسي أو مدني على أي قرار إداري أو حتى قانون به مخالفة لأي مادة من مواد الدستور لاسيما فيما يتعلق بالحريات الفردية والعامة وعدم المطالبة بالغاءه أو تعديله ليناسب الدستور إنما هو صمت ومشاركة صريحة في الانقلاب على الدستور.. والذين بدأنا نشتم منهم مؤخرا محاولة إباحة جلدة المفطرين بدافع من مرجعية إقصاءية نذكرهم بأن نفس العقلية التي دفعت عون أمن إلى الاعتداء على مواطنة في مقهى مفطرين هي نفس العقلية التي كانت تدفع قبل ذلك أعوان الأمن إلى نزع الحجاب عن بناتكم.. والنيل من الحرية الفردية في الإفطار هو من نفس جنس النيل من حرية اللباس أو ممارسة الشعائر الدينية.. وصمتكم على عودة التحرش الأمني بالحرية الفردية لمن ليسوا من أبناء جلدتكم السياسية إنما هو مشاركة في منعطف رجعي مرفوض قد يؤدي غدا إلى عودة التحرش بالحرية الفردية لأبناء جلدتكم.. الحريات لا تتجزأ وحقوق الإنسان لا تتجزأ وهي إستحقاق وطني يجب أن تكون كل الأطياف الوطنية الحداثية منها والإسلامية على نفس الخط منه موحدة حول الدفاع عنها .. ومحاولة الانقلاب على حقوق كفلها الدستور هو محاولة انقلاب على الديمقراطية نفسها.. وعلى الجمعيات والأحزاب والزعامات مهما كان لونها أن تشرع في خوض التنديد والاحتجاج بأي نيل من الحريات.. والدستور أولا ثم تأتي القوانين.. الدستور أولا لأنه آب القوانين.. الدستور أولا ولا خير في قانون أو منشور ليس ابن شرعي للدستور .. هكذا هي الديمقراطيات..