توسعت دائرة الارهاب وانتقلت من اغتيالات فردية الى جماعية .. منذ سنتين كنت أذهب في أغلب تفسيري الى الوضع المادي الاجتماعي الهشّ لهذه الفئات التي تلتحق بالجماعات الارهابية بتفاقم ظاهرة الرشوة والفساد خاصة على الحدود ولأصحاب النفوس الضعيفة أمام الاغراءات المادية وتردّي أوضاعهم ، ولكن لا أرى اليوم وبعد سنتين من المتابعة والاهتمام أن هذا التفسير كافيا. تطوّرت ظاهرة الارهاب لتمسّ فئات وشرائح عمرية غير التي كانت عليه منذ أكثر من سنتين ، وأصبحت تشتغل بمنطلقين قد لا يلتقيان في الظاهر وفي نفس الهدف المرسوم ونقطة الوصول ولكنهما تلتقيان في المسار الذي يطمع كلّ واحد منهما الى بلوغ هدفه من خلاله : الدولة الاسلامية والخلافة لأصحاب مشروع الخلافة ، والدولة الاجتماعية الاسلامية لأصحاب هذا المشروع الأخير ( الفرق جزئي هنا والقسمة محسومة مسبقا ). ثقافتان مختلفتان في الهدف ومتوحدّتان في الطريق الى الهدف ، ثقافتان تشتغلان بشكل مارطوني وبعقلية الاستقطاب وتحقيق الكتلة بكلّ الطرق ، بالمصادرة على الأفكار ،بالعزل عن أي فكر نقدي مختلف بتشويه كلّ فكرة أو مشروع سياسي اجتماعي مختلف مهما كانت طبيعنه ومنطلقاته ، يساري يميني ، ليبيرالي بما هو صحيح وبما هو خاطئ ، اقصاء الأفراد وتشويههم بما هو صحيح وما هو خاطئ أيضا ، ثقافتان تشتغلان بعقلية ازدواج الخطاب واللغة الحاملة للمشروع ، خطاب ظاهري يدافع عن الحريات والقانون ، حرية الفكر والضمير والممارسة وبناء الدولة الديمقراطية العادلة ، وخطاب داخلي عقدي اسلامي واسلاموي . خطاب خلال سنتين جنّد وهيمن على الأفكار والعقول ، خطاب توفّرت له المنابر الاعلامية والمحطات الفضائية وشبكة التواصل الاجتماعي فهيمن على العقول وغسل امكانت التفكير ، يستقطب الطلبة والمتعلّمين ، خطاب جعل الطلبة المتنورين يخشون المرور والتعبير على الفكر النقدي المحاور البناء وصادر على عقولهم وجنّدهم قطيعا لصالح مشروعه ( دون تعميم هنا ) هذه الثقافة التي تابعت اشتغالها المكثف خلال هذه السنوات تأتي نتائجها الخطيرة اليوم ، ثقافة تصرّ على أن الارهاب في تونس ليس الارهاب الديني وانما هو ارهاب الدولة. وخلال هذه السنوات لم أبرأ الدولة من مسؤولية الارهاب وحتى اعتبارها المسؤولة بشكل مباشر خاصّة بالنسبة للاغتيالات الفردية كاغتيال الشهيد شكري بلعيد، ولكن أي فكر نقدي وطني حرّ يتأكد اليوم أنّ الارهاب ، ارهاب اسلاموي منظّم ماض في مشروع الدولة الاسىلامية ودولة الخلافة وأن استراتيجية بلوغ هذا الهدف تكون أولا باستهداف الثقافة المدنية ثقافة المؤسسات وثقافة القانون ، أي كمرحلة أولى اسقاط الدولة بثقافة اللادولة ثمّ تأسيس الخلافة لمن يشتغلون لمشروع الخلافة ، والدولة الاسلامية الاجتماعية لأصحاب الدولة الاسلامية الاجتماعية . وأسأل هنا حماية الدولة ومؤسسات المجتمع أولوية مطلقة هي اليوم ، لن أدافع عن الحكومات أي حكومة ، مهما كان لونها أو مرجعيتها ، لن أدافع عن الحكومة الاّ بما يمكن أن تقدّمه لصالح العدالة والحرية والبناء ، ولن أترك هذان المشروعان ينجزا على أرض تونس التي دفع ضريبة بناء كيانها ومؤسساتها أجيال بالنضال بالسجون بالدماء بالتشريد ...لن أترك هذا المشروعان يدمّران البلد مهما كانت نواياهم وأهدافهم ، لن أتركهما بما أوتيت من جهد وبما استطعت .