أصدرت هيئة الحقيقة والكرامة بيانا أوضحت فيه موقفها الرسمي من مشروع القانون الأساسي المتعلق “بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي” الذي اقترحته رئاسة الجمهورية. وفي ما يلي نصّ البيان كاملا: ان مجلس هيئة الحقيقة والكرامة المجتمع بتاريخ 20 جويلية 2015، وبعد اطلاعه على مشروع القانون الأساسي المتعلق ” بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي” موضوع المبادرة التشريعية الصادرة عن رئاسة الجمهورية والتي صادق عليها مجلس الوزراء بتاريخ 14 جويلية 2015 يهمه أن يبيّن للرأي العام ما يلي : أوّلا : إنّ العدالة الانتقالية وفقا للمبادئ والمعايير الدولية المتفق عليها هي مسار متكامل ومترابط من الآليات المؤدّية لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الانسان في مفهومها الشامل وذلك بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يرسي ضمانات عدم التكرار ويساهم في اصلاح المؤسسات والتشاريع ويحقق المصالحة الوطنية المنشودة ويدعم في بناء دولة القانون. ثانيا : انّ ارساء منظومة العدالة الانتقالية في تونس بموجب القانون الأساسي عدد53 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 هو استحقاق من استحقاقات ثورة الحرية والكرامة التي قامت أساسا على مقاومة الفساد والاستبداد، ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011 التي قامت خاصة من أجل التخلص من منظومتي الفساد والاستبداد، كما هو استحقاق وضمانة من ضمانات الانتقال الديمقراطي السليم تم التنصيص عليه بدستور 2014 سواء بتوطئته أو بأحكامه الانتقالية وخاصة منها النقطة التاسعة من الفصل 148 والتي ألزمت الدولة ” بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدّة الزمنية المحدّدة بالتشريع المتعلّق بها…” ثالثا : إنّ مشروع قانون المصالحة موضوع المبادرة التشريعية المذكورة يفرغ منظومة العدالة الانتقالية من محتواها ويؤدّي إلى التخلّي عن أهم آلياتها في كشف الحقيقة والمساءلة و التحكيم و المصالحة واصلاح المؤسسات لضمان عدم التكرار، كما أنّه يضمن الافلات من العقاب لمرتكبي أفعال تتعلّق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام. رابعا : إنّ مشروع قانون المصالحة المذكور أعدّ دون استشارة أيّ من المؤسّسات والهياكل القائمة ذات العلاقة بموضوعه وخاصة منها هيئة الحقيقة والكرامة لاسيّما وأنّه تم التنصيص به على مشاركة أعضاء الهيئة في تركيبة لجنة التحكيم المقترحة في حدود الثلث، وهو خيار علاوة على عدم وجاهته من الناحية القانونية فهو يتناقض مع صفة أعضاء الهيئة باعتبارهم منتخبين ضمن جهاز مستقل، كما يشكّل ازدواجا في المهام والوظائف مع لجنة التحكيم والمصالحة المحدثة صلب هيئة الحقيقة والكرامة بموجب نص قانوني سابق الوضع. خامسا : إنّ هذا المشروع وعلاوة على تعارضه مع أحكام الدستور واهماله لقواعد النظام العام الدستوري، فإنّه لا ينسجم مع التزامات الدّولة التونسية في مجال مكافحة الفساد وانفاذ القوانين الواقية منه على غرار الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها تونس، فضلا عن تضمّنه أحكاما لا تضمن حيادية واستقلالية لجنة التحكيم المقترحة باعتبارها لجنة إدارية بحتة تخضع لتبعيّة ثنائيّة للجهاز التنفيذي من حيث التركيبة والإشراف. سادسا : إنّ آلية التحكيم والمصالحة في قضايا الفساد المالي والجرائم الاقتصادية من مهام لجنة التحكيم والمصالحة التابعة لهيئة الحقيقة والكرامة، وقد شرعت بعد في إنجازها طبقا لأحكام الفصول من 45 الى 50 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية ضمن منظومة قانونية دقيقة وناجعة لتوقيع الصلح أو التحكيم بما يغني عن استنباط أية أشكال موازية في هذا المجال. سابعا : إنّ تهيئة مناخ ملائم للأعمال والاستثمار في البلاد يتطلب اطلاق استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد والتوقّي منه ولا يمكن البتّة اختزاله في معالجة ملفات مخصوصة للأفراد المتورطين في الانتهاكات المالية والاعتداء على المال العام. كما أنّ التنمية الاقتصادية الحقيقية تتطلب إصلاح التشاريع والمؤسسات التي ساهمت في تكريس منظومة الفساد وفي تخريب الاقتصاد الوطني طيلة كامل الفترة المشمولة بقانون العدالة الانتقالية. ثامنا : تعتبر هيئة الحقيقة والكرامة أن ما ورد ب“مشروع المصالحة” يمثل رسالة سلبية للمستثمرين الوطنيين والأجانب ولكل الدول والمؤسسات المالية العالمية التي تشترط توفّر مناخ ملائم خال من الفساد المالي والاداري يقوم على علويّة القانون واستقلال القضاء.