بداية من اليوم: النفاذ إلى فضاء الولي بموقع مدرستي باعتماد الهوية الرقمية    العمران الأعلى: القبض على شخص يعمد إلى نزع أدباشه والتجاهر بالفاحشة أمام مبيت جامعي    عاجل/ جمايكا تعترف بدولة فلسطين    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    صعود ركاب المترو عبر باب مهشّم: شركة نقل تونس توضّح    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    فاطمة المسدي: ''هناك مخطط ..وتجار يتمعشوا من الإتجار في أفارقة جنوب الصحراء''    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    21 قتيلا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الاخيرة!!    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    بنزرت : تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة سهام بن سدرين الأخيرة ! بقلم هادي يحمد
نشر في حقائق أون لاين يوم 28 - 08 - 2015

المرأة ذات القبعة الزرقاء، الماسكة بتفاحة في لوحة بابلو بيكاسو المعلقة في جدار مكتب سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، تشبه بشعرها القصير واستدارة وجهها ورمزيتها صاحبة المكتب.
إنها امرأة كحواء تكشف لنا أن في يدها “تفاحة الإغواء والنفوذ”. البحث عن النفوذ دون التفاحة والإغواء بغير حاجة إلى لسعة الحية التوراتية ، من بين الكلمات المفاتيح لرسم بورتريه سهام بن سدرين.
فالمرأة التي بلغت من العمر عتيا (65 سنة) تغالب بشرتها والبشر. فهي تقاوم إرادة بشر لعزلها من منصبها وهي تجاهد سنن تجاعيد الزمن التي تريد الظهور على بشرتها.
بعد حزمة استقالات من أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة ورسائل اتهامات بالتفرد بالقرار وسوء التصرف في أموال الهيئة، مازالت بن سدرين تتحصن في طابقها الخامس في نهج لاس في حي مونبليزير. “باقية في منصبي ودون أن تتمدد تجاعيد العجائز على وجهي” شعارها. هي في ذلك تخوض آخر معاركها.
تحرص بن سدرين على الإيحاء بأنها لم تفقد شيئا من فتنتها الطلابية أيام ذهبت تدرس في إحدى جامعات تولوز الفرنسية منذ أزيد من أربعين حولا.
رحلتها الفرنسية التي طبعت لسانها إلى اليوم وجعلته فرنكفونيا فصيحا مطعما بكلمات دارجة تونسية، لم يتناقض مع ارتدائها حجابا إسلاميا وهي تقسم على المصحف إخلاصا لمهمتها في هيئة الحقيقة الكرامة في نهاية مشوارها.
ولكن كيف لا ترتدي بن سدرين حجابها وقت زكاها صاحب الحمامة الزرقاء؟!. بن سدرين تحب اللون الأزرق وتحرص على تناسق ألوان ما ترتديه. هي تغير ألوان ثيابها بشكل يومي كما غيرت بعضا من قناعتها على امتداد سنينها الستين. من الطبيعي ان تتغير القناعات مع السنين والثياب بين ليلة وضحاها. لا غرابة.
“المرأة الفاضلة”
سهام بن سدرين لا تختلف عن شيء عن بنات جيلها من النساء التونسيات، صنيعة بورقيبة الذي لم يتمم عملية التحرير، فكان النتاج : امرأة شغوفة بأفكار فولتير ولا تتردد في الاستعانة بدعم “الشيخ” كما تسميه كلما همّ بها خطب!
سياسيا فهمت أن بعضا من تحقيق النفوذ يأتي من عقد تحالف مع جارها، شيخ مونبليزير. كان أنصاره يلقبونها ب”المرأة الفاضلة” ويحتفون بها في المواقع الاجتماعية واجتماعات المساجد “كأيقونة” الثورة ورمزيتها غير الملتحية.
وكانت سهام توجه سهامها الى خصومهم السياسيين. لم تتردد في نقد بعض نقابات “اتحاد الشغل” المخترق من النظام القديم، ولم تتردد في مهاجمة نداء تونس “كإعادة رسكلة للتجمع” وتوجيه سهامها إلى مدرستها اليسارية التي تناهض الإسلاميين.
كانت في كلمات تستعمل المصطلحات التي يعشق سماعها الإسلاميون على اختلاف انتماءاتهم: ثورة مضادة، عودة التجمع، أزلام بن علي.. تحول كل ما يعارضهم ويعارضها الى نظام قديم، حتى فيوليت داغير، الناشطة الحقوقية السورية المسيحية التي كانت رفيقة دربها تحولت إلى نظام قديم!
فهمت المرأة ذات القبعة الزرقاء أن مصيرها كما نفوذها في تلك التفاحة التي تمسكها بيدها. مصيرها يرتبط بتحالف مع أصحاب اللحى، “اصطناعية” كما قالت يوما أو حقيقية لا يهمّ. كل الطرق تؤدي الى النفوذ مشروعة ولو بتناسي تاريخها النسوي اليساري. ربما فهمت أن بلادا يسودها الدين، المجد فيها والنفوذ لا يتأتّى من صالونات الحداثيين!
فهمت بن سدرين بوابات نفوذها مبكرا.
كنسوية يسارية سليلة عائلة حزب التجمع الاشتراكي التقدمي الذي انحدر من تنظيم العامل التونسي اليساري، لم تر بن سدرين في هذا الحزب في بداية حياتها ما كانت تطمح اليه. انتهت بأن أغلقت دونه الباب باحثة عن مجدها في مكان آخر غير الأحزاب.
البحث عن النفوذ بأي طريق وبأي ثمن من أجل صناعة المجد الشخصي دفع ببن سدرين إلى اختيار الإعلام طريقا آخر للظهور. بدأت بمقالات وتحقيقات وحوارات جريئة كصحفية بسيطة وخجولة وطموحة في مجلتي حقائق و المغرب وجريدة لوفار الناطقة بالفرنسية، بعد تجربة معتبرة فهمت أن هذا الطريق لا يؤدي إلى تحقق ما كانت تتمنى.
عادت فيما بعد إلى الأقرب إلى انوثتها بتأسيس مجلتين سياحيتين ولكن فهمت أيضا أن هذه التجربة لا فائدة منها، فمضت تطرق أبوابا جديدة.
كان إصدار جريدة كلمة (2000) ومن بعدها الإذاعة (2008) التي تحمل نفس الاسم في مراحل من مسيرتها لا علاقة لها بتصورها للصحافة في بداياتها الإعلامية البريئة بداية الثمانينات. كانت كلمة وإذاعتها أدوات من أجل الضغط لا غير. تقلدت بن سدرين في ذلك الوقت صفة جديدة كحقوقية لتصبح ناطقة رسمية باسم المجلس الوطني للحريات، في هذا المجلس بالذات وكما سيأتي لاحقا، عثرت بن سدرين على بوابة نفوذها والطريق إلى تحقيق مجدها الشخصي.
“واد ساكت”
تحرص بن سدرين كذات القبعة الزرقاء التي تقف أمامها كل صباح، على استعمال أحمر شفاه خفيف جدا لا ينبئ بتأثير ثغر من عادته ان يتكلم بهدوء عجيب ولكنه يذكر الكثير من التونسيين بذاك المثل القائل” تعدى على واد هرهار ولا تتعدى على واد ساكت”!
هي امرأة تعوزها خطابة المنصات والاجتماعات العامة ولكنها تحبك لغتها وتقنع بقوة في المجالس ومن وراء الأبواب المغلقة.
قصة بن سدرين طويلة وقديمة مع المجالس. من مجلس الحريات الذي ساهمت في تأسيسه في ديسمبر 1998 في نهج أبوظبي الضيق في قلب العاصمة، إلى انتخابها كرئيسة لهيئة الحقيقة والكرامة في جوان 2014، عثرت ابنة ضاحية المرسى سليلة عائلة بن عمار “البلدية” على مجدها الشخصي على حد عبارة بطل رواية الخميائي.
كانت رغبتها أبعد من الاستقرار في فيلا وزوج من قبيل عمر المستيري. باركها هذا الاخير في كل خطواتها ورضيت ان يكون بعلها. من يقود سفينة الزوجية؟! لا يهم. المهم النفوذ والمجد الشخصي، اذا ما تحقق فالرابح بالقطع الزوجان لا أكثر ولا أقل. لم يكن عمر المستيري مجرد زوج لها، كان رفيق طريق وبولدوزير الاقتحامات في الكثير من معاركها في أن تصل إلى ما تريد. اتفقا لا في أن يعيشا سويا فقط وينجبا أطفالا ولكن في أن يمضيا إلى نهاية المغامرة.
كان المجلس الوطني للحريات الذي استقر فيه الزوجان في نهج أبوظبي، ملتقى كل منظمات العالم الحقوقية. منه تنظم الحملات والتحركات ضد نظام بن علي ومنه تصدر كلمة وفيه تعقد الندوات والمؤتمرات. كان شقة عقدة لنظام فهم أن الزوجين ذهبا بعيدا في عقد تحالفات قوية مع داعميه الأساسيين: الأروبيين.
“بيض الدجاجة”
كان المجلس حصان طروادة للولوج إلى جميع القلاع الحصينة، فهمت بن سدرين أن نجاحه كان رهين فتحه ودفاعه عن ملف السجناء الإسلاميين، نهضويين وسلفيين. لهذا السبب نفهم بعضا من تحالف بن سدرين معهم في طموحها الشخصي اليوم. نحن أمام رد جميل قديم.
كان المجلس عنوان كل مسرح من السجون وكل مطارد ومضطهد. كان بمثابة الأداة الفاعلة في التحكم والتاثير في الداخل والخارج ولهذا السبب بالذات استأثرت بن سدرين بإدارته وقيادته. بعض من مؤاخذات أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة اليوم سمعناها في السابق من أعضاء في مجلس الحريات حينما كان فاعلا. استقالة المحامي نجيب حسني (عضو المجلس التأسيسي السابق) في ذلك الوقت من المجلس ورسالته الشهيرة شاهدة.
أيا يكن من أمر كان المجلس الدجاجة التي تبيض ذهبا. عبره عبرت بن سدرين إلى مجدها الشخصي، أيقونة الحرية لمدة سبعة أسابيع سجن النساء بمنوبة في جوان 2001 بعد مشاركتها في برنامج حواري في قناة المستقلة اللندنية. جوائز لا تحصى بعنوان حقوق الإنسان وحرية الصحافة. رحلات وإقامة في المانيا لمدة أشهر تحت عنوان تحقيق الديمقراطية في تونس.
انتهى دور المجلس مع الثورة تقريبا، وتحول إلى مجرد حانوت من بين العشرات الحقوقية الأخرى. أدى غرضه بالنسبة للبلاد و لسهام بن سدرين. كان لا بد من مجلس آخر يستجيب لمرحلة الانتقال الديمقراطي.
الإسلاميون مجددا محور المجد والنفوذ وحصان طروادته. أرادت أن تفتك من الأيام الأولى ملف العدالة الانتقالية فأسست “مركز تونس للعدالة الانتقالية” في أواسط سنة 2011، أي اشهرا قليلة بعد سقوط نظام بن علي. كان الأمر تهيئة لحصولها على منصب رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة بإصرار من أصدقائها الإسلاميين وبدعم من صديقها القديم المنصف المرزوقي الذي وصل إلى قرطاج والذي فهم بدوره أن مجده الشخصي لن يتحقق إلا ببركات الملتحين.
في مكتبها بالطابق الخامس بمبنى هيئة الحقيقة والكرامة على بعد امتار من مكتب شيخ مونبليزير، فهمت بن سدرين أن التحالفات المركبة قد توصلها أحيانا إلى ما تريد ولكنها تظل مركبة ومربكة وقد تغرق مركبها وتغرقه في دوامات الحسابات والمصالح والمصالحة التي يريدها شيخ مونبليزير.
وهي تنظر ألى اللوحة التي تواجهها كل صباح في مكتبها، ربما تفطنت سهام بن سدرين إلى أن بابلو بيكاسو، في الحقيقة قد رسم وجهين لجسد المرأة ذات القبعة الزرقاء. وجهين لشخصية واحدة. “أتراها تشبهني، نسوية ذات جذور يسارية متحالفة مع الإسلاميين؟! أهي انفصامية مثلي؟! أي الشطرين لوجه المرأة أنا؟! ألا يكون المجد والنفوذ إلا بتركيبة امرأة ذات وجهين؟! كم انت خبيث يا بيكاسو!”
المصدر: الشارع المغاربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.