عندما منح المراقب صالح القرجي لحكم مقابلة الأولمبي الباجي وجمعيّة جربة في ماي 2002 علامة قاربت 9 من 10 لم يكن يعلم أنّه بصدد مراقبة أفضل حكم تونسي خلال العشريّة الأخيرة !!! فالقرجي كان شاهدا على ولادة سليم الجديدي الذي أصبح بعدها واحدا من أفضل حكّام تونس. وفي كلّ البطولات فإن هناك حكما يختلف عن البقيّة ويتمتّع بحصانة شعبيّة فلا تؤول هفواته مثل البقيّة وأشهرهم الايطالي «ريزولي» فهو الوحيد في ايطاليا الذي عندما يخطئ لمصلحة جوفنتس لا يتّهم بأنّه تعمّد الهفوة وبالتالي فإن الجديدي هو «ريزولي» تونس في الوقت الراهن. وفي الواقع فإن قوّة الجديدي ليست في قلّة هفواته بل العكس فقد ارتكب هفوات مثل كلّ الحكّام بعضها كان حاسما في تحديد نتائج المقابلات، ونظرية الحكم الأفضل هو الذي يخطئ أقل لا تستقيم مع واقع الكرة في تونس منذ سنوات ولكن الفارق أنّ هناك ثقة في قرارات هذا الحكم تجعل كل لاعب يقبل قراره حتى وإن كان غير مقتنع لأن الصفة المميّزة في هذا الرجل هي الثقة التي يتمتّع بها فلا توجد أخطاء عن سوء نيّة يرتكبها هذا الحكم وهذا رأي اجتمع عنده كل متابعي نشاطه منذ انطلاقته قبل سنوات. واليوم فإن تونس ستخسر واحدا من أهمّ الحكّام خلال السنوات الأخيرة بما أن المقابلات التي يديرها هذا الحكم هي التي تجلب أقل لغط بخصوص قرارات الحكم ومن النادر إن لم نؤكد أنّه من المستحيل أن عارض أي فريق تعيين الجديدي لإدارة مقابلة. شخصيّة قويّة الثقة التي يتمتّع بها الجديدي مردّها الأساسي قوّة شخصيّته فهو حكم لا يخفي حبه للنادي الإفريقي فيحضر مقابلاته ويجلس مع عامة الجماهير ولا يتخفى متحديّا بذلك الأعراف وطبعا فإن موقفا مشابها حرمه خلال السنوات الأخيرة من إدارة المقابلات الكبرى التي يكون الإفريقي طرفا فيها ولكنّ حبّه لناديه عوّض له الغياب عن مقابلاته فيحضر بصفته محبّا. ورغم هذا «المشكل» فقد أدار مقابلات كان النجم أو الترجي طرفا فيها ولم يحتج أي من الفريقين لأن هناك ثقة بأنّه ينسى الإفريقي عندما يدخل إلى الميدان ويبتعد عن الحسابات. ولم تحرم إدارة الإفريقي هذا الحكم من شرف إدارة مقابلة الفريق ضد ليون في 2010 إيمانا منها بأن المجال يسمح بتكريمه فعلاقته بالإفريقي ليست جرما بلا شك وهي علاقة قويّة بما أن والده كان لاعبا شهيرا في الإفريقي لسنوات طويلة. والطريف أن سليم الجديدي أبعد ابنيه عن كرة القدم وألحقهما باختصاص كرة اليد... وهناك من يعتبر أن الإفريقي ربح محبّا وخسر حكما بما أن الجديدي كان ممنوعا من مقابلات الإفريقي وبالتالي خسر حكما محايدا. وعلى هذا الأساس صنع الجديدي الاستثناء فمن النادر أن جمعت شخصيّة رياضيّة الجميع من حولها مثلما فعل الجديدي وخلال السنوات الأخيرة التي احتدّت فيها الانتقادات للحكّام كان دائما رقما خارج دائرة الاتّهام وبعيدا عن مساحة النقد لأن هفواته لا تكون عن سوء نيّة ونعتبر أن سليم الجديدي يعدّ المنوال الأمثل لمسيرة ناجحة بما أنّه مارس كرة القدم إذ لعب للنجم الرادسي ونادي مقرين وبالتالي كانت لديه فكرة عن معاناة اللاعب وطبعا فإن هناك فارقا بين أن تكون حكما مغرما ولكن دون معرفة بتفاصيل اللعبة أو أن تكون حكما حفظ أبجديّات اللعب من الدورات التكوينيّة فقط. كما أن الجديدي من الحكّام الذين حرصوا على أن يكون لهم تكوين في المجال العلمي بما أنّه مهندس إعلاميّة ويعمل الآن في أحد البنوك وهذا يعني أنّه اهتمّ بتكوينه العلمي والرياضي في الآن نفسه ما ساعده على النجاح حتما في مسيرته وفي حياته اليوميّة كما أنّه انخرط في العمل الجمعيّاتي من أجل الدفاع عن حقوق الحكّام فقد كان بدوره عرضة لبعض المشاكل وخاصة مع زياد الجزيري الموسم قبل الماضي. 2013 مختلفة الحضور الدولي لسليم الجديدي لم يكن مكثّفا خلال الدورات النهائيّة ففي رصيده مشاركتين في نهائيّات أمم إفريقيا 2012 2013 وأدار مقابلة نصف النهائي بين بوركينا فاسو وغانا (2013) وهي مقابلة شهيرة بما أن الجديدي ارتكب هفوة عندما طرد لاعبا من بوركينافاسو ولكن بعد ذلك ألغت الكنفيدرالية القرار وعاقبت الجديدي. وعادة فإن من يتعرّض إلى موقف فريد مثل الذي عاشه الجديدي بما أن الحادثة غير مألوفة حتما ينهار ولكنّه عاد بقوّة وفرض نفسه على الساحة ولم يترك حادثة نصف النهائي تؤثّر فيه حيث كان ضمن قائمة الحكّام النهائيّة واجتاز كل المراحل بنجاح قبل اختيار المجموعة الأخيرة ويبدو أيضا أن مشكل الحكم المساعد بشير الحسّاني في نهاية الموسم قد أضعف موقفه فقد اتهم بأنّه حاول «تسخير» الحكّام من أجل مساعدة النجم الساحلي. كما أدار الجديدي مقابلات في الألعاب الأولمبيّة 2012 ومقابلات في نهائيّات أمم إفريقيا في مناسبتين وأيضا في نهائيّات كأس العالم للشبّان لكن لا نعتقد أنّه راض عن رصيده من التجربة الدوليّة خاصة وأنّه لم يحضر نهائيّات كأس العالم ولكنّه نال شرف إدارة نهائي كأس تونس مرّتين. وطبعا فإن نهاية مسيرة الجديدي كانت أصعب من بدايته بما أنّه ابتعد عن إدارة المقابلات منذ مباراة الاتحاد المنستيري والشبيبة القيروانيّة في ديسمبر الماضي لتكون خاتمة مسيرته. ويخوض الجديدي الان تجربة جديدة في عالم التحليل الفنّي وإلى حدّ الان فإن المافيولا بإشرافه لم تواجه أي نقد لسبب بسيط وهو أن الجميع يعلم أنّه نزيه وبعيد عن الحسابات الضيّقة. المصدر: الصحافة اليوم