تم إحداث وكالة الاتصال الخارجي بموجب القانون الصادر بالرائد الرسمي بتاريخ 07 أوت 1990 قصد تعزيز الحضور الإعلامي لتونس في الخارج والتعريف بإنجازاتها ومكاسبها في كل المجالات، ومساعدة المراسلين الصحفيين الأجانب في أداء مهامهم بتونس، وجمع وتحليل الأخبار والتعاليق الصادرة بالصحف الأجنبية حول كل المسائل التي تهم تونس. وتدريجيا تغيرت وجهة هذا الجهاز الإعلامي من جهاز للاتصال الخارجي إلى جهاز لتلميع صورة المخلوع ونظامه داخليا و خارجيا عبر إهدار الأموال المتأتية من الإشهار العمومي. حيث كانت الوكالة ومن خلالها السلطة السياسية القائمة تعطي الإشهار لمن يواليها وتمنعه عن كل من لا يسايرها و لا يبارك و يهلل للسياسة الحكمية والانجازات العظيمة . كما عملت الوكالة أساسا على تحسين صورة النظام في الخارج وتزييف الحقائق حول التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ووضع حقوق الإنسان من خلال الاعتمادات المالية الضخمة التي سخرت لها لشراء ذمم عدد من الصحفيين الأجانب والمؤسسات الإعلامية المهيأة لذلك والرامية عرض الحائط بأخلاقيات المهنة. كما تمتع هذا الجهاز الإعلامي باستقلالية مالية مكنته بأن ينفق من دون رقيب ، فالمخلوع أراده أن يتمتع بمرونة في التصرف الإداري والمالي حتى يحقق الأهداف المرجوة منه بكل سرعة ونجاعة. واعتمدت هذه الوكالة في مستوى عملها علاوة على موظفين قارين ،على أعوان من إدارات ومؤسسات إعلامية عمومية، استقدمتهم للدعاية والترويج لسياسة النظام السابق و تلميع صورته كما عمل بها متعاقدون خارجيون يتقاضون أجورا حسب الخدمات المقدمة . بعد الثورة تم تجميد عمل هذه الوكالة ولم يتحدد إلى الآن مصيرها و لا مصير العاملين بها . لكن معطيات عديدة تبين أن خَدمة النظام السابق من المتعاملين مع هذه الوكالة والذين ثبت تورطهم لازالوا فاعلين في الساحة الإعلامية و تم توزيع بعضهم وإلحاقهم بالمؤسسات العمومية . إذ عاد الملحقين بوكالة الاتصال الخارجي التابعين لوسائل إعلام عمومية إلى سالف عملهم دون أن تتم مسائلتهم أو محاسبتهم عما فعلوه طيلة عملهم بذلك الجهاز و عن الامتيازات التي تمتعوا بها. كما أن العديد منهم قد تم إدراجهم بهذه المؤسسات العمومية بعد أن سارع المتنفذين في هذه الوكالة إلى إعادة زرعهم بعد أن وجدوا تسوية مع الحكومة السابقة تخول لهم كموظفين سابقين بهيكل عمومي من الاندماج بمؤسسات إعلامية عمومية أخرى دون مساءلتهم و محاسبتهم عما اقترفوه من جرائم بحق الإعلام و بحق المال العام الذي تلقوه جراء تلميعهم لصورة النظام السابق وكأن شيئا لم يكن طيلة أكثر من عشرين سنة . لكن بعض محاولات إعادة التموقع و إدماجهم و إلحاقهم باءت بالفشل عندما تصدى صحفيو وكالة تونس إفريقيا للأنباء للمساعي الرامية لدمج موظفين سابقين بوكالة الاتصال الخارجي واحتجوا على قبول الوزارة الأولى إقرار عمل أشخاص تم انتدابهم خلال السنوات السابقة بصفة صحافيين وإداريين بالوكالة بطرق مخالفة للقانون الأساسي، ولاعتبارات تتعلق أساسا بالولاء لأطراف سياسية نافذة في نظام المخلوع. ومن بين هؤلاء الأشخاص من لم يكن له وجود فعلي في وكالة تونس إفريقيا للأنباء ولم يسبق له مباشرة العمل بأي مصلحة من مصالح المؤسسة"، و لعل أبرز مثال على هؤلاء المورطين الذي تصدى له أعوان الوكالة ،الصحفي علي بن نصيب الذي احترف في عهد الرئيس المخلوع ثلب وقذف معارضي الحكم ونشطاء حقوق الإنسان على أعمدة بعض الصحف اليومية، بما يتعارض مع أخلاقيات المهنة الصحافية وميثاق الشرف المهني كما كان مدافعا شرسا على نظام بن علي وملمعا لصورته كلما سمحت له الفرصة بالظهور بإحدى الفضائيات. كما أن المتتبع للشأن الإعلامي يجد أن خلية الإعلام و الاتصال بالوزارة الأولى تتكون من صحفيين شغلوا مناصب هامة بوكالة الاتصال الخارجي و على سبيل الذكر نجد أن من بين موظفي الوكالة المورطين الذين لازالوا فاعلين في المشهد الإعلامي نجد أغلب أعضاء خلية الإعلام و الاتصال بالوزارة الأولى التي ترأسها معز السيناوي إثر الثورة و التي يترأسها حاليا رضا القزدغلي. ولعل أبرز الوجوه بهذه الخلية عائدة القليبي التي كانت تعمل سنوات الثمانينات كموظفة بوزارة الاتصال و إثر تأسيس وكالة الاتصال الخارجي بداية التسعينات التي تتبع الوزارة المذكورة هيكليا في ذلك الوقت ، التحقت بمكتب باريس التابع للوكالة و الذي كان يعمل في الخفاء في تلك الفترة وكانت مهمته حينذاك متابعة لملف المنصف بن علي شقيق المخلوع والذي صدرت بحقه مذكرة توقيف في قضية مخدرات وتمت المحاكمة في فرنسا دون حضور المنصف ، وحكمت المحكمة عليه ب عشرة سنوات سجن. وسارع مكتب الوكالة بعد هذه القضية التي و لا شك أنها أقلقت المخلوع سارع إلى محاولة تغطية هذه الفضيحة عبر شن حملات إعلامية تلمّع من صورة تونس في عهد بن علي. وساهمت القليبي شأنها شأن بقية العاملين بالوكالة في تلميع صورة المخلوع وخاصة تشويه الشخصيات الوطنية والمعارضة لبن علي في تلك الفترة ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الناشط الحقوقي ورئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية أحمد المناعي خاصة بعد تأسيسه رفقة المنذر صفر "للجنة التونسية من أجل استقالة بن علي" الذي قال في تصريح صحفي إنها نشرت مقالات بالصحافة الفرنسية بداية التسعينات تتهمه فيها بارتباطه "بالحركة الأصولية التونسية" ذات السمعة السيئة في تلك الفترة بعد أن شوهها بن علي كما يحلو له في الخارج لتبرير الفضائع والشنائع التي كان يرتكبها بحقهم في الداخل . ومن بين الصحفيين الآخرين الملحقين بوكالة الاتصال الخارجي الذين برزوا في المشهد الإعلامي بعد الثورة نجد الصحفي العائد إلى التلفزة الوطنية إيهاب الشاوش والذي كان ملحقا بالوكالة المذكورة و متعاونا معها في السنوات السابقة. كما تجدر الإشارة إلى أن إيهاب كان متعاقدا مع قناة َ "anb" اللبنانبة التي أوضح تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد حجم الأموال التي تحصلت عليها وكانت مهمتة إرسال خطب المخلوع للفضائيات وقد تم التحقيق معه رفقة برهان بسيس حول ملابسات عملهم و تعاملاتهم مع الوكالة وسوء التصرف المالي داخلها. ومن بين الأسماء الأخرى التي استطعنا التحصل عليها نجد الصحفي عبد السلام بلال الصحفي بقسم الأخبار بالتلفزة الوطنية الذي كان ملحقا بوكالة الاتصال الخارجي مكلفا بمتابعة التظاهرات الكبرى التي كان ينظمها التجمع و السير على حسن تغطيتها ، و هذا الصحفي لازال يواصل نشاطه بقسم الأخبار بالتلفزة التونسية و كأن شيئا لم يكن. هذه الأسماء لا تمثل إلا عينة صغيرة عن الوجوه الإعلامية التي لم تتم محاسبتهم جراء استنفاعهم بغير وجه حق من امتيازات وكالة الاتصال الخارجي و من أموال الشعب التونسي ولا مما لا شك فيه أن عددهم كبير و كشفهم يستوجب التدقيق في كل ملفات الوكالة و السكوت عن ممارساتهم في الماضي من شأنه أن يجعل الطريق مفتوحا أمامهم لكي يفلتوا من المحاسبة و تواصل تواجدهم في مراكز حساسة من شأنه أن يعيق عملية الإصلاح الإعلامي الذي بدونه لن نستطيع تركيز نظام ديمقراطي مستقبلا. و من الضروري الإشارة في هذا المجال إلى أن لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة و الفساد قطعت شوطا مهما في كشف ملفات بعض المتورطين مع وكالة الاتصال الخارجي و رغم ذلك فإن الأمر لم يتعدى مرحلة الكشف ولم تصل إلى المحاسبة الفعلية و حتى التحقيقات القضائية التي تم فتحها حول ملف الفساد بالوكالة لم تمنع الفاسدين من الظهور مجددا على الساحة الإعلامية. وتبين أنه عدم المحاسبة و عدم الكشف عن التجاوزات التي قام بها صحفيو بلاط بن علي الذين تورطوا مع وكالة الاتصال الخارجي و تمعشوا منها شجع أيضا أبرز وجوه الفساد في قطاع الإعلام بوبكر الصغير إلى العودة من جديد لا بمجلته الملاحظ التي أغلقها إثر هروب سيده و التي شكّلت أهمّ أبواق الدّعاية له، بل كرئيس تحرير لجريدة المحرر اليومية وخاصة بمجموعة من وسائل الإعلام الجديدة والمتمثلة في مجلة اقتصادية أسماها "أسواق" و السؤال يطرح نفسه و الموجه إليه هل ستحدثنا فيها عن الأسواق التي بعتم فيها ذممك ودافعتم فيها عن المخلوع و التي ارتفعت أسهمكم فيها كل ما زدتم و زايدتم فيها تضليلا و كذبا وتشويها لما كان يحدث بتونس . هذا بالإضافة إلى مجموعة من المواقع الالكترونية الأول أسماه "أسرار عربية" و نحن في انتظار أسرار الصفقات و "الكاشيات" التي قبضها من وكالة الاتصال الخارجي جراء كذبه وافتراءاته على النشطاء في الفضائيات العربية و الثاني أسماه "تونسيون" و لا أظن أن التونسيين "سي" بوبكر راضون بأن تسمي موقعك بهذا الاسم ، والثالث أسماه "تونس اليوم" و هذا الموقع الذي يقول بأنه بوابة الكترونية شاملة تم تركيبه على موقع مجلة الملاحظ التي كما سبقنا القول أنه قام بغلقها ليعود إلى الساحة الإعلامية بهذه العناوين وربما في الأيام القادمة تزداد هذه العناوين بما أن الأموال التي تحصل عليها جراء خدماته لبن علي والنظام السابق تخول له بأن يكون "مردوخ" الإعلام التونسي و أحد البارونات مستقبلا مثل ما كان سابقا .