لقاء دائمًا ما يكون ذا صبغة خاصة و نوع آخر، ذلك الذي يجمع بين عملاقين في عالم كرة القدم فاز أحدهما بكأسي عالم و الآخر بثلاثة. المنافسة الشرسة دائمًا ما تكون حاضرة في اللقاءات التي تجمعهما، حتى على صعيد المباريات الودية، و ذلك عائد إلى نهائيي كأس العالم التاريخيين عامي 1986 و 1990 حينما حقق المنتخب الأرجنتيني كأس العالم على حساب المنتخب الألماني في المكسيك، قبل أن يعود و يخسرها لصالح المنتخب الألماني في إيطاليا. أيضًا، سيكون لقاء اليوم ذا طابع محموم بعدما عاد التاريخ ليكرر نفسه و يضع كلا الطرفين في مواجهة نارية في الدور ربع النهائي بجنوب أفريقيا بعدما سبق و أن أطاحت ألمانيا في العاصمة الألمانية برلين بالأرجنتين من كأس العالم قبل أربعة أعوام من الدور ذاته بركلات الجزاء الترجيحية بنتيجة 4-1 بعد تعادل في الوقتين الأصلي و الإضافي بنتيجة 1-1. المُثير أن المنتخب الأرجنتيني واجه هذا العام نفس السيناريو الذي واجهه قبل أربعة أعوام. راقصو التانجو لم يجدوا صعوبة تُذكر في تصدر مجموعتهم الثانية بعدما حققوا فوزًا صعبًا كان من الممكن أن يكون تاريخيًا على المنتخب النيجيري بنتيجة 1-0، و ذلك بعدما تصدى حارس مرمى النسور الخضر فينسينت إنياما لأكثر من ست فرص محققة لليونيل ميسِّي و رفاقه. القوة الهجومية الضاربة للأرجنتين بقيادة المدرب دييجو أرماندو مارادونا (الذي يعتمد على خطة 4-2-3-1) استمرت في التكشير عن أنيابها أمام المنتخبات الدفاعية، فاستطاع الألبيسيليستي تحقيق فوزًا كبيرًا على كوريا الجنوبية بنتيجة 4-1 سجل منها هيجواين ثلاثة أهداف، ليصفه الجميع بجابرييل باتيستوتا الجديد بعدما كان قد فعل الهداف الأسطوري الأمر ذاته في أول مونديال له مُسجلًا ثلاثية في مرمى اليونان في عام 1994 ضمن دور المجموعات. الأدهى من ذلك، أن المنتخب الأرجنتيني عاد ليُواجه المنتخب المكسيكي مجددًا في ثمن نهائي البطولة بعدما تواجها سابقًا في الدور ذاته من كأس العالم 2006، و قد استطاعت الأرجنتين الفوز مجددًا على الهنود الحمر هذه المرة بنتيجة 3-1، على عكس التعادل الإيجابي بنتيجة 1-1 في عام 2006 و الذي أجبر ماكسي رودريجيز على تسجيل هدفه التاريخي من مسافة بعيدة في مرمى أوسفالدو سانتشيز في الدقيقة السادسة من الشوط الإضافي الأول، ليترشح المنتخب الأرجنتيني لمواجهة نظيره الألماني بعد ذلك. أما منتخب الماكينات، فقد انطلق في بطولة هذا العام بفوز عريض و تاريخي على أستراليا برباعية نظيفة بفضل الطريقة التقليدية 4-2-3-1، وظهر الفريق في هذه المباراة بتحرر هجومي واضح بفضل غياب مايكل بالاك الذي كان يُقيد الوسط بعض الشيء و يتسبب تواجده في بناء بعض الخطط عليه، لكن غيابه جعل الهجوم الألماني أكثر سرعة و أظهر الوجه الحقيقي للاعب مثل مسعود أوزيل، كما حصل لوكاس بودولسكي على فرصة هجومية أكبر، و اكتشف المدرب يواخيم لوف القدرات الهائلة للاعب وسط شتوتجارت سامي خضيرا صاحب الجرأة الهجومية والتمريرات المتقنة. الفوز العريض على أستراليا أكسب المنتخب الألماني شهرة واسعة في جنوب أفريقيا منذ الجولة الأولى، و تسابق متابعو البطولة على ترشيحهم لنيل اللقب الرابع في تاريخهم، و لكن سرعان ما تراجعت هذه الترشيحات بسبب الخسارة الغريبة أمام صربيا بهدف للاشيء، و بالرغم من أن الصرب لعبوا مباراة رائعة لكن الخبراء في كل مكان أجمعوا على أن ألمانيا تعرضت لظلم بّين من جانب الحكم الإسباني ألبيرتو أونديانو ماينكو لطرده المهاجم الألماني ميروسلاف كلوزة بتسرع و عدم احتسابه بعض البطاقات ضد لاعبي صربيا، و رغم احتسابه ركلة جزاء لبودولسكي أهدرها ابن نادي كولن إلا أن هذا لم يشفع له أمام الألمان الذين وصفوا إدارته للمباراة كإدارة أي حكم لمباراة ودية بين أي فريقين و ليس في نهائيات كأس العالم ! و اختتمت ألمانيا مبارياتها في المجموعة الرابعة التي كادت تودعها لو خسرت أمام غانا و فازت صربيا، بفوز صعب على النجوم السوداء بهدف أحرزه مسعود أوزيل الذي تلقى خبرًا حزينًا يوم الجمعة من الأسبوع قبل الماضي بوفاة جدته في إحدى المستشفيات شمال تركيا. في الدور ثمن النهائي، اصطدم المنتخب الألماني بنظيره الإنجليزي في موقعة أخرى ذات طابع خاص بين كلا الطرفين لما يحمله الطرفان من خصومة سياسية و رياضية تُجسدها الحربين الأولى و الثانية و نهائي كأس العالم 1966 عندما احتسب الحكم السويسري جوتفرايد دينست هدفًا غير صحيح للمهاجم الإنجليزي جوف هيرست كان الثالث للإنجليز في الشوطين الإضافيين بعد التعادل بهدفين لمثلهما في الشوطين الأصليين، قبل أن يُضيف هيرست الهدف الرابع و يقتل أحلام الألمان لتحقيق اللقب الثاني لهم حينها، ليذهب لقب البطولة لمنتخب الأسود الثلاثة و يُصبح لقبهم الوحيد حتى الآن. و كما حُرم الألمان من نيل البطولة قبل 44 عامًا، حرم الحكم الأوروجوياني خورخي لاريوندا المنتخب الإنجليزي من العودة في أجواء مباراة ربع النهائي خلال الأسبوع الماضي، فبعدما تقدم المنتخب الألماني بهدفي كلوزة و بودولسكي في الدقيقتين 20 و 32 و بدا المنتخب الألماني مسيطرًا على اللقاء، أعاد المدافع الإنجليزي ماتيو أبسون رفاقه في اللقاء بهدفه في الدقيقة 37، لكن لاريوندا منع الإنجليز من إكمال عودتهم بعد دقيقتين فقط إثر إلغائه هدفًا صحيحًا سجله فرانك لامبارد بداعي عدم تخطي الكرة القوية التي اصطدمت بباطن العارضة خط المرمى عند نزولها، بينما كانت الحقيقة هي أن الكرة تجاوزت الخط، لتتدمر معنويات المنتخب الإنجليزي و يُحقق الألمان الفوز بنتيجة 4-1، و هي الهزيمة الأكبر في تاريخ الإنجليز في كأس العالم. و مع تكرار المواجهة في ربع النهائي للمرة الثانية على التوالي مع الألمان، سيحاول المنتخب الأرجنتيني تجنب إمكانية تكرار التاريخ مجددًا و الخروج من المونديال، بعدما كان قد أقصي على يد المنتخب الألماني بركلات الجزاء الترجيحية بنتيجة 4-2 بعدما تعادلا بهدف لمثله في الشوطين الأصليين. في تلك المباراة، عانى المنتخب الأرجنتيني من سيناريو غير متوقع على الإطلاق، فبعدما أخرج المدرب خوسيه بيكيرمان صانع ألعابه الأول خوان رومان ريكيلمي مطمئنًا لتقدمه قبل ربع ساعة من نهاية المباراة بهدف نظيف، لم يتبقَّ سوى تبديل وحيد أراد توفيره في حال آلت المباراة إلى وقت إضافي بحيث يزج بصانع ألعاب آخر، إلا أن حارس المرمى الأساسي روبيرتو أبوندانزييري تعرض للإصابة ليُستبدل بليو فرانكو، مما حرم الأرجنتين من تغييرهم الأخير و جعل الألمان يُسيطرون على ما تبقى من دقائق في المبااة ليُسجل ميروسلاف كلوزة هدف التعادل و يستمر الضغط الألماني حتى ركلات الجزاء الترجيحية التي افتقد فيها الألبيسيليستي لأبوندانزييري البارع في التصدي لركلات الجزاء، على عكس ليو فرانكو. أما الألمان، فسيُحاولون تكرار التاريخ مجددًا خاصة أن مسيرة المنتخب الأرجنتيني في هذه البطولة تبدو مشابهة تمامًا لمسيرتهم في عام 2006، خاصة أيضًا في ظل عدم تغير أسلوب لعب الأرجنتين بشكل كبير عن عام 2006 و الأمر ذاته ينطبق على الألمان. فالمنتخب الأرجنتيني يميل إلى الاستحواذ على الكرة و الاعتماد على اللعب على الأرض و سرعة التمريرات إضافة إلى المهارات الفردية، أما الألمان فيعتمدون على التنظيم الدفاعي و الهجوم السريع أمام دفاع أرجنتيني عمليًا يُعتبر أضعف من دفاع عام 2006، إضافة إلى الاعتماد على الكرات العالية و المعارك البدنية التي قد تكون في صالحهم.