فلان = سمعت في المذياع ... شاهدت في التلفاز ... قرأت ... حرق ‘ قتل ‘ وشجار في وضح النهار وقبائل تنهار ... طارت مني الأفكار ... الإعلام يحكي وكأنه داء عضال ... هم أبرياء منه ويقلقهم الخوض فيه ويترفعون عن الإنتماء ... أهي العودة في زمن ” العودات ” ... ؟؟؟ أم عهد ” العروشية ” ولى وفات ... ؟؟؟ قلت = اليوم ” العروشية ” ليست قبائل ولا ألقاب ... بل قنابل تقطع الرقاب ... نتقارب ‘ نتباعد ونلتقي في الحسب والنسب ونتشارك في رقعة الأرض والسبب ... في النسب ‘ في الحسب ... !!! نلتقي في” العروشية ” وهي فكرة ... فكرة ( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ... ) إن كان مخطأ لا يهمك قدر همك والأهم أنك تسانده ... تدعمه ... تقف لتشد أزره وتنتمي لمجموعته أو هيكله ... فلان = ما معنى كلامك هذا ... ؟؟؟ أتعني أن ” العروشية ” تتعدى اليوم الألقاب ... الأسماء والأرجاء ...؟؟ قلت = ” العروشية ” أصبحت اليوم تكتلات ... تجمعات وفرق وإرث عاد وانبثق وثق الى من تقترب ومنه ترتزق ... ( الحومة وولد الحومة والعركة على فطومة ) الإعلامي والإعلام والكل يساند الأفكار والجماعة مع الأنصار والأزلام من وراء الستار والمشهد ينهار وانصر أخاك في الشجار ولا تحتار ... الأمن يقف مساندا لزميل ويتعلل بالأحكام ... !!! الإتحاد يعد العدة ويجند العباد ويحدد الميعاد ... !!! المجتمع المدني يرقص على نفس النغم ... !!!الأحزاب تختار قبلتها وتأم جيشا في قبيلتها ... !!! أليست “عروشية ” هذه التصرفات ... !!! في زمن العودات ” العروشية ” أعلى مراحل القبلية ... فلان = أنا حمار وأحن إلى الأحمرة التي تنهق نهيقي وتشهق شهيقي ... في أغلب الاحيان أبلع ريقي ليظل حريقي ولا أفكر في شقيقي ... لماذا تكاثر الحديث عن ” رجعات ” و عودات ” ... ؟؟؟ قلت = عودة '' ألديناصورات لتنمية الخيال العلمي والإتجار السينمائيّ وعودة الإنقلابات العسكرية ل'' تصحيح المسارات الديمقراطية ''وعودة الإرهاب '' للقضاء على الفسق''... وعودة الأوبئة الجرثومية وعودة الأزمة النقدية ... بل حتى القرصنة البحرية التي خلناها من غابرات الزمن ها هي تعود في بحر الصومال وقبالة خليج عدن . لقد عادت دولة القرصان وعصر السّلطان وسالف الأزمان وآب الماضي إلى حاضرنا بدون استئذان حينا وبعد الإنذار والاعتذار أحيانا . جدّت كل هذه العودات في زمن '' ما بعد الحداثة'' وهذه مفارقة عويصة تستوجب إعادة التأمّل في مفهوم الحداثة وفي مغزى '' العودات ... فلان = لماذا يربط البعض تلك '' الرّجعات'' بإخفاقات العولمة وفشل النظام العالميّ الجديد ويفسّرها آخرون بثغرات التقدّم البشريّ التي لا غنى عنها فيعتبرها ضريبةَ '' للمعاصرة ... ؟؟؟ قلت = لا يستقيم القول بعودة هذه الظواهر بل يصحّ منطقا الحديث عن عودة البشر إلى تلك الظواهر '' الماضوية'' التي لم ينضب صبيبها ولم يهمد دفقها فظلت خامدة تنتظر شروط إيقاظها وتفعيلها ... أعتقد القائلون بنهاية التاريخ وثبوتية الزمن بزوال تلك الظواهر تدريجيا من محيط الانسانية بلا رجعة وها هو التاريخ يكذّب رومنسيتهم '' الساذجة'' المعتقدة في خطّية التطور والرافضة لفكرة الإنقطاعات والإنزياحات والصراعات الجدلية ... للعرب ''ريادتهم'' كالعادة في خضمّ هذه ''العودات'' ولئن فاتهم ركب ''العودات'' الفكرية الخلاّقة فها هم على رأس العودات '' الكارثية'' الفتّاكة ... . عادوا – وليسوا الوحيدين بالتأكيد – للتوريث وللحروب الأهلية والانقلابات والإرهاب والملل والنِّحل والطائفية و ” العروشية ” التي أصبحت اليوم إحدى السمات الطاغية لنظام العلائق السياسية والاجتماعية والثقافية ... فلان = إحترت في معنى الكلمة وسؤالي ... !!! ماهي ” العروشية ” ... ؟؟؟ قلت = ” العروشية ” ... هي تقريبا العشائرية وفي الحالتين فالإشتقاق يعود لنفس الجذر '' ع-ر-ش'' ويروج استعمال العشيرة والعشائرية مشرقا والعرش والعروشية مغربا والمقصود بالعرش هنا ليس ذاك الذي انتظرنا انفتاح أبوابه في وجوهنا منذ زمن الصحابة ليس عرشا فوق الماء والسماء تسجد له الشمس بل هو عرش فوق الوطن والأمة وتحت المواطنة والمدنية، هو عرش قرابيّ قبليّ طائفيّ ساهم في انبلاج الأبواب وامتدّ لغلق النوافذ . العرش ذاتٌ جماعوية معنوية وقرابية تقوم على عصبة الالتحام ورابطة الدم الحقيقية أوالمزعومة والعرش جزء من الفريق والفريق جزء من الفخذ والفخذ من البطن والبطن من القبيلة ... فلان = يعني من إنتمى للعرش كإنماء أعضاء الجسد للجسد ... ولكن كيف عادت واشتعلت وعلى الأرض وفي الجنوب تحديدا إرتفعت ... ؟؟؟ قلت = الإنتظام العروشيّ الذي عاد وسيطر على بنياننا الاجتماعيّ اليوم ليس قائما بذاته بل بالدّول '' المعاصرة'' التي جدّدت بوعي أو بدونه تلك الأطر العشائرية الآفلة وسكنت إليها عن طواعية أو بانتهازية أملا في تمديد أجل صلاحيتها . إستوت ” العروشية ” وجدّدتها دُول الإستقلال عندما فشلت مشاريعها التنموية وإصلاحاتها الزراعية ومحاولاتها التأميمية. عادت ” العروشية ” عندما إنهزمت الجيوش ودُمّرت نواتات المواطنة وإرهاصات المجتمع المدنيّ وانتعشت العشائرية عندما سقط العدل وأُسرت الحرية وكمّمت الأفواه. تيقّظت الإيديولوجيا '' التعريشية'' عندما خُصخص التعليم والنقل والسكن والصحة بدون أيّ تقسيط متعب ولا مريح. لقد تربّعت ” العروشية ” اليوم على عرش نظيمتنا الاجتماعية وحتّى لا تستصغر ''الرعايا'' ذواتها فقد بحثت عن كبراء وزعماء ووجاهات فلم تجدهم إلاّ في رحاب العشيرة . فلان = وما فائدة هذه العودة ومن يحركها ... ؟؟؟ قلت = يجري في أيامنا التمثيل السياسيّ بالعرش والبيوتات وتقوم المحاصصات الانتخابية على ” العروشية ” ويسري الأمر على أحزاب المعارضة والحكم على حدّ السواء ويقوم التمثيل النقابي والجمعياتي أيضا على المحسوبية ” العروشية ” ... ومن يحرك هذه السواكن هو الباحث عن الكرسي والتمركز في المناصب والمنصب ... فلان = لماذا لم ننجح طيلة نصف قرن وأكثر في بناء المواطنة ... ؟؟؟ لماذا استعصى نيلنا للحداثة في رحاب الدولة ''الوطنية '' و''القومية'' ... ؟؟؟ والمهمة اليوم هل ستكون بالتأكيد أعسر في عهد '' العروشية'' العائدة... ؟؟؟ قلت = اخرها القصة والتي كانت بدايتها يوم الجمعة الفارط عندما أراد مجموعة من السلفيين تغيير إمام أحد الجوامع المحلية بحجة أن خطبه “بعيدة عن المنهج” ، إلا أن عددا من المصلين قاموا بالتصدي لهم مانعينهم من تغيير الإمام الأمر الذي أدى إلى حدوث مناوشات إستعمل خلالها الطرفان الأسلحة البيضاء. و بتحريض من السلفيين ، قام عدد من المنتمين إلى “عرش التوزاين” بالهجوم على 4 منازل من “عرش الربايعية” و قاموا بإضرام النار فيها. المنتمون ل “عرش التوازين” إعتقدوا أن جماعة “عرش الربايعية” هم من وراء قصة تغيير الإمام الذي هو في الأصل ينتمي إلى “عرش التوازين ... ( وتستمر الحكاية وحكايتنا صابة طابة العام الجاي تجينا صابة .... وسلكها يا عمر ... ) .