العبادات التعاملية أساس الدين، فإن صَحَّت صحت العبادات الشعائرية، أما هؤلاء المسلمون الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، يحتالون، يغتصبون، يكذبون، يغشون هؤلاء توهَّموا أن الدين في واد، وأن الحياة في وادٍ آخر. من أهم الموضوعات هي موضوعات الكبائر، هناك صغائر، وهناك كبائر، والكبائر تزيد عن سبعين كبيرة في إحصاء بعض العلماء، من أبرز هذه الكبائر أخذ أموال الناس بالباطل، فحينما يأكل الإنسان أموال الناس بالباطل كأنه يقيم حجاباً بينه وبين ربِّه، وكأن الطريق إلى الله ليست سالكة، عندئذٍ يصلي ولا يشعر أنه يصلي، يقرأ القرآن يرى قلبه مغلقاً، يذكر الله فلا يرتعش جلده، السبب أنه محجوبٌ بالظلم. الآية التي هي أصلٌ في هذا الباب، هي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ ( سورة البقرة: من آية " 188 " ) الأموال ينبغي أن تكون بينكم، ينبغي أن تكون متداولةً بينكم، الوضع الصحي، الوضع السليم، الحالة الطيِّبة، الحالة التي يرقى بها المجتمع، الحالة التي يرضى عنها الله عزَّ وجل، أن تكون هذه الكتلة النقدية بين أيدي الناس جميعاً، فالجميع يأكلون، ويشربون، ويسكنون، ويتزوَّجون، ويطعمون أولادهم، ويتداوَون، أما حينما تجتمع هذه الأموال في أيدٍ قليلة، وتحرم منها الكثرة الكثيرة ؛ تنشأ الجريمة، تفشو السرقات، تكثر دور الدعارة، لأن حاجة الإنسان إلى الطرف الآخر حاجة أساسية، فالجاهل يقضيها بالحرام، فإما أن يكون نكاحٌ وإلا كان السفاح. فيا أيها الإخوة… أول نقطة في هذه الآية: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾ يجب أن تكون هذه الأموال بينكم، متداولةً فيما بينكم، دائماً حينما تزداد الهوة بين الأغنياء والفقراء تتفجر في المجتمع مشكلاتٌ لا يعلمها إلا الله، تتفجَّر، ومتى يكون الناس بخير ؟ إذا كانوا جميعاً في بحبوحة، وحينما قال الله عزَّ وجل في سورة هود: ﴿ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ ( سورة هود: من آية " 84 " ) فسر علماء القرآن هذه الآية بوفرة المواد ورخص الأسعار. فأول نقطة: الوضع الطبيعي أن تكون هذه الكتلة النقدية متداولةً بين كل أفراد المجتمع الآن أيُّ طريقةٍ في البيع والشراء، وأية طريقة في كسب الأموال، وأية طريقةٍ في الحصول على ما في أيدي الناس مخالفةٌ لمنهج الله عزَّ وجل هي محرَّمة، يعني الأعمال تلد المال، طريق مشروع، أما إن ولد المال المال هذا هو الربا، الربا المال وحده ينمو، أما في أصل التشريع الأعمال وحدها تثمر المال. النقطة الثانية أيها الإخوة في هذه الآية، أن الله عزَّ وجل ما قال: لا تأكلوا أموال إخوانكم، ما قال: لا تأكلوا أموال المسلمين، ما قال: لا تأكلوا أموال المؤمنين، ما قال: لا تأكلوا أموال الآخرين، بل قال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾ ( سورة البقرة: من آية " 188 " ) يعني أنا ماذا فعلت لو أنني أخذت مائة ليرة من هذه الجيبة ووضعتها في هذه الجيبة ؟!! ما فعلت شيئاً، ليس هذا هو المقصود، المعنى هو أن مالك هو مال أخيك، وأن مال أخيك هو مالك، مال أخيك مالك من زاويةٍ رائعة، أي من زاويةٍ واحدة أن تحافظ عليه وكأنه مالك، إذا قلت: إن مال أخيك هو مالك، من زاوية الحفاظ عليه، كما لو أنك أعرت مركبة لإنسان يعز عليك وخفت أن يسيء استخدامها، فقلت له: اعتبرها سيارتك، إذا قلنا: مال أخيك هو مالك. بمعنى أن تجتهد في الحفاظ عليه وكأنه مالك، فلأن تمتنع عن أكله بالحرام من باب أولى. الآن، مالك مال أخيك، كيف ؟ أي أن هذا المال الذي وهبك الله إياه ينبغي أن يُنْفَق في وجوهٍ تنفع المسلمين، أنت ما لك حر، أنا درست وجدت أن أربح شيء أعمل ملهى، هذا خطأ كبير، وقد تكون أرباحه طائلة، ولكن هذا الملهى لا ينفع المسلمين، بل يفسد أخلاق شباب المسلمين، يصرف المسلمين عن الجنة والآخرة، ويحببهم في الدنيا، يشجعهم على الحرام، وأكل المال الحرام، وشرب الخمر، فمالك مال الناس من زاويةٍ ثانية، ينبغي أن تنفقه في مصالح المسلمين، وليس لك حريةٌ أن تنفقه كما تشاء. مال أخيك مالك من زاوية أن تحافظ عليه، ومالك مال أخيك من زاوية أن تنفقه في مصالح المسلمين العامة. يعني بشكل أو بآخر، لو معك أموال، ووجدت أن استثمارها في بلاد الغرب أعود عليك بالفائدة، أنت ماذا فعلت ؟ قوَّيت أعداء المسلمين وأضعفت المسلمين.