ما يسمى بالمجتمع المدني من جمعيات و منظمات وهيئات مهنية وشخصيات وطنية و جهوية هو في حقيقة الأمر قوة دفع وخلق ومساندة و رقابة للدولة و لأجهزة الحكومة هدفها خلق التوازن و الإعتدال بين من يمسك السلطة و من تمارس عليه هته السلطة. لكن أن يستغل هذا المجتمع المدني ضعف الدولة لمزيد تفكيكها و إفتكاك سلطة الحكومة المركزية و الجهوية ليمارسها بنفسه عوضا عنها وليحل محل الأحزاب السياسية ونوابها المنتخبين ديمقراطيا في ممارسة الحياة السياسية تحت غطاء مدني فهذا أمر لا يقبله العقل و المنطق لأن فيه خطورة كبيرة على تماسك الدولة ووحدتها وهو يؤدي الى كوارث لا يمكن تخيل عواقبها كتكريس الجهويات المقيتة والفكر القبلي. من ذلك ما يحصل اليوم من طرف بعض من ينسب نفسه لما يسمى بالمجتمع المدني بصفاقس الذي يرى في ضعف الدولة دليلا على قوته ويسعى بكامل قواه الى تقزيم وضرب هياكل الدولة من والي الجهة إلى رئيس البلدية الكبرى مرورا بضرب كل نائب منتخب يحاول ممارسة صلاحياته القانونية. نعم فرسالة هذا المجتمع المدني لكل السلط الشرعية هي نفس الرسالة التي توجه بها النازي هتلر لملك النمسا قبل ايام من احتلال بلده " قم لأجلس " ولتحقيق هدفه تشن بعض الشخصيات من هذا المجتمع حربا شعواء على والي المدينة و على رئيس البلدية الكبرى، هته الحرب هي في الحقيقة تخفي أجندا سياسية و انتخابية للقائمين بها ولمن يحركهم في الخفاء أو يستغلهم و يستعملهم لمصلحته. والاكيد أن المستهدف من هته الحرب ليس شخص الوالي و رئيس البلدية بل المستهدف أطراف أخرى يمكن أن تنافس المحاربين في نيل ثقة الناخب في الانتخابات البلدية القادمة وأهمها الاحزاب السياسية الديمقراطية و الشخصيات المستقلة التي لها حظوظ جدية للفوز بالانتخابات، فهم يريدون مدينة مصحرة من الاحزاب و الشخصيات ومن السلطة المركزية و الجهوية ويريدون ايضا نفي دور النواب المنتخبين عدى من يخدم مصلحتهم حتى تصبح لهم حظوظ جدية. فلا غرابة في ان ينقسم نواب الجهة الى قسمين متنافرين قسم من ثماني نواب يساند الوالي و رئيس البلدية وهم نواب النداء و المشروع وآفاق وجناح الوطد من الجبهة الشعبية وقسم ثاني من ثمان نواب ايضا اعلنوا تضامنهم مع من يقود الحرب ضد السلط الجهوية وهم ستة نواب من النهضة ونائب من حزب سامية عبو وعضو من الجبهة الشعبية من جناح حمة الهمامي. لكن الغريب في هته الحرب أن اصحابها يقلبون المفاهيم و المعايير الصحيحة راسا على عقب لدرجة كون منطقهم صيروه يسير على راسه. فهم يتهمون رئيس البلدية "بالفساد لمصلحة الدولة" اي نعم يتعبرون توسعة محكمة الاستئناف فسادا تستفيد منه الدولة و المرفق العام، بحجة كون التوسعة تنال من فتح الطريق لمشروع تبارورة و الحال أنهم يعلمون جيدا أن لا وجود لأي مشروع لنقل محطة القطارات التي تفصل بين الطريق و تبارورة. و هم ايضا يعتبرون محاربة الوالي و رئيس البلدية للفساد، فسادا يجب محاربته فهم يناصرون نوابا قبضوا منحا مالية من شركات جهوية بدون وجه حق نائبان منهم على الأقل اعترفا بقبض المال وقبلا ارجاعه لخزينة الدولة بعد افتضاح امرهم، و حين تصدى لهم الوالي والكاتب العام وأوقفوا هته المهزلة و هذا النزيف أتهموهما بالتدليس و دافعوا عمن أفسد. والغريب في أمر هذا "المجتمع المدني" انه يتلذذ ردائة وعجز الولات السابقين و تدهور الوضع الصحي و المعماري زمن النيابات الخصوصية السابقة لأن قوته من ضعفهم بينما يعتبر سعي السلط اليوم لتحسين الأوضاع إعلان حرب عليهم خصوصا وأن العديد منهم شغل سابقا مناصب داخل هياكل جهوية ولم نرى منه غير الضعف والفشل لكنه يصر على إعادة التجربة وفرض نفسه على مصلحة الجهة متناسيا المثل الشعبي القائل " إلي يجرب المجرب عقلو مخرب "