الفن قبل ان يكون معطى جماليا هو دون ريب ذلك الفيض الدلالي بكل حمولاته وشحناته الاجتماعية، ولهذا كنت أثير هذا التفاعل الايجابي بين المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس مع محيطه منذ ان أخذ مساحته في مقسمات معرض صفاقس الدولي، وبدا خريجوه يطلون على منافذ المجتمع، ليدخلوا بعد ذلك أبواب الادارات والمنازل في الديكور والنحت واللوحات… مؤسسين لظاهرة إبداعية جديدة ومشتبكة مع حركة المجتمع. وكنت دائما اعتبر ان الذهاب الى فضاء هذا المعهد العالي رحلة بصرية مشوقة بين انسيابية اللون والشكل والصورة والجمال والتناغم. ولو وضعوا أجزاء أو قطعات من هذا العالم في كليات الهندسة والطب والتجارة …لتمتعت جميع حواس الطلبة والأساتذة. وفي نهاية الاسبوع الفائت كانت وجهتي الى هذا المعهد الذي يديره باقتدار الصديق د.نزار شقرون الشاعر والكاتب والمفكر. والحدث الندوة العلمية الثانية لقسم الفنون التشكيلية تحت عنوان: قضايا تدريس الفنون التشكيلية في الوقت الراهن. اشتمل البرنامج على ثلاث جلسات علمية و11عشر مداخلة. وهذا تقليد جيد وجديد يقدم عليه قسم من الاقسام بالمعهد هو قسم الفنون التشكيلية الذي يرأسه الاستاذ منذر مطيبع ليدفع بالتطلعات نحو تأسيس دعائم ثابتة لمساندة الحركة التشكيلية الناشئة وتهيئة محيط علمي وأكاديمي لينمو من خلاله جمهور الطلبة في أحسن الظروف. وعمل التأسيس ليس سهلا وبسيطا لأنه مبادرة جديدة يطرح فيها الاساتذة والطلبة مقاربة القسم في هواجسه ومشاغله للانتصار على كل الصعوبات. وقد ساهم المحاضرون والضيوف والمتدخلون من مواقعهم وتجاربهم المختلفة في طرح عديد الاسئلة حول الفنون التشكيلية: المسار والتاريخ والمعوقات والمستقبل، ومن جملة الافكار الني ابرزها سياق الحوار نذكر: من ناحية، سوء الترابط العضوي بين مكونات المدرسة Ecole التي تعني هذه التدرجية بين الابتدائي والثانوي والعالي. مشكلة تشكيلية كبيرة نراها في التوجيه الجامعية بعد الباكالوريا الذي اصبح احتفاليا كرنفاليا اكثر منه توضيحا للمسالك الجامعية، ونلاحظه في البرامج الجامعية في الفنون التي يسودها كثير من الغموض والثغرات، ويطغى عليها الجانب السياسي اكثر منه الجانب التكويني والبحثي وهذا ينطبق على كل الاختصاصات. ومن ناحية اخرى، فان برامج " إمد" كما ظهرت في هذه الندوة، لم تضمن المهمة العلمية والاجتماعية وعلاقة الجامعة بالصناعيين وبالتالي فإنها ابعد ما تكون عن الجودة، وحتى اشارات الشراكة مع الجامعات الاجنبية ذر للرماد على العيون ….وتحتاج هذه البرامج الى وقفة تأملية رصينة وعاجلة لان هناك قطيعة بين الاجازة والماجستير وقطيعة بين التعليم والتكوين وقطيعة بين الصنعة والبحث. وبما ان منظومة" إمد "هي منظومة فلسفية ومحاولة تصور شمولي فان البديل هو تصور شمولي اخر، يتناول قضايا هذا المنظومة في البرامج والمحتويات والأهداف. وقد عرض رئيس القسم رسالة تحليلية علمية الى وزير التعليم العالي والبحث العلمي في هذا الغرض. أشارت الندوة الى المخاوف التي تراكمت منذ 14 جانفي على الفنون التشكيلية ومنها الاعتداءات وسلسلة مواقف بعض الفئات الاجتماعية والسياسية ورجال الدين على الفن وأهله…رغم ان الابداع شرط لقيام أي عمل فني، وما يفرضه ذلك من تفعيل لقيم الحوار والحرية وتطارح الافكار. "عندما يعرض العمل الفني للجمهور ويتحول الى نص يصبح ضميرا ثقافيا للمجتمع" هذا ما قاله الباحث والناقد ورئيس تحرير مجلة "فنون" الاستاذ خليل قويعة في هذه الندوة ضمن مداخلته التي اهتمت بالمواد النظرية المتعلقة بالفنون التشكيلية: الرهانات البيداعوجية ومطالب الجودة والجدوى.ويجعلني هنا اطرح مسالة الناقد الفني وقراءة الاعمال الفنية والفن التشكيلي في الاعلام، وهو أمر ناقص كثيرا. عالجت هذه الندوة عدة مواضيع نذكر منها مسالة المرجع في التدريس .أي مدرس وأي تدريس للفنون التشكيلية ؟ اشكاليات ورشة الاثتوغرافيا في الفنون التشكيلية . النقل التعلمي وأصناف المعرفة.اشكالية المرجع في تدريس مادة الخزف.اشكالية تدريس الفنون التشكيلية في عصر العولمة. والفن….يبقى دائما انعكاس لروح المجتمع وهويته.