يعتبر المجتمع التونسي من المجتمعات التي عرفت بالتآزر والتعاون والعطاء الغزير، هذا وقد دأب البعض على تقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين في شكل صدقات تطوعيّة "هبة، صدقة، إرث، وصيّة…" أو من مال الزّكاة سعيا منه بالأساس لإرضاء الخالق واعتقادا منه أنه سيساعد الغير في تغيير حياته نحو الأفضل. يتخذ هذا العطاء عادة، عدّة أشكال ومنها: المال، المعدّات، الحيوانات، المحلات، وغير ذلك وقد يكون بطريقة مباشرة من الميسور إلى المحتاج أو غير مباشرة عبر التبرع للجمعيات والهياكل الخيرية والتي تقوم بدورها بتوزيع هذه الصدقات على الحالات الاجتماعية. تمكنت عديد الجمعيات والهياكل الخيرية من مساعدة آلاف العائلات في مختلف المناسبات، ومن تمكين مئات المعطلين عن العمل من بعث مشاريع صغرى تحقق لهم الكرامة وتسد حاجياتهم. هي جمعيات تعتمد نظم شفافة في عملية الاختيار والتوزيع بحيث يستطيع كل متصدق معرفة مآل أمواله والوقوف على الإحصائيات والنتائج المحققة، بيد أن التجربة أثبتت أنّ عديد المشاريع المنجزة سريعا ما تتلاشى لعدم قدرة صاحب المشروع على إدارة مشروعه والمرور به من مرحلة الانطلاق إلى مرحلة الاستقرار في ظل نقص في الإحاطة والمتابعة من قبل الممول ونتيجة ضعف ثقافة بعث المشاريع وسط الفئات المعنية، كما أن البعض من الجمعيات والهياكل وحسب الجهات الأمنية تورطت في العمليات الإرهابية وهو ما أدى إلى فقدان شيء من الثقة بين التونسي والبعض من هذه الهياكل والجمعيات ممّن تعودت تجميع الصدقات والزكاة. أمام هذا الواقع الملموس وجب تفعيل القوانين وإرساء هياكل لمراقبة العمل الخيري بما يضمن القضاء على الحالات الشاذة من جهة وهو ما سيعيد ثقة التونسي في هذه الجمعيات والهياكل الخيرية، ومن جهة أخرى إرساء هياكل للتدريب والتكوين الموجه للجمعيات الخيرية في المجالات التالية: الإدارة واللوجستيك، المالية والمحاسبية، العمل الاجتماعي والتنمية البشرية، وخاصة دراسة المشاريع وآليات الإحاطة والمراقبة قبل وبعد بعث المشروع. إن إنشاء جمعية خيرية تخضع لمراقبة ودعم الدولة في كل "عمادة" يعتبر أحد الوسائل الممكن اعتمادها للتغيير الجذري ووسيلة لتحقيق التنمية العادلة بين الجهات، حيث تستطيع هذه الجمعيات تأمين الإحصائيات الدقيقة عن السكان، تأمين المساعدات الإنسانية الضرورية والمساعدة في بعث المشاريع الصغرى والمتناهية في الصغر وتقديم عديد الخدمات الأخرى. هذا التمشي سيساعد على رسم مخططات الدولة التنموية القريبة والمستقبلية وسيساعد في القضاء على الفقر والبطالة عبر التعويل على الكفاءات من كل عمادة في إدارة الجمعيات بعد مزيد تكوينهم وتنمية قدراتهم. هذا المطمح المشروع والذي يمكن مزيد بلورته على أرض الواقع انطلقت في العمل على انجازه بمعية بعض الأصدقاء والطامحين لتغيير حال البلاد وآمل أن يتبلور أكثر فأكثر على أرض الواقع خاصة وأننا نحتاج للدعم السياسي والمالي لانجازه. كما نسعى حاليا للبحث عن الآليات الكفيلة لخلق أرضية عمل مشترك بين رجال الأعمال والجمعيات ممّا يمكن رجل الأعمال من الربح المالي المشروع لقاء دعمه للجمعية وربح الثواب عبر مساعدة حالات تستحق بحق المساعدة والنجاح. إنّ النجاح في استقطاب الحالات الاجتماعية وتأطيرها خير وسيلة للقضاء على الفقر والانحراف والجريمة، كما سيساهم في القضاء على ظاهرة النزوح من الريف إلى المدينة وفي انتشار الأخلاق الحميدة والشعور بالتضامن والتكافل.