رغم مضي سنة على الإطاحة بنظام بن علي إلاّ أنه لم يتمّ إلى حد الآن الكشف عن هوية القناصة أو إصدار أي حكم قضائي ضد “قتلة الشهداء” على حد تعبير عائلات ضحايا الثورة. هذه العائلات التي اتهمت السلطات ب”التستّر على قتلة أبنائها” تظاهرت في أكثر من مناسبة بالعاصمة تونس مطالبة بالكشف عن “القناصة” و”قتلة الشهداء” و”القصاص” منهم. وتقدّر منظمات حقوقية تونسية عدد القتلى الذين سقطوا برصاص “القناصة” بحوالي 200 من مجموع 300 شخص لقوا حتفهم خلال الثورة التونسية ولا يعلم إلى حد اليوم إن كان هؤلاء تابعين لوزارة الداخلية أو لجهاز الأمن الشخصي للرئيس المخلوع أو للجيش أم أنهم مرتزقة أجانب جندهم بن علي لحماية نظامه من السقوط مثلما يتم تناقله في الشارع التونسي. وبعد الإطاحة ببن علي تأسست لجنة مستقلة لاستقصاء حقيقة أعمال القتل والقمع التي شهدتها البلاد خلال الثورة، أطلق عليها اسم “لجنة استقصاء الحقائق حول التّجاوزات والانتهاكات”. وأعلن رئيس اللجنة الحقوقي توفيق بو دربالة أن عديد التونسيين اللذين لقوا حتفهم خلال الثورة “تم قتلهم أو إصابتهم من قبل عناصر تتمتع بقدرة عالية على إطلاق النار عن بعد مما يؤكد أن عمليات قنص قد تمت” دون أن يتمكن من تحديد هوية القناصة. وقال بو دربالة إن وزارة الداخلية التونسية لم تتعاون مع لجنته ورفضت تسليمها قائمة أعوان الأمن الذين تم تجنيدهم خلال الثورة لقمع الاحتجاجات الشعبية. واستمعت اللجنة إلى أقوال معاونين أمنيين كبار للرئيس المخلوع (تم إيداعهم السجن بعد الإطاحة ببن علي) نفى جميعهم وجود جهاز خاص بالقناصة في وزارة الداخلية التونسية أو تجنيد “قناصة” خلال الثورة. ونفى توفيق بو دربالة ما تداوله الشارع التونسي من “شائعات” حول تجنيد بن علي قناصة أجانب خلال الثورة لقمع الاحتجاجات الشعبية وحماية نظامه من السقوط. وانتشرت “الشائعات” حول دخول قناصة أجانب إلى البلاد بعد أن أوقفت الشرطة يوم 16 كانون ثان/ يناير 2011 في العاصمة تونس مجموعة من 13 صيادا سويديا بحوزتهم بنادق صيد قبل أن تطلق سراحهم بعد أن تأكدت أنهم دخلوا البلاد قبل أسبوع لصيد الخنازير البرية في غابات شمال غرب تونس. ونفى الجنرال علي السرياطي رئيس جهاز الأمن الشخصي للرئيس المخلوع (الذي تم اعتقاله بعد هروب بن علي) أن يكون “القناصة” تابعين لجهاز أمن الرئيس الذي يعدّ 2500 موظفا بين إداريين وأمنيين. وقال السرياطي في تسريبات عبر محامييه إلى صحيفة محلية إن الجهاز الذي كان يشرف عليه لا يعدّ سوى قنّاصين اثنين فقط “لا يحق لهما قانونا العمل خارج أسوار القصر الرئاسي”. أجرى القضاء العسكري التونسي التابع لوزارة الدفاع التونسية تحقيقات حول موضوع القناصة انتهت بإدانة رجال الأمن الذين نشرتهم وزارة الداخلية خلال الثورة لقمع الاحتجاجات. مدير القضاء العسكري العميد مروان بوقرة أعلن في مؤتمر صحفي أن رجال أمن تابعين لوزارة الداخلية اعتلوا خلال الثورة أسطح مباني بمدينتي تالة والقصرين (شمال غرب) وقاموا “بعمليات قنص” لمتظاهرين باستعمال أسلحة “دقيقة” وأخرى “عادية”. وقال بوقرة:”تبيّن قيام بعض أعوان من قوات الأمن الداخلي، كانوا بزيهم النظامي ويرتدون أقنعة على شاكلة القناصة، باعتلاء أسطح مبان عالية تسمح لهم باستهداف ضحاياهم في أماكن قاتلة” (الرأس والعنق والقلب). لكنه استدرك بأن تحقيقات القضاء العسكري “لم تتوصّل إلى تأكيد وجود جهاز مختص تابع لوزارة الداخلية أشرف على مثل هذه العمليات” نتائج تحقيقات القضاء العسكري لم ترق لأعوان الأمن بوزارة الداخلية، إذ خرج عشرات من هؤلاء في مظاهرات بالعاصمة تونس أيام 18 نيسان/أبريل و28 تشرين ثان/نوفمبر و5 كانون أول/ ديسمبر 2011 مطالبين ب”فتح ملف القناصة” وبالإفراج عن زملاء لهم قالوا إنهم اعتقلوا دون أن تثبت عليهم تهم قتل متظاهرين خلال الثورة. مصدر أمني طلب عدم نشر اسمه قال لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن “الجيش الذي تولى بعد هروب بن علي مهام حفظ الأمن في البلاد يتحمل وحده مسؤولية عمليات القنص التي وقعت بعد تاريخ 14 كانون ثان/يناير”. وأضاف:”تم استعمال أسلحة حربية دقيقة في عمليات القنص وهذه الأسلحة لا تتوفر إلا عند الجيش” متهما وزارة الدفاع التي قدمت الجيش التونسي بأنه “حام للثورة” بالعمل على تقديم رجال أمن وزارة الداخلية “كبش فداء”. ودعا المصدر السلطات التونسية إلى أن تعهد بملف القناصة إلى القضاء المدني “المستقل” وليس إلى القضاء العسكري الذي قال إنه “سيكون دائما منحازا إلى المؤسسة العسكرية وسيتستّر عليها لأنه جزء منها”. لكن مصدرا عسكريا نفى بشدة هذه الاتهامات وقال ل(د.ب.أ) إن “أعوان الأمن الذين أصبحوا خلال الثورة عرضة لأعمال انتقامية من قبل المواطنين تعمدوا ارتداء أزياء الجيش الوطني الذي يحظى بسمعة جيدة عند الناس”. من ناحية أخرى اتهم حقوقيون وصحف محلية جهاز “وحدات التدخل” (مكافحة الشغب) الذي نزل خلال الثورة بكامل ثقله إلى الشوارع لقمع المظاهرات بالتورط في عمليات “القنص”. جلال بودريقة الرئيس السابق لفرقة “وحدات التدخل” (تم اعتقاله بعد هروب بن علي) نفى عند مثوله أمام المحكمة العسكرية في كانون أول/ ديسمبر 2011 وجود “قناصة” في فرقة وحداث التدخل. وقال بودريقة إن جهاز مكافحة الإرهاب (الأكثر تدريبا في تونس) هو الجهاز الأمني الوحيد في تونس الذي يضم خبراء في القنص. خبراء في المجال أمني اعتبروا أن تحديد هوية الجهات التي “قنصت” المتظاهرين خلال الثورة، يستدعى إخراج جثامين “الشهداء” من القبور واستخراج الرصاص الذي قتلوا به. ويقول هؤلاء إن تحديد نوعية الرّصاص سيمكّن من تحديد نوعية الأسلحة التي أطلق منها (الرصاص) وبالتالي تحديد الجهة التي أطلقت الرصاص لأن الأسلحة التي يستعملها الجيش والداخلية مختلفة. ذكرت جريدة الشروق التونسية اليومية نقلا عمّن أسمته ب”قنّاص محترف وقانوني” أن إدريس قيقة وزير الداخلية في عهد الرئيس التونسي الراحل حبيب بورقيبة “أسّس” سنة 1981 “أوّل نواة للقناصة” في تونس. وقال “القنّاص المحترف والقانوني” للصحيفة إن في تونس “قناصة محترفين قانونين” خضعوا لتدريبات عالية جدا حتى “يكونوا درعا للوطن وجزءا من الأمن القومي”. وأضاف أن “القنّاص المحترف والقانوني” يرتدي لباسا “يخفي كلّ ملامحه” وأنّه “ممنوع عليه ارتداء ساعة يدوية أو خاتم” حتّى “لا يتحوّل هو بدوره إلى هدف” وأن من “شروط اختصاصه عدم التدخين وشرب الخمر”. وقال المصدر إن القنّاص لا يستعمل سوى رصاصة واحدة يطلقها نحو رأس الهدف “للتخلّص مثلا من إرهابي يمسك برهينة” وأنه لا يستهدف أي مكان آخر من الجسم. وأشار إلى أن كل من قتل خلال الثورة التونسية برصاصة في الرأس فإن قاتله “قنّاص”.